المحكمة الجنائية وملاحقة رؤساء الدول أحمد حسين أثار طلب المحكمة الجنائية الدولية اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير ردود أفعال رسمية وشعبية عربية وإسلامية, رافضة للقرار, متسائلة: لماذا لم تتحرك المحكمة لإدانة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين, ولبنان, والولاياتالمتحدة في العراق, وأفغانستان؟ والقرار يطرح العديد من التساؤلات: هل يحق للمحكمة الجنائية محاكمة رؤساء الدول لو ارتكبوا جرائم الإبادة, أو جرائم ضد الإنسانية؟ وهل يجبر قانون المحكمة هؤلاء الرؤساء علي المثول أمامها حتي لو لم توقع دولهم علي اتفاقية إنشائها؟ والمحكمة الجنائية الدولية تأسست عام2002 وتضم18 قاضيا تختارهم الدول الأطراف في اتفاقية إنشاء المحكمة, ومكتبا للمدعي العام يعمل كجهاز مستقل ومنفصل عنها, وتختص المحكمة بمحاكمة المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية, وجرائم ضد الإنسانية, وجرائم الحرب, وجريمة العدوان. ولقد شهد كاتب هذه السطور في روما اعتماد النظام الأساسي لتلك المحكمة في17 يوليو عام1998, حيث أوفدته الأهرام لتغطية هذا الحدث الدولي الذي شاركت فيه مصر بوفد قضائي رفيع المستوي, برئاسة رئيس محكمة النقض, ولقد لمست عن قرب الجهود المضنية التي بذلها الدكتور شريف بسيوني أستاذ القانون الدولي( المصري) بجامعة ديبول بشيكاغو, حيث كان رئيسا للجنة الصياغة, ليصدر هذا النظام ملبيا حاجة المجتمع الدولي إلي إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة, ولقد بلغ عدد الدول الموقعة علي قانون إنشاء المحكمة حتي نوفمبر الماضي105 دول, و41 دولة وقعت علي النظام الأساسي ولم تصادق عليها, كما وقع علي قانون المحكمة من المنطقة العربية دولتان هما الأردن وجيبوتي, وسحبت دولتان توقيعهما علي قانون المحكمة وأعلنتا عدم رغبتهما في التصويت وهما الولاياتالمتحدةالأمريكية, وإسرائيل. والمحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع القيام بدورها القضائي ما لم تبد المحاكم الوطنية رغبتها, أو كانت غير قادرة علي التحقيق أو الادعاء ضد تلك القضايا, فهي بذلك تمثل المآل الأخير, فالمسئولية الأولية تتجه إلي الدول وقوانينها الوطنية باعتبار أن القضاء الدولي قضاء تكميلي إذا لم تتحقق العدالة الوطنية. ولقد دافعت الدول العربية, وكثير من دول العالم الثالث, عن وجود تحديد قاطع لجريمة العدوان, وطالبوا بإدخال الاستيطان ضمن جرائم العدوان, حيث إنها تشكل أحد أشكاله, لكن بعض الدول الكبري مثل الولاياتالمتحدة, تري في وجود هذا التعريف القاطع خطورة علي رجالها العسكريين. ويعد الرئيس السوداني, الذي حكم السودان19 عاما, أول رئيس دولة تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية, حيث إن قانون المحكمة لا يعطي الحصانة لأي شخص حتي ولو كان رئيسا للدولة, ومسألة الحصانة أثارت جدلا واسعا عند مناقشة النظام الأساسي للمحكمة, حيث تنص العديد من الدساتير علي نوع من الحصانة ضد المقاضاة الجنائية لرئيس الدولة, والمسئولين الحكوميين والبرلمانيين, بينما تنص المادة(27) من النظام الأساسي للمحكمة علي عدم الاعتداد بالصفة الرسمية بأي حال من الأحوال للإعفاء من المسئولية الجنائية أو جعلها سببا لتخفيف العقوبة, كما أثيرت مشكلة أخري حول تسليم المتهمين إلي المحكمة الجنائية الدولية علي أساس أن دساتير العديد من الدول تحظر تقديم رعاياها إلي قضاء أجنبي, ولقد تعرضت مناقشة النظام الأساسي للمحكمة لهذا الشأن علي أساس أن التسليم إلي دولة أخري يختلف تماما عن الإحالة إلي المحكمة الجنائية الدولية كهيئة دولية, كما أنها ليست محكمة أجنبية, أو ولاية لقضاء أجنبي. وحول طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية اعتقال الرئيس السوداني تباينت آراء فقهاء القانون الدولي, ومدي التزام السودان بتلك القرارات, ويري فريق منهم ألا تلتزم السودان بها باعتبار أنها لم توقع علي اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية, وإن كان النظام الأساسي للمحكمة يفرض علي الدولة صاحبة الشأن أن تتعاون مع المحكمة, وفي حالة عدم تعاونها يحال الموضوع إلي مجلس الأمن لاتخاذ التدابير والعقوبات ضدها, ولقد سبق أن أحال مجلس الأمن الجرائم التي ارتكبت في دارفور إلي المحكمة الجنائية, وبالفعل أحالت المحكمة وزيرا سودانيا للمحاكمة, بالإضافة إلي قائد من ميليشيا الجنجويد, ولم يقم السودان بتسليمهم. بينما يري فريق آخر أن تقوم السودان بإجراء محاكمة جنائية في الجرائم التي أشارت إليها المحكمة الدولية ومعاقبة مرتكبيها علي أن تتولي المحكمة مراقبة تلك المحاكمات, وإذا حدث ذلك فلن يكون للمحكمة الجنائية الحق في التدخل. عن صحيفة الاهرام المصرية 24/7/2008