جاء قرر الرئيس الأمريكي المنتمي لليمين المتطرف الموالي لإسرائيل دونالد ترامب، اليوم الأربعاء 5 ديسمبر 2017م، بنقل السفارة الأمريكية في الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس، صفعة مدوية على وجوه العرب والمسلمين جميعًا، كما أنها تفضح حفنة الحكام الخونة الذين مالئوا الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال على حساب الأمة والدين والعروبة، لكنها في ذات القوت تؤكد انتصار منهج المقاومة على حساب أكذوبة مسار السلام المزعوم وسراب المفاوضات العبثية. وتأتي خطوة ترامب كشفًا لأولى خطوات صفقة القرن التي أبرمها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحكام الإمارات ورئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في ظل قبول أردني بحريني.
وتعرض رئيس السلطة الفلسطينة محمود عباس أبو مازن لضغوط من جانب ولي العهد السعودي للقبول بصفقة القرن التي تقضي بالتخلي عن القدس للصهاينة وتكون مدينة "أبو ديس" عاصمة للدولة الفلسطينية المزعومة.
الخطوة في حقيقتها هي نقل السفارة من أرض عربية محتلة إلى أرض عربية أخرى محتلة ولكنها أكثر قداسة لما تضمه من المسجد الأقصى مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثالث الحرمين.
وبحسب مراقبين فإن هذه الخطوة من شأنها تأجيج الصراع في المنطقة، وعرقلة آمال الواهمين في استئناف مفاوضات السلام المزعوم، وتقضي على أكذوبة ووهم حل الدولتين؛ لكنها في ذات الوقت تضع الحقائق مجردة أمام الجميع بلا تذويق أو مساحيق تجميل خادعة ومضللة للشعوب، وتعد حسما للخلاف الدائر منذ عقود حول اختيار المسار الأنسب ضد الاحتلال هل هو مسار المفاوضات كما تدعو السلطة وحركة فتح أم مسار المقاومة كما تتبناه حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي وقوى فلسطينية أخرى.
وجاء قرار نقل السفارة بعد اجتماع ترامب مع فريق إدارته فى البيت الأبيض، والذى قال ترامب قبل انعقاده فى تصريحات للصحفيين، إن قراره بشأن القدس جاء بعد دراسة وتفكير طويلة، وأن هذا القرار "تأخر كثيرًا" على حد وصفه.
وقال ترامب "قال رؤساء عديدون إنهم يريدون القيام بشىء ولم يفعلوا، سواء تعلق الأمر بشجاعتهم او انهم غيروا رأيهم، لا يمكننى أن أقول لكم"، مصورا نفسه رئيسا يجرؤ على تنفيذ وعود أحجم عنها رؤساء سابقون، وقال "اعتقد ان الأمر تأخر كثيرا".
وكانت وكالة "وفا" الفلسطينية قد أكدت أن "ترامب" قد أطلع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على نيته للقيام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الأمر الذي حذر منه عباس لتشكيله خطورة على عملية الأمن، والاستقرار في الشرق الأوسط.
وقال الدكتور جمال عبدالجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، أن «لهذا القرار تأثيرًا كبير في الشأن العالمي، حيث يعتبر قرار نقل السفارة إلى القدس هو تقويض لعملية السلام، كما سيساهم في هدم أي تسوية سياسية بين الفلسطينيين، والإسرائيليين من الممكن أن تحدث».
وأضاف "عبدالجواد" في تصريحات صحفية اليوم أن "هناك قوانين دولية تحدد الأراضي بين الإسرائيليين، والفلسطينيين، بالإضافة إلى العديد من القرارت الدولية التي صدرت على مدار أعوام عديدة بخصوص الوضع دخل القدس، فبصدور هذا القرار، يعني ذلك نسف كل المواثيق، والقرارات التي صدرت لتنظيم الأمور، بل وتقويض أي فرصة لوصول إلى إتفاق شامل، ونهائي".
أما العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية، فقد رأى أن "قرار نقل السفارة يشكل تهديدًا صارخًا على عربية القدس، ووصف ذلك القرار بالإهانة الكبيرة".
وأشار "راغب" إلى أن "هذا القرار سوف ينهي كل الجهود المستمرة منذ أكثر من ربع قرن من أجل حل الدولتين"، مضيفًا: "إن المفاوضات في مسألة حل الدولتين كانت تأمل في العودة إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو عام 1967، وإعلان دولة فلسطينية عاصمتها القدسالشرقية، وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من القدسالشرقية، هذا الأمر الذي سيتوقف بالكامل، وسيصبح مجرد خيال بقرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس".
انتصار لمنهج المقاومة ويرى العميد حسين راغب، أن "الأمور ستسير فقط بعد هذا القرار في المضي نحو حل الدولة الواحدة فقط، وليس حل الدولتين، الأمر الذي سوف يجعل الفلسطينيين يعيشون داخل وطنهم، وهم مواطنين من الدرجة السابعة"، على حد تعبيره.
وأضاف "راغب": "أنه بناء على ذلك، سوف تحل السلطة الفلسطينية نفسها، وتعود المقاومة في شكلها المسلح، وظهور منظمة التحرير الفلسطينية من أجل مكافحة الاحتلال، وعودة الكفاح المسلح كما كان في الماضي".
رفض فلسطيني للقرار الأمريكي وفقًا للدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية فإن هذا القرار يدمر عملية السلام لأن فلسطين بلا قدس ليس لها معنى، وقد يعطي هذا القرار لنتنياهو الفرصة بيهودية الدولة الفلسطينية، ويحاول فرض ذلك على أرض الواقع، وفقًا لأستاذ العلاقات الدولية.
فيما يرى الدكتور علي ثابت، أستاذ العلاقات الدولية، خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس، بأنها تغيير كبير في مسار القضية الفلسطينية وستتحول من المسار الدبلوماسي إلى المستوى الشعبي، وهو ما تتفهمه جيدًا الإدارة الأمريكية لإدخال مصير القضية في نفق مظلم.
ومن جانبه دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأربعاء إلى قعد اجتماع عاجل لمنظمة التعاون الإسلامي يوم 13 ديسمبر المقبل، من أجل بحث الأزمة مؤكدا للرئيس الأمريكي أن «القدس للسلمين خط أحمر يا سيد ترامب».