اعتقد الخبراء والمحللون عقب انتخاب الدكتور "محمد مرسى" رئيسا للجمهورية أنه سيواجه تحديات خارجية، تجعله عاجزا عن التواصل مع العالم الخارجى، خاصة أن المجتمع الدولى وعلى رأسه الدول الغربية، يتخوف بشكل كبير من التجربة الديموقراطية الجديدة التى جاءت برئيس من التيار الإسلامى، الذى ظل الرئيس المخلوع "حسنى مبارك" يشوه فى صورته طوال ثلاثة عقود متتالية، ولكن تعامل الدكتور مرسى مع الأحداث والتطورات، وقيامه بسلسلة زيارات للعالم الخارجى، وخاصة لأوروبا وأمريكا، قد أسهم بشكل كبير فى تفنيد تلك المقولات الزائفة التى كان يعتمد عليها النظام السابق فى الحصول على الشرعية الخارجية، وتدعيم أواصر حكمه فى الداخل. لقد نجح الدكتور مرسى خلال فترة وجيزة فى أن يحقق عدة مكاسب، أهمها أنه أثبت للمجتمع الدولى أن مصر دولة مؤسسات حقيقية، وأنها تحترم اتفاقياتها ومعاهداتها مع كافة دول العالم، وأن وصول الإسلاميين للحكم لا يعنى على الإطلاق، تكرار النموذج الإيرانى الذى يسعى للسيطرة والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، لنشر مشروعه الشيعى فى دول المنطقة، والقضاء على الأمن والاستقرار فيها. أما أخطر وأهم ما فعله الرئيس المصرى إنما يتمثل فى نجاحه فى استعادة الدور الإقليمى لمصر بعد عقود من التراجع، لدرجة قيام بعض الدول العربية الصغيرة بلعب أدوار أكبر من حجمها بمراحل، وذلك على حساب الدور المصرى الريادى. فقد شهد العالم العربى والإسلامى للدكتور مرسى بلعب دور مؤثر فى الملف الفلسطينى، بعد أن نجح فى فك الحصار الغاشم الذى فرضه الكيان الصهيونى على قطاع غزة منذ عام 2008، وذلك إثر قيامه بفتح معبر رفح بشكل دائم، وقيامه بالتقريب بين الفصائل الفلسطينية، ووضع حد للانقسام العميق ما بين حركتى فتح وحماس. الأمر نفسه بالنسبة للأزمة السورية التى يسعى الرئيس جاهدا بمشاركة بعض دول المنطقة فى إيجاد حلول بناءة لها، من خلال المبادرة العربية التى اقترحها الرئيس وتضم إلى جانب مصر السعودية وإيران وتركيا، وتستهدف وقف نزيف الدم السورى، وحمل النظام المجرم على الرحيل. كذلك نجح الرئيس فى القضاء على سياسة التبعية التى اعتمدها النظام البائد كمنهج أساسى له فى سياسته الخارجية مع الغرب، خاصة مع أمريكا، فقد حرص الدكتور مرسى خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، على أن يؤكد حرص مصر على إقامة علاقات متينة مع الولاياتالمتحدة باعتبارها لاعبا أساسيا ومحوريا فى منطقة الشرق الأوسط، ولكنه أكد فى ذات الوقت على أهمية أن تقوم تلك العلاقات على الشراكة والندية، وليس على التبعية مثلما كان يفعل النظام السابق. فمصر دولة قوية ومحورية فى منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لأية دولة مهما كانت قوتها أن تتجاهلها فى حل كافة ملفات وأزمات منطقة الشرق الأوسط، خاصة أخطر القضايا الموجودة فى المنطقة، وهى القضية الفلسطينية، فبغير مصر وبغير دورها الفاعل فى هذه القضية، لن تكون هناك حلول حقيقية على أرض الواقع. والحقيقة أنه رغم أهمية ما قام ويقوم به رئيس الجمهورية من محاولات حثيثة لاستعادة الدور الإقليمى المصرى فإن التحدى الأكبر الذى سيتعين عليه مواجهته سيكون فى الداخل، فغير تقوية الجبهة الداخلية والبدء السريع فى تدشين نهضة حقيقية بمشاركة الشعب المصرى بكافة فئاته وطوائفه فإن استعادة الدور الإقليمى والريادى لمصر قد تستغرق فترة طويلة؛ لأن أساس أى نجاح للسياسة الخارجية إنما يكون مبعثه من الداخل، فبقدر قوتك ونهضتك يحترمك العالم ويقدرك، ويتعامل معك من منطلق الندية والمساواة لا من منطلق التبعية مثلما كان يحدث مع النظام السابق. [email protected]