الإمام حسن البنا أول المتطوعين فى كتائب نصرة فلسطين وأول من دعا إلى استخدام سلاح المقاطعة كورقة ضغط الإخوان دعوا جميع العرب وحشدوا الأموال والرجال لقتال اليهود محمد العزونى لم يبدأ فيلم "دور الإخوان المسلمين فى حرب 1948" برصد ما قام به الإخوان المسلمون من دور فى حرب 1948، ولكنه عاد بالزمن إلى ما قبل ذلك بنحو 51 عاما؛ حيث استهل أحداثه بالمؤتمر الصهيونى الأول الذى عقده الصحفى اليهودى تيودور هرتزل فى عام 1897 بمدينة بازل بسويسرا لتقوم الصهيونية العالمية بمساعدة المملكة البريطانية بالعمل فى الخفاء لتجهيز الأراضى الفلسطينية لتكون مقرا لدولته الصهيونية المزعومة عن طريق تهجير الفلسطينيين من أرضهم بترويعهم وارتكاب مجازر بشعة فى حقهم. ويرصد بعد ذلك وعد وزير الخارجية البريطانى آرثر بلفور فى 2 من نوفمبر عام 1917 "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" بتسليم الأرض الفلسطينية لإقامة دولة اليهود الجديدة تحت اسم "إسرائيل" ولم تقف المقاومة الإسلامية مكتوفة الأيدى؛ فقد قاد الشيخ عز الدين القسام مقاومة شرسة ظلت شوكة فى ظهر الكيان الصهيونى. ويقول الدكتور مازن النجار -المحلل السياسى الفلسطينى- إن عز الدين القسام بدأ بتشكيل مجموعات مقاومة أواخر عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن الماضى لمقاومة المشروع الصهيونى والانتداب البريطانى معا فى فلسطين وتبعها استشهاد الشيخ عز الدين القسام الذى كان الشرارة الأولى لاندلاع ثورة عام 1936. ويعيد النجار الفضل للقساميين ممن ساروا على دربه لتبقى جذوة المقاومة مشتعلة حتى عام 1948 وبعد عام 1948. وتتوالى أنباء المذابح التى ترتكبها العصابات الصهيونية فى ظل خضوع مصر لحكم الملك ورغبات الاستعمار البريطانى ودعمه للدولة الصهيونية الجديدة ليعلن الإمام الشهيد حسن البنا بأن القضية الفلسطينية لا بد أن تتصدر المشهد وعمل على جمع الجهود والطاقات لمواجهة العدو الصهيونى من همجية اليهود. يذكر الدكتور محمد عبد الخالق الشريف -عضو مكتب الإرشاد- أن إيمان الإمام بالقضية الفلسطينية كان يسبق تأسيس الجماعة؛ فحينما كان طالبا فى دار العلوم كان الفكرتان الأساسيتان فى رأسه هما تحرر بلاد المسلمين من الاستعمار ومعاناة الفلسطينيين، ويضيف أن الصهاينة عندما بدءوا الدخول إلى فلسطين قاموا بعمل مجازر وحشية وجرائم حرب واستغلوا حاجة الفلسطينيين للمال وطردوا الفلسطينيين من أراضيهم. ويقول محمد مهدى عاكف -المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين- بأن الحكومات العربية فى ذلك الوقت لم تكن على مستوى الحدث وتركت فلسطين نهبا لهذه العصابات ولم يبخل الإخوان المسلمون فى يوم من الأيام على القضية الفلسطينية أو على طلبات الحاج أمين الحسينى -مفتى القدس آنذاك. من جانبه، يصف الدكتور مازن النجار شخصية الحاج أمين الحسينى بأنه شخصية فريدة قادر على الاتصال بالعالم الإسلامى كله وأسس ما هو معروف بالهيئة العربية العليا والتى شملت مسلمين ومسيحيين من أهل فلسطين وشخصيات وطنية لتقود الكفاح الفلسطينى خلال سنوات. تسود فى مصر مظاهرات عارمة تندد بصمت الحكومات عما يحدث فى فلسطين ومطالبة بدعم القضية والمقاومة الفلسطينية والعمل ضد الدولة الصهيونية بكل السبل المتاحة اقتصاديا وإعلاميا وسياسيا. ويذكر محمد عبد المنعم -أحد المصريين الذين عاشوا فى تلك الفترة- أن الأطفال الصغار شاركوا فى المظاهرات بالإضافة إلى الإذاعة المصرية التى كانت تذيع أغنية عبد الوهاب "أخى جاوز الظالمون المدى" وقدمت السينما فيلما لسعاد محمد اسمه "فتاة من فلسطين"، حتى شكوكو قدم "منولوج" عن القضية الفلسطينية. ويقول مهدى عاكف إن الجماعة فى ذلك الوقت كانت تمتلك جريدة يومية باسم الإخوان المسلمون ومجلة الشهاب التى لم يكن هم لها إلا فلسطين، موضحا أن الإخوان والإمام بذلا جهدا كبيرا ليصبح الشعب على وعى بفلسطين ولتصبح قضيته الرئيسية. ويذكر جمال البنا -شقيق الإمام المرشد- أن الإمام لم يكن له هم إلا نشر القضية الفلسطينية والتعريف بها عبر الخطب والرسائل والمنشورات ودعا الشيخ أمين الحسينى إلى مصر وكتب عبارة صناعة الموت لتكون دعوة منه للجهاد. ويذكر الدكتور محمد عبد الخالق أن الإمام أول من فكر فى المقاطعة الاقتصادية؛ فقد كان الناس يشربون مشروب الكوكاكولا فدعا الناس إلى مقاطعتها لأنها منتج أمريكى ومن السهل الاستغناء عنه. أما على نويتو -أحد من عاصروا هذه الفترة- فيتذكر القرش الذى تبرع به وهو صغير لصالح فلسطين ليقول مازن النجار إن الأموال التى جمعها الإخوان لم تكن بالكثيرة فقد استخدمت فى التعريف بالقضية فى الشارع المصرى. ويعرض الفيلم لمشاهد وثائقية لجلسة الأممالمتحدة عام 1947 الخاصة بتقسيم فلسطين لتوافق الولاياتالمتحدة مع 32 دولة فى مقابل ثلاث عشرة دولة رفضت التقسيم وامتناع عشر دول عن التصويت وعلى رأسها المملكة المتحدة. ويتذكر محمد عبد المنعم ما حدث كردة فعل من أهالى الإسكندرية على هذا القرار من مظاهرات عمت كل أرجاء المدينة تطالب بإسقاط وعد بلفور والتصدى للهجمة الصهيونية. ويقول مهدى عاكف إن الإمام الشهيد خرج بمظاهرة من الأزهر والحسين وقادها بنفسه ليواجهها البوليس الذى كان يركب الخيل وقمنا بإيقاعهم من عليها لتصل المظاهرة إلى عابدين. ويضيف محمد عبد الخالق أن الإمام الشهيد ذهب لعبد الرحمن باشا عزام فى منزله بحلوان ليشرح له القضية عن قرب لتأخذ القضية حيزا أكبر من اهتمامه فهو أمين عام لمجلس الجامعة العربية، واستطاع الإمام الشهيد أن يجعل كل الجهود تتضافر لمواجهة هذا الخطر، فتقوم الجامعة العربية بفتح باب الجهاد لفلسطين وتصدر قرارا بإنشاء جيش إنقاذ فلسطين وجمع 50 مليون جنيه لدعم المقاومة ويدعو الإمام الشهيد حسن البنا لأن يصل أعداد المتطوعين إلى عشرة آلاف متطوع ليسرع الشعب المصرى بكل طوائفه للانضمام إلى الكفاح المسلح فى فلسطين. ويذكر محمد عبد المنعم أن الإمام الشهيد اشترط على المتطوعين ألا يكون وحيد والديه وألا يقل سنه عن 18 سنة وأن يكون له دخل حتى إذا ما استشهد لا تعانى الأسرة وأن يأتى بموافقة صريحة من والديه وأن يجتاز اختبارات الكشف الطبى واللياقة ليكون فى مقدمة المتطوعين وكان المجتمع كله كالأوانى المستطرقة الحكومة والإخوان والشعب لخدمة هذه القضية ولم يكن هناك أب أو أم يخاف على أبنائه. ويقول مهدى عاكف -المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين- إن أول من تطوع هو الإمام الشهيد حسن البنا وقد كان ضمن كتيبته ورأى العجب العجاب من الناس الذين لم يتمكنوا من الذهاب للجهاد فى فلسطين ليأتى أحدهم لتجهيز مجاهد ليدفع ثمن البندقية والعتاد للمجاهد. ويضيف الدكتور محمد عبد الخالق أن الشباب كان أكثر المتطوعين وقال لى الإمام الشهيد بأننا نريد أن تصبح القضية الفلسطينية قضية كل المسلمين وليست قضية محلية وأمرنى بأن أضع واحدا فقط من الإخوان مع تسعة من غير الإخوان لتوسيع قاعدة القضية. ويعتبر عاكف أن التنظيم الخاص أحد مفاخر الإمام الشهيد؛ فمصر كانت أمة محتلة والأمية العسكرية طاغية، ففكر الإمام أن يربى شباب الإخوان تربية عسكرية لتحرير فلسطين ومقاومة المحتل ويتذكر عاكف الإخوان الذين عملوا على جمع السلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية. ويحكى الدكتور محمد عبد الخالق كيف دخلت قوات الأمن إلى المركز العام للإخوان المسلمين والدخول مباشرة إلى إحدى الغرف المغلقة وأمر بفتحها ليجد بها سلاحا ويقرر مصادرة هذا السلاح ولكن عبد الرحمن باشا عزام -أمين عام جامعة الدول العربية فى ذلك الوقت- أنقذ الموقف وقال إن الإخوان قاموا بشراء هذا السلاح من أموالهم لمحاربة اليهود فى فلسطين. ويشير عاكف إلى أن النفرة لنجدة فلسطين كانت فى جميع البلدان العربية ولكن كانت مصر فى المقدمة. ويحكى على نعمان -أحد أبطال حرب 1948- عن ردة فعل والده عندما أخبره بأنه ذاهب لفلسطين؛ حيث رفض والده فهو الذى يساعده ويحتاجه معه، فما كان من على إلا أن قال الرزاق هو الله ويبتسم قائلا بأن أمه وافقته على السفر ولم توافق أباه على منعه، ويتابع عندما ذهبت إلى المركز العام استلمت ملابسى وعدت إلى المنزل ودخلت حجرتى لأخرج لأمى وأنا أرتديها لتقع على الأرض عندما رأتنى وتبكى، فحضنتها لأكتشف أن النصف الأسفل قد شل تماما وبت هذه الليلة بجوارها. ويضيف نعمان قلت لأمى إن هذا أمر من الله واختبار لى ولكِ ولا بد من الذهاب لفلسطين، فقالت لى يا على روح لفلسطين، وذهبت للمركز العام وخرجنا فى استعراض عسكرى وسرنا فى وسط القاهرة لنسمع زغاريد النساء من فوق السطوح وتحية الناس فى الشوارع ثم ركبنا السيارات لنصل إلى بورسعيد. وتذكر زوجة عبد الرحمن البنان -أحد أبطال حرب 1948- عن التحاق زوجها للحرب، قائلة إن فلسطين كانت همه الأول ولم يجد طريقا لنصرتها إلا الالتحاق بالمجاهدين، ولكن لم يكن يعرف الطريق وقرر أن يذهب ولكنه ذهب إلى المجهول فركب القطار وفى يده مصحفه فيتعجب شخص جالس بجواره من ذهابه إلى معسكرات الإخوان دون معرفة أين هى ودون تدريب أو تسليح ويدله على مكانها فى مخيمات البريج ليقف القطار عند إحدى نقاط التفتيش وعندما وصل للضابط الذى سيسأله عن أوراقه قام ضابط آخر بالنداء على الضابط الذى يقف عبد الرحمن بين يديه ليمر دون أن يسأله أحد ويصل إلى المعسكر وعلى الباب يسأله العساكر عن اسمه فيقول لهم عبد الرحمن البنان فيقولون له إن الضابط نور الدين وصى عليك ليقابل كامل الشريف والشيخ محمد فرغلى وحكى لهم قصته بصراحة فيتعجبون لصبره على المعاناة للحاق بكتائب المجاهدين وحصل على دورة مكثفة فى أسبوعين لتحصيل الدورة التدريبية على القتال التى حصل عليها المقاتلون فى شهرين.