يحمل بين يديه طفلاً لم يبرح عامه السادس.. تلطخت ملابسه بدماء ربما لا يدرى لو كان حياً.. من أين فاضت؟ ينحنى رئيس الوزراء المصرى على جبهة الطفل ويقبله قُبلة وداع، ويدعو فى السر: «اللهم عليك بمن قتله، اللهم أهلك من سفك هذا الدم». ساعات وتصله إشارة من القصر الجمهورى «أديت ما عليك فى فلسطين، اترك أطفال غزة واذهب إلى أسيوط، قرابة ستين طفلاً لقوا حتفهم، أدّ التحية إلى ذويهم وبلغهم مواساة الرئيس، واتخذ اللازم». يهرول «قنديل»، وهو يقارن فى عقله الباطن بين ما فعله - فطرياً - فى غزة، وبين ما يجب أن يفعله بين رفات وأشلاء أطفال أسيوط، هل يجرؤ لسانه أن يدعو بنفس الدعوة، أن يردد الكلمات ذاتها، أن يطلب من الله انتقاماً ممن كان السبب فى إسالة تلك الدماء؟ يتحول من همّ أطفال الجوار المقصوفين جواً، إلى نكبة أطفال الداخل المهروسين تحت عجلات القطار، ينتقل هشام قنديل إلى موقع الحادث يعاين المشهد، بقع من الدم على الأرض، وجبهة القطار ملطخة بذات السائل الأحمر، ومئات المواطنين محتشدون بجلابيب الفقر ورائحته. يزداد وجه رئيس الوزراء احمراراً على ما به من حمرة، صاحب التسعة وأربعين عاماً هو أصغر من تولوا ذلك المنصب. يسترجع فى باطنه إشارة القصر الرئاسى ب«اتخاذ ما يلزم»، يطلب وزير النقل، تدور النقاشات، مكالمة هاتفية يدور فيها الحديث عن «المسئول عن الكارثة»، ينصحه بتقديم الاستقالة إثر الحادث الذى راح فيه أكثر من ستين طفلاً، قبل أن يبلغه بعدها بساعات أن الرئيس قد قبِل الاستقالة. فى طريق العودة إلى القاهرة، تذكر إخفاقاً حققه منذ ساعات فى «غزة» لوقف القصف الإسرائيلى، شهداء غزة من الأطفال معدودون على أصابع اليدين، لا سبيل لإخفاق جديد فى الصعيد يصرح للإعلام «سيتم توقيع أقصى عقوبة على المتسبب فى كارثة أسيوط أياً كان.. لا سبيل لإخفاق جديد». لا يطمع الأهالى المطعونون بفقدان فلذات الأكباد فى طبع قُبلة وزارية دبلوماسية، أو تضامنية على جبهات أطفالهم - ضحايا الحادث - «نريد القصاص العادل من المتسببين، بدءاً من العمال المهملين إلى أكبر رأس كان سبباً فى الإهمال الذى ذهب بصغارنا». فى أسيوط لا وجود لصوت القذائف الثقيلة، ولا ثمة طائرات تحلق أعلى البيوت، فى أسيوط - كما فى كل محافظات مصر - لا صوت يعلو فوق صوت الإهمال، حتى أصوات المحتجين أخفض صوتاً، وأقل وقعاً، إهمال كان السبب فى حادثَى قطار فى أقل من أسبوع.