إذا كنت تعبر ميدان التحرير فى طريقك اليومى من وإلى العمل أو الدراسة فبالتأكيد سيقع فى يدك كارت ورقى تزينه قلوب حمراء صغيرة كتبت عليه عبارة "عايز أقولك إنى بحبك".. لا تقلق فالأمر لا يحمل أية معاكسات من أى نوع، إنها رسالة يحملها مجموعة من الشباب المسيحى إلى إخوانهم المسلمين، ويحلمون أن يتمكنوا من قولها لكل مسلم فى مصر. فعن طريق كارت صغير باللونين الأحمر والأبيض بدأت مجموعة من 15 شابا هم بين طلبة جامعة وحديثى تخرج من قلب ميدان التحرير وأمام فتحات محطة المترو بتوزيع رسالة نصها: "أخى المسلم.. فقط أود أن أعلن عن محبتى لك واحترامى لشخصك ودينك ومسجدك ومقدساتك ورموزك الدينية وعاداتك وتقاليدك، ولن أنتظر وقت الأزمات لكى نقولها لبعض بشكل مصطنع، بل أقولها لك الآن وبشكل طبيعى: بحبك يا أخويا المسلم وسأظل أحبك إلى الأبد.. إمضاء أخوك المسيحى". الكارت الذى زينت تصميمه القلوب الحمراء الصغيرة حمل صفات المحبة التى وردت فى الإنجيل: "المحبة تصبر وترفق، المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء، المحبة لا تسئ التصرف ولا تطلب منفعتها الخاصة ولا تحتد ولا تظن السوء، المحبة لا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق، المحبة تصفح عن كل شىء وتصدق كل شىء وترجو كل شىء وتصبر على كل شىء، المحبة لا تزول أبدا".. وفى الجهة الأخرى كتبت الآية الثانية من سورة المائدة: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. هدف مبادرة "عايز أقولك إنى بحبك" هو تحقيق المصالحة الشعبية كما يقول سامح صبرى –صاحب الفكرة ومسئول المبادرة ومدرب تنمية بشرية بالكنيسة-: "من فترة طويلة وأنا مشغول بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين ومشاكل الفتنة التى كانت تحدث مرة كل عام أو مرتين فى العام، وأصبحت الآن تتكرر بشكل شهرى وأحيانًا أسبوعى، وكل طرف يلقى المسئولية على الآخر، وكنت ألاحظ أن الأمر لا يعبر عن احتقان حقيقى كما تصور بعض وسائل الإعلام وإنما هناك من يهيج الطرفين ويلعب بعقول المعتدلين من الشعب". ويضيف سامح من هنا وردت فكرة أن يبادر الشباب المسيحى بالتعبير عن حقيقة مشاعرهم بعيدًا عن الأحداث التى تستفز الطرفين وما يتبعها من جلسات صلح فاترة وقبلات وأحضان مصطنعة، فعرض الفكرة على مجموعة من أصدقائه من مختلف الطوائف المسيحية الذى يلتقيهم بحكم عمله ليرحبوا بها بشدة ويبدءوا فى التنفيذ منذ شهرين، ودافعهم فى ذلك ما أوصى عليه الإنجيل وما تعلموه وآمنوا به. وببعض التبرعات الصغيرة التى تراوحت بين 20 و50 جنيها؛ بدأت المجموعة فى تصميم الكارت ثم توجهوا به إلى إحدى مكاتب الدعاية لتنفيذ التصميم وطباعته، ولكن ما إن علم صاحب المكتب المسيحى بفكرة الحملة حتى أصر أن تكون الدفعة الأولى للكروت مجانية، وبعد نجاح أول فعالية فى ميدان التحرير استنفد خلالها الشباب كل كميات الكروت قرر صاحب المكتب ألا يتقاضى عن الدفعة الثانية سوى ثمن الورق فقط كما أهداهم لوحتين للحملة (بانر) مساهمة منه فى دعمها. "وإحنا كمان بنحبكم" هذا الترحيب لم يقتصر على المسيحيين فقط كما يقول وسلى عماد –محامى تحت التمرين وأحد المشاركين فى الحملة-: "فى البداية كنا نخشى من مواجهة الناس وتوقعنا ردود أفعال عنيفة، ولكن ما حدث فاجأنا؛ فالبعض قام باحتضاننا والرد علينا بعبارة: وإحنا كمان بنحبكم. والبعض الآخر أهدى المشاركين فى الحملة عبوات العصير وأكياس البسكويت لتعينهم على الوقوف ثلاث ساعات فى الشارع". ويذكر سامح أنه أثناء الفاعلية الثانية التى وفقت فيها المجموعة أمام أبواب مسجد عمر مكرم وقت صلاة الجمعة لقى من المسلمين محبة لم يكن يتوقعها، وسأله المصلين عن طريقة الإعداد لهذه الحملة ورغبته فى تكرارها من جانب المسلمين للمسيحيين، يقول سامح: "أحد المسلمين أبدى لى رغبته فى عمل بانر مماثل وتعليقه على شرفة منزله؛ لأنه لن يتمكن من الوقوف فى الميادين، وآخر يملك فندقا صغيرا قال سأعلقه على واجهة الفندق.. أنا كنت متأكد أن عمر المحبة ما تترفض، وما دامت المحبة بالفعل هى اللى فى قلبى يبقى ليه أخاف، وفى الإنجيل (الجواب اللين يصرف الغضب)، لذلك تغلبت على خوفى من ردود الأفعال وتوجهت إلى المسلمين أبلغهم حبى". محبة متوارثة وبعد أربع فعاليات تم خلالها التجاوب مع المسلمين فى الميدان يقول سامح: "بعد ما نزلت الشارع بقيت أدافع عن المسلمين بشكل مستميت، وأصبحت أواجه كل الشائعات عن الطائفية فى مصر، أكيد قابلنا مواقف سلبية زى واحد قال لنا (كده أمريكا هاتزعل منكم) لكن قابلت أضعافها إيجابيات من خطباء مساجد وملتحين ومنتقبات". ويتذكر سامح من أيام الطفولة تلك الأسرة المسلمة التى استضافت أهله فى منزلها عدة شهور حين تصدع بيتهم، وترك الزوجين المسلمين بيتهما لأسرته مجهزًا بكل ما يحتاجونه حتى تم ترميم البيت وعادوا إليه، ولكنهم حتى اليوم ما زالوا على تواصل قوى بهذين الزوجين ومن بعدهما بأبنائهم، ولعل هذه المواقف المخزونة فى الذاكرة هى التى دعمت سامح وأصدقاءه وساعدتهم على مواجهة من يحاول إشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. أما عن أحلام هذه الحملة فيتمنون أن ينشروا حملتهم فى كبرى الميادين داخل محافظات مصر خاصة بعد أن بدأت مجموعات أخرى من أصدقائهم المسيحيين فى الأقاليم يتواصلون معهم على فيس بوك لنقل التجربة، وقد يستعينون فى ذلك بالتنسيق مع بعض الكنائس حيث يقف عدد المتطوعين والتمويل المادى عائقًا أمامهم.