جاء تعليق موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على تسلُّم الحكومة الفلسطينية معبر رفح، صباح الأربعاء أول نوفمبر، من حركة حماس، واصفًا الطريقة التي تم بها التسليم ب"غير اللائقة"، ليثير تساؤلات حول ما قصده أبو مرزوق. "أبو مرزوق" قال، في تغريدة عبر حسابه على تويتر: "إن الطريقة التي تم استلام معبر رفح بها غير لائقة ولم نتفق عليها، وأي اتفاق يخلو من العدالة والإنصاف ويحترم ما تم التوقيع عليه لن يكتب له النجاح". وحين سأله أحد المغردين عما يقصده، ذكر أبو مرزوق أن "ما تم ليس له علاقة بالوحدة، فالوحدة بين طرفين، وما حصل هو استبدال، واستجابة لشروط (إسرائيل) معابر بلا حماس". خلاصة ما قاله "أبو مرزوق" كانت الاحتجاج على استبعاد إدارة المعابر وحكومة عباس في رام له للموظفين من حركة حماس تمامًا؛ استجابة للشروط الإسرائيلية، فضلا عن حديث وزراء سلطة عباس أن المعبر سيعود ليدار وفقًا لاتفاقية وبروتوكول تشغيله الموقع عام 2005، والذي يعطي إسرائيل الحق في مراقبة الركاب والاعتراض على بعضهم، والتنسيق الأمني مع مصر وسلطة عباس لمراقبة المعبر، أي عودتها للسيطرة الكاملة عليه. وفور تسلم السلطة الفلسطينية المعبر، قامت بنشر عشرات البوسترات الضخمة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وأخرى تجمع السيسي وعباس بطريقة مستفزة، كأنه هو الذي فتح المعبر لشعب غزة لا حماس، التي تنازلت طوعًا لصالح رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. وقد عُزِف السلام الوطني الفلسطيني والمصري، وزُيِّن المعبر بصورٍ ضخمة لعبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي لم تطأ قدماه غزة منذ أن سيطرت عليها حماس بعد طرد قواته عام 2007. معبر بلا حماس ما أغضب حماس كان عدم تعامل سلطة عباس مع تسليم وتسلم المعبر بطريقة تشير لأي مصالحة بين الطرفين، وتتعامل مع الأمر بمنطق الطرف الواحد، وتجاهل حماس، وظهر هذا في إعلان إبعاد موظفي حماس من المعبر، وهو إجراء يضاف إلى سلسلة إجراءات عدوانية من سلطة عباس، لا تزال ترفض التراجع عنها رغم توقيع اتفاق المصالحة، مثل قطع رواتب موظفين في غزة وتقليصها، ورفض تمويل وقود غزة، ما يشكك في نواياها باتجاه المصالحة. فقد أكد هشام عدوان، المتحدث باسم هيئة المعابر في قطاع غزة (عينته حماس)، أن عملية تسليم المعابر "خطوة للأمام تجاه تحقيق المصالحة بين حماس وفتح"، ولكنه أكد "عدم وجود أي موظف سابق (يتبع حركة حماس) داخل المعابر"، مشيرا إلى مسئولية حكومة التوافق عن معابر قطاع غزة. وقال القيادي في فتح رئيس لجنة التفاوض مع حماس "عزام الأحمد": إن حرس الرئاسة سينتشر داخل وحول معبر رفح وعلى الحدود، وستكون إدارة المعبر خاضعة لاتفاقية 2005 بتواجد الشرطة الأوروبية، وهو ما يعني أيضًا ضمنًا عودة السيطرة الإسرائيلية؛ لأن هذا الاتفاق يسمح بوجود مراقبة إسرائيلية بالكاميرات للمعبر. ولذلك رد عليهم أعضاء في حركة حماس، مطالبين حكومة عباس بالوفاء بالتزاماتها كما فعلت حماس، وقال د. سامي أبو زهري، إن الحكومة الفلسطينية مطالبة بالوفاء بتعهداتها بفتح المعبر بشكل طبيعي، ورفع جميع عقوباتها عن أهل غزة. عودة المراقبة الإسرائيلية ما أغضب حماس أيضا أنها كانت تتوقع ألا تعود سلطة عباس للالتزام الكامل والحرفي باتفاق تشغيل المعبر عام 2005، الذي كان أحد مشاكل غزة؛ لأنه يجعل للاحتلال سيطرة على المعبر من عدة أوجه رقابية وأمنية. فبموجب هذا الاتفاق تتحكم إسرائيل في تصدير جميع المنتجات الزراعية من غزة، كما يراقب الصهاينة الركاب، عبر كاميرات المراقبة وأنظمة ومعدات الكومبيوتر المركّبة، ويجري تشكيل لجنة فلسطينية إسرائيلية أوروبية لمراقبة المعبر والتعاون الأمني. كما ينص الاتفاق على "إطلاع حكومة إسرائيل على قائمة السلطة الفلسطينية التي تحتوي على أسماء العاملين في معبر رفح"، أي التحكم في نوعية العاملين ليسهل مراقبتهم وتجنيدهم، لهذا أصروا على استبعاد أي موظف تابع لحركة حماس. ومن المُقرَّر أن يبدأ معبر رفح العمل بشكلٍ كامل في 15 نوفمبر، وذلك بعدما تُنهي مصر تجديداتٍ في جانبها من الحدود، ومن المتوقع أن يستمر عمل معبري إيريز وكرم أبو سالم على طول الحدود مع إسرائيل، وهما اللذان يُستخدمان أساسا لأغراضٍ إنسانية. تجفيف موارد حماس الأغرب أنه بدلا من تسريع المصالحة، وإلغاء القرارات العقابية القديمة المفروضة على أهالي غزة، تفرغت حكومة (الوفاق) لتجفيف منابع حماس المالية، وبدأتها بقرار إلغاء "كل الجبايات الضريبية عن قطاع غزة". وكانت حماس قد فرضت ضرائب على المعابر وأنفاق نقل السلع المهربة في ظل الحصار؛ لتوفير موارد لإدارتها قطاع غزة، في ظل انقطاع أموال السلطة الفلسطينية والحصار المصري والصهيوني. ولكن السلطة الفلسطينية أعلنت عن أنَّها ستلغي الضرائب والرسوم "غير قانونية" من الغزيين، في إشارةٍ إلى الرسوم غير الرسمية التي تبلغ ملايين الدولارات شهرياً، التي كانت حماس تجنيها من الواردات وشبكات التهريب عبر الحدود. ونشير في هذا الصدد إلى أن: 1. حماس تعاطت بكل مرونة مع المصالحة باعتبارها خيارًا استراتيجيا وطريقا وطنيا لتخفيف آلام شعب غزة المحاصر منذ 10 أعوام. 2. بوابة المصالحة هي: الشراكة الوطنية والتكامل الوظيفي مع التطبيق الأمين لاتفاقات المصالحة، ولكن فتح بدأت القصة باستبعاد حماس من موضوع المعابر. 3. كان لا بد من رفع الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة مؤخرا على غزة (الكهرباء، الصحة والتحويلات، الخصومات على الموظفين، التقاعد المبكر) باعتبارها مطلبا شعبيا، وإثبات مدى جدية "فتح" نحو المصالحة، وهو ما لم يحدث حتى الآن. 4. حركة فتح كانت تربط تراجعها عن رفع العقوبات عن غزة بحل اللجنة الإدارية الحكومية التي شكلتها حماس لإدارة غزة، ثم بقدوم حكومة الوفاق الوطني، ثم بالانتهاء من تفاهمات القاهرة، وقد تم تنفيذ أهم مطلبين، ويبقى الانتهاء من تفاهمات القاهرة التي تستغرق شهورا، ما يعد دليلا على التسويف والمقايضة غير الوطنية. ولا شك أن التسويف والتباطؤ والتلكؤ في رفع الإجراءات العقابية عن غزة التي فرضتها السلطة مؤخرا غير مبرر، ويضر بالمصالحة وبمصلحة الشعب الفلسطيني. وتحظى السلطة الفلسطينية باعترافٍ دولي، في حين تُصنَّف حماس، وهي حركة مُسلَّحة إسلامية، كتنظيمٍ إرهابي من جانب إسرائيل، والولايات المتحدة، ومعظم الغرب، لهذا تتعامل السلطة الفلسطينية مع الحركة بنوع من التعالي، متصورة أنها ضعيفة وتتنازل، بينما حماس هي التي قدمت كل هذه التنازلات من تلقاء نفسها؛ لإحراج السلطة ومصر والأطراف التي تغلق القطاع على مليوني مواطن فلسطيني. وبعد إشراف السلطة الفلسطينية على المعابر، يأمل سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، في تخفيفٍ كبير للحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر بسبب مخاوف أمنية، وهو ما يحد بشدة من حركة الأفراد والبضائع. وبموجب الاتفاق بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، المُوقَّع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبوساطةٍ مصرية، وافقت حماس على تسليم شئون الحكم اليومية في غزة إلى السلطة الفلسطينية، إلى جانب نقل السيطرة على المعابر. ومثَّل هذا الاتفاق اعترافا عمليا من حماس، التي حاربت إسرائيل 3 مرات، بأنَّها لا تستطيع حكم غزة دون منافستها. ويُفتَرَض أن تكون الخطوات التالية في الاتفاق هي عقد لقاءٍ هذا الشهر لجميع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، ومحادثاتٍ تهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية. ويبدو أن حماس عازمة على إلقاء عبء حكم غزة عن كاهلها، لكن دون قبول الاتفاقات الفلسطينية -الإسرائيلية التي جرى التوصُّل إليها في التسعينيات، والتي أدَّت إلى نشأة السلطة الفلسطينية، أو التخلِّي عن "سلاح المقاومة" ضد إسرائيل.