فى الوقت الذى استقبل فيه جموع المصريين قرار "إبعاد" النائب العام إلى "الفاتيكان" بارتياح كبير، وسعادة غامرة، وأمل أن يمثل ذلك القرار نقطة بداية لاستعادة حقوق الشهداء، رفض فريق "المعارضة البغيضة" أن يتسق مع تلك المشاعر الشعبية، وينسجم مع حالة الفرحة العامة، وأطلق "دستة كراسى" فى كل "الكلوبات" التى طالتها أيديهم. توافق وطنى يكاد يصل إلى درجة "الإجماع" يدور حول مسئولية النائب العام فى "تفخيخ" قضايا قتل المتظاهرين، وتقديمها إلى المحاكم بلا أدلة مادية، ولا إثباتات حقيقية، ولا قرائن يستند إليها القاضى فى إدانة المتهمين والقصاص للشهداء، واتفاق عام على أن السيد المستشار الدكتور النائب العام هو الراعى الرسمى لمهرجان "البراءة للجميع" الذى راحت حلقاته تتواصل؛ بدءا من قضايا قتل الثوار بكل المحافظات وأقسام الشرطة، مرورا بتبرئة مساعدى العادلى فى قضية مبارك، نهاية بالبراءة الشاملة لكل المتهمين فى قضية موقعة الجمل! كلمة "النائب العام" فى أبسط تعريفاتها، أنه ينوب عن الشعب فى الحصول على حق المجتمع، فإن خرج الشعب ليقول له: "شكرا.. مش عايزين"، أو "ارحل يعنى امشى"، فلا بد أن يستجيب المستشار، كما أرغم الطيار! عند هذه النقطة، أعتقد أن الالتفاف الثورى، والاصطفاف الوطنى ضرورة من أجل إزاحة النائب العام، وتنحيته، وربما مساءلته، لكن ما حدث فى الساعات التالية لقرار "النفى إلى الفاتيكان" كان غريبا وغامضا ومشبوها أيضا. فجأة تتعالى الأصوات ضد الرئيس: طالما كان يقدر يرسله إلى الفاتيكان، لماذا لم يبعده إلا اليوم؟! والرد البسيط: وإن كان يستطيع أن يقيل طنطاوى وعنان أول يوليو، فلماذا انتظر إلى يوم 12 أغسطس؟! ببساطة لكل قرار ظروفه وحيثياته وتوقيته المناسب. ثم خرج من يقول إن إبعاد النائب العام إلى الفاتيكان، ومن قبله قرار الإفراج عن الثوار والمعتقلين، كانا لمجرد التغطية على فشل خطة المائة يوم، وأقول: حتى وإن كان هدف الرئيس تصويب مسار، أو إصلاح أداء، أو إنجاز أهداف الثورة الواحد تلو الآخر، فهل هذا يعيبه أو يصب فى خانته؟! وفجأة، وبعد منتصف الليل، ظهر رئيس نادى القضاة، بعد فترة من الغياب كنت أتساءل خلالها "أين زندى؟"، ليعقد مؤتمرا صحفيا خطابيا معتادا يتوعد فيه كل من يطالب بتطهير القضاء. فجأة أيضا، خرج "فقهاء الدستور "إياهم" بعد فترة من التخزين فى "الكراتين"، ليؤكدوا رفضهم قرار تعيين النائب العام سفيرا فى الفاتيكان، وهم هم الذين خرجوا أيام الثورة ليقسموا أن عزل مبارك لا يجوز، وأن الثورة ليس لها مخرج قانونى، وأن بقاء المخلوع فى مكانه قدر لا بد منه! على الخط، دخل "السافل الحق" ليكتب بالنص: "صراع المؤسّسات الحادث اليوم لا يعنى الثورة فى شى.. مجرم اسمه النائب العام يحاول الحفاظ على موقعه، وخائن اسمه محمد مرسى يحاول الهروب من الحساب بالظهور كبطل منقذ على حساب كل الشرعيّات.. موعدنا غدًا لحساب مرسى على فشله فى وعود المائة يوم، وبعد غد لإقالة النائب العام ومحاكمته"! فى الصباح، كان السيناريو معدا، بافتعال اشتباكات، وسقوط جرحى، ولإفشال أى جهد لتحقيق نهضة هذا البلد.. وكل تلك "السخافات" تتم باسم الثورة والثوار والشهداء.. حاجة تقرف.