رغم التباين في المواقف بين كل من تركياوإيران، لا سيما في الملف السوري، حيث انحازت أنقرة للشعب والثورة، أما طهران فانحازت لبشار واستبداده، إلا أن ذلك لم يمنع في ضوء التحولات الإقليمية والدولية للمشهد السوري العراقي من تقارب الخصمين من التنافس إلى التقارب ثم التعاون. ومن أكبر مظاهر التقارب بين البلدين، قيام رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري بزيارة إلى تركيا مؤخرا، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها مسئول عسكري إيراني بهذا المستوى إلى أنقرة منذ الثورة الإيرانية عام 1979. وأثمرت الزيارة عن اتفاق الطرفين على التعاون فيما بينهما في سوريا، بعد أن ظلت أنقرةوطهران على خلاف شديد تجاه الوضع السوري. تعاون ضد الأكراد ومن ثمار التقارب بين البلدين، ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخرا، بتنفيذ عملية مشتركة مع إيران ضد "حزب العمال الكردستاني"، من شأنها أن تكون فعالة. وقال أردوغان للصحفيين: "إن صراعا أكثر كفاءة ضد الحزب المحظور وفرعه الإيراني، حزب الحياة الحرة، سيكون ممكنا من خلال تحرك مشترك مع طهران". من جانبه، أكد رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري أنه بحث مع نظيره التركي "خلوصي أكار" قضية الحدود بين البلدين وضرورة ضبطها، كاشفا عن قرب زيارة نظيره التركي إلى إيران لإكمال المفاوضات والمحادثات فيما يخص المسائل ذات الاهتمام المشترك. وبحسب الخبير في الشأن التركي سعيد الحاج، ينظر الطرفان بحساسية شديدة لأي تطور يتعلق بالملف الكردي في كل من سورياوالعراق؛ لتأثيراته المحتملة عليهما في الداخل، ومن هذا المنطلق ترفض أنقرة تأسيس أي كيان سياسي يحكمه حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية في سوريا؛ لعلاقة الأخير بحزب العمال الكردستاني. بيد أن التطور الذي وضع الطرفين أمام ضرورة بلورة موقف مشترك، كان إعلان مسعود البارزاني، رئيس إقليم شمال العراق، عن إجراء استفتاء شعبي لأكراد الإقليم حول استقلاله في سبتمبر المقبل. الاستفتاء "غير الملزم" في نتيجته والذي يحمل فقط معاني رمزية تقوي ورقة الطرف الكردي على طاولة التفاوض مع حكومة بغداد المركزية، تعتبره العاصمتان الإقليميتان خطوة مساعدة على طريق الاستقلال، وبالتالي معقّدة للملف الكردي الداخلي فيهما، ولذلك فقد عبّرا عن موقف مشترك رافض له، بل وصل الأمر للتحذير من عواقبه التي تراوحت بين "التوتر" في تصريحات باقري، و"الحرب الأهلية العراقية" في كلام وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو. غياب العرب عن المشهد ولعل غياب العرب عموما من التأثير الإقليمي وانشغالهم بالخصومات الداخلية فيما بينهم؛ دفع تركيا إلى عدم التعويل عليهم، لا سيما الإدارة السعودية التي أثبتت المواقف والأحداث قصر نظرها، كمن يطعن نحلة على جسمه بسيف حاد. فقد فشلت السعودية في احتوء الحركات الإسلامية السنية، وعززت من روح الخصومة والكراهية بقيامها بحصار قطر، ودفع الخليج كله إلى أزمة تضاعف من ضعف العرب وتعجل بسقوطهم المتواصل. كما فشلت في ملفات اليمن وسوريا ولبنان، ولا همّ لها سوى دعم النظم المستبدة في مصر وليبيا، وتحولت إلى ذيل للتوجهات الإماراتية الرامية إلى تبعية العرب لأمريكا وإسرائيل؛ أملا في تعزيز موقف ابن سلمان في قيادة المملكة بدون عوائق. تطورات الملف السوري ولعل تطورات الأزمة السورية بعد حلب، من الأسباب التي ساهمت في تقارب الجانبين أكثر فأكثر، إذ أصبحا في نفس الإطار الثلاثي الراعي لمسار أستانة ومراقبة التطورات الميدانية، إثر اتفاق مناطق خفض التصعيد، فضلاً عن اتفاقهما مع باقي الأطراف على استحالة الحل العسكري، وضرورة المسار السياسي التفاوضي. لم تنته الخلافات والاختلافات بين تركياوإيران بمجرد الزيارة، فما زالا في تنافس وتناقض في الرؤى والمصالح والمواقف إلى حد كبير، لكنهما فضلا وضع الخلافات البينية جانبا مؤقتا؛ لمواجهة ما اعتبروه تهديدا استراتيجيا مشتركاً.