خالد الأصور [email protected] فى 9/12/1994 شكلت الأممالمتحدة لجنة لإعداد اتفاقية دولية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية واستمر عملها حتى انعقاد المؤتمر الدبلوماسى فى روما فى يوليو 1998، وتم اعتماد النظام الأساسى للمحكمة، واتخذت من مدينة لاهاى بهولندا مقرا لها، وبدأ نفاذ نظامها فى أول يوليو 2002 بتصديق 60 دولة، زادت حاليا إلى 116 دولة، ورغم أن 14 دولة عربية وقعت على النظام الأساسى، إلا أن 4 فقط صدقت عليه، وهى الأردن وجيبوتى وجزر القمر، وكان آخرها تونس فى يونيو 2011. وكان الأمل معقودا على وجود قضاء جنائى دولى مستقل ومحايد، يمارس اختصاصاته على جميع الدول والأشخاص دون تمييز لتحقيق العدالة الدولية، وهذا العام تحتفل المحكمة بالذكرى العاشرة لإنشائها وسط عدد من التحديات التى تعوق عملها، وتحول دون تحقيق العدالة الدولية المرجوة منها، فهناك أزمات مالية عالمية تؤثر على المحكمة، وترفض بعض الدول الأعضاء -لا سيما على مدار العامين الماضيين - أية زيادة فى ميزانيتها، بل إن بعضها لا يلتزم بسداد حصته المالية، مما يؤثر حتما على أداء دورها. ولكن فضلا عن مشكلة الميزانية وهى معوقة لأنشطة المحكمة، فإن القضية الأهم تخص الدور والمكانة التى يفترض أن تمنحها الدول الأعضاء للمحكمة، ومما يؤثر فى مكانة هذا الدور وينعكس سلبا على مصداقية المحكمة، الاستثناءات والإعفاءات من المحاكمة والعقاب للمواطنين الأمريكيين، فهى الدولة الوحيدة التى تبدى معارضة شرسة للمحكمة، وترجع معارضتها إلى تاريخ اعتماد النظام الأساسى للمحكمة عام 1998، حيث كانت واشنطن إحدى 7 دول فقط صوتت ضد اعتماد النظام، ورغم توقيعها عليه لاحقا فى 31 ديسمبر2000 فى عهد الرئيس بيل كلينتون، إلا أنها فى خطوة غير مسبوقة سحبت توقيعها فى 6 مايو 2002 فى عهد الرئيس بوش الصغير، وأعلنت عدم التزامها به، وشنت حملة دولية للضغط على المحكمة والعمل على إفلات جميع المواطنين الأمريكيين من الخضوع للولاية القضائية للمحكمة ومن ثم العقاب. فقد اتبعت واشنطن إستراتيجية خبيثة تتمثل فى ضمان إفلات المواطنين الأمريكيين من العقاب من خلال مجلس الأمن الدولى، ففى يوليو 2002 أصدر المجلس بضغط أمريكى هائل القرار 1422 الذى يمنح رعايا الدول التى لم تصادق على قانون روما الأساسى حصانة دائمة من التحقيق أو المقاضاة من جانب المحكمة. عندما يشارك هؤلاء الأشخاص فى عمليات تقوم أو تصرح بها الأممالمتحدة، ثم جرت مساع أمريكية حثيثة للالتفاف على المحكمة الجنائية الدولية وتفريغ نظامها من مضمونه بإبرام عدد من الاتفاقيات الثنائية مع العديد من الدول التى تعهدت بعدم تسليم أو نقل المواطنين الأمريكيين المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية، إذا طلبت منها المحكمة ذلك، ولا توجب تلك الاتفاقيات من الولاياتالمتحدة أو الدول الأخرى الموقعة إجراء تحقيق بشأن الجرائم التى يرتكبها أمريكيون، حتى إذا توافرت أدلة كافية، وكذلك عدم مقاضاتهم أمام المحاكم الأمريكية. وفى 1 يوليو 2003 واستمرارا للضغوط أعلنت الولاياتالمتحدة سحب المعونات العسكرية التى تقدمها إلى 35 دولة رفضت التوقيع على اتفاقية حصانة من العقاب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفى 8 ديسمبر 2004 ذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك، بسحبها المعونات الاقتصادية من الدول التى أبقت على رفضها التوقيع على اتفاقيات الحصانة، وضربت عرض الحائط بتنديد منظمة العفو الدولية بتلك الاتفاقيات والإجراءات الأمريكية التى تنتهك الالتزامات المترتبة عليها بموجب القانون الدولى. إن هذا السلوك الاستبدادى من الولاياتالمتحدة يؤكد ما وصفها به الباحث والعالم الأمريكى نعوم تشومسكى بأنها دولة خارجة على القانون، فى كتابه "صناعة الإذعان" الأمر الذى يؤكد أن مصطلحات السلم والأمن والعدالة الدولية هى دخان فى الهواء!