د. شريف درويش: التقليد يفقد الهوية التى تميز العرب عن غيرهم عيد الحب أو عيد العشاق أو "يوم القديس فالنتين" مناسبة يحتفل بها كثير من الناس فى كل أنحاء العالم وبالأخص فى البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية ثم امتد إلى جميع دول العالم المتحضر تقريبا ولو بصورة رمزية وغير رسمية، يعتبر هذا هو اليوم التقليدى الذى يعبر فيه المحبون عن حبهم لبعضهم البعض عن طريق إرسال بطاقات عيد الحب أو إهداء الزهور أو الحلوى لأحبائهم. وتتضمن رموز الاحتفال بعيد الحب فى العصر الحديث رسومات على شكل قلب وطيور الحمام وكيوبيد ملاك الحب ذى الجناحين، ومنذ القرن التاسع عشر، تراجعت الرسائل المكتوبة بخط اليد لتحل محلها بطاقات المعايدة التى يتم طرحها بأعداد كبيرة. وتشير الإحصائيات التى قامت بها الرابطة التجارية لناشرى بطاقات المعايدة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى أن عدد بطاقات عيد الحب التى تُتداول فى كل أنحاء العالم فى كل عام يبلغ مليار بطاقة تقريبًا، وهو ما يجعل يوم عيد الحب فى المرتبة الثانية من حيث كثرة عدد بطاقات المعايدة التى ترسل فيه بعد عيد الميلاد، وتوضح الإحصائيات التى صدرت عن هذه الرابطة أن الرجال ينفقون فى المتوسط ضعف ما تنفقه النساء على هذه البطاقات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها. وقد لا يعنى الفالنتين بالنسبة لهم الوقوع فى الحب أو تبادل المشاعر والأحاسيس، ولكنه ليس أكثر من كونه تقليدا شكليا لثقافة غربية غزت مجتمعاتنا العربية بشكل لافت للنظر قد لا تعنى بالنسبة لهم سوى ممارسة فنون "التظبيط والصحوبية" التى أصبحت تميز عالم المراهقين والشباب بشكل كبير. فن "التظبيط" فكرة "الصحوبية" نفسها بين الولد والبنت أصبحت تحتل اهتماما كبيرا فى حياتهم سواء فى يوم الفالنتين أو غيره؛ كما يؤكد د. شريف درويش -طبيب نفسى- أن شغف الشباب بالاحتفال بهذه المناسبات وتقليد المجتمع الغربى فى ضرورة وجود (بوى أو جيرل فريند) فى حياتهم إنما يعود إلى فقد الشباب الهوية الثقافية العربية التى تميزهم عن غيرهم من الشعوب، والفراغ المعرفى والعلمى الذى يجعلهم هدفا سهلا للغزو الثقافى فيخترق عقولهم وحياتهم وينعكس على تصرفاتهم بشكل واضح، ويدل على ذلك سهولة تأثرهم بكل ما هو قادم من الغرب وهوسهم به، كما فى احتفالهم بهذا اليوم بشكل يفوق احتفال أهله به، من الخروج فى جماعات ثنائية والإقبال الكبير على شراء الورود والدمى والقلوب الحمراء، بل وصل الأمر إلى أن البعض منهم لا يكون لديه "صاحب أو صاحبة" وبمجرد خروجه إلى الشارع أو الحدائق تجدهم قد كونوا ثنائيات فى منتهى السرعة والسهولة. ويستكمل قائلا: "الفراغ الذى يعيش فيه الشباب فهم لا يعرفون من هم ولا لأى ثقافة ينتمون جعلهم فى صراع بين ما ينشئون عليه من ثقافة ومعتقدات وبين ما يحاصرهم من الثقافات الأخرى، وذلك نتيجة طبيعية لتخلى الأهل عن مسئوليتهم فى تربية الأجيال على القيم والأخلاق وعدم الاهتمام بمراجعة ما يفعله الأبناء، وكذلك عدم القدرة على التواصل معهم أو فهمهم وإلقاء تلك المهمة الثقيلة على كاهل الشارع والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام، مما أدى إلى غياب تلك المفاهيم عن الشباب. ويوضح درويش أن الخلل الواضح فى منظومة التعليم فى العالم العربى بالإضافة إلى الفراغ الرهيب الذى يحاصرهم فى تلك المرحلة العمرية يجعلان كل تفكيرهم ينحصر فى العلاقة مع الجنس الآخر، وكيفية إتقان مهارات تكوين "الصحوبية"، وقد أصبحت العلاقات المفتوحة بين الجنسين سمة مميزة وعادية ومن لم يصاحب من وجهة نظرهم فهو لديه مشكلة بالتأكيد!. التمسك بالهوية ويبين المستشارأننا إذا كنا نحن بالفعل أصل المشكلة؛ فإن الحل يكمن فى أيدينا أيضا والذى يتمثل فى تمسك الكبار أولا بالقيم والتقاليد والهوية العربية والثقافة قبل محاولة غرسها فى نفوس الأبناء، حتى لا تكون مجرد قشور أو مظاهر شكلية لا تؤتى ثمارها فى حياتهم، ويجب عليهم أن يتقنوا فنون التواصل مع المراهقين والشباب حتى لا تكون هناك فجوة معرفية بينهم تتزايد بمرور الوقت. ومن الأهمية بمكان أن يعود دورنا الريادى فى كل المجالات بين الثقافات ولا نظل فى موقف المتلقى السلبى أو المتفرج طوال الوقت كما يضيف درويش؛ ولا نترك هذا الفراغ القاتل فى عقولنا؛ فالوعاء الفارغ من السهل أن نملأه بأى شىء سواء كان ضار أو نافع، بل يجب علينا أن نعمل بجد لإحياء تراثنا العربى ونعتز به، وذلك بعودة القيم والأخلاقيات والسلوكيات القويمة إلى المجتمع، وهذا لا يعنى الانغلاق والعزلة والتقوقع حول أنفسنا بل الانفتاح بوعى وفهم على الثقافات الأخرى لتبادل المعرفة البناءة بعد أن نحتمى بحصن الثقافة والعروبة من الذوبان فى الثقافات الأخرى.