جاء تجديد مصر لدعمها الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخرا، لتؤكد استمرار مساندتها لمشروعية عمل لجنة تقصي الحقائق حول أثر الاستيطان الإسرائيلي على أوضاع حقوق الإنسان الفلسطيني، وتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية لتنفيذ الاتفاقيات الدولية، ووقف تسارع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. فليس من المنطق ألا تمتد موجة الحرية والتغيير التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الحالية لتشمل حصول أبناء الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة على حقوقهم المشروعة، وهو ما أدى إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول تداعيات الاستيطان على حقوق الشعب الفلسطيني، بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان في مارس الماضي. ويرى المحللون أن مقاطعة إسرائيل لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان لا تضيف أو تنقص من مصداقية المجلس، كما أنها لا تعني أيضا بأي حال من الأحوال سقوط الالتزامات التي تقع على عاتق إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان". ونتيجة لإعلان إسرائيل المتكرر عن النية في الشروع في بناء وحدات سكنية جديدة بالضفة الفلسطينية وحول القدسالشرقية طالبتها اللجنة، باعتبارها قوة احتلال، بالتخلي عن سياساتها الاستيطانية، ومنع أي توطين في الأراضي المحتلة بما فيها القدس والجولان السوري، وإلى احترام الالتزامات الدولية، والعمل على منع العنف الذي يواجهه الفلسطينيون من جانب المستوطنين. ويعني إيفاد المجلس للجنة تقصي الحقائق إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة بما فيها القدس- في رأي المحللين- التحقق من موضوع تداعيات إقامة المستوطنات على الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين، إضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي توضح سياسات إسرائيل التعسفية من محاولات لإلغاء الطابع العربي عن القدسالشرقية، وطمس المعالم الثقافية لعدد من المواقع بالضفة الغربية؛ بهدف تزوير التاريخ وتحريفه. وتشعر إسرائيل بالإحباط من هذا التوجه الدولي، خاصة أنها تتعمد منذ سنوات على إخراج فلسطينيي القدس وضواحيها لجعل طابعها يهوديا، حيث سيكون كل الفلسطينيين خارج الجدار الموجود حول القدس بدون إقامة، أي أن إقامتهم ستلغى وسيعتبرون غائبين بموجب قانون الغائبين لعام 1950 كما ستصادر أملاكهم. وهناك جوانب أخرى لقرارات مجلس حقوق الإنسان، بعضها ذو طابع اقتصادي يتعلق بدور قوة الاحتلال المسئولة عن إدارة الإقليم المحتل، وهي واجبات لا تقوم بها إسرائيل، وأيضا الجانب الإنسانى، بالإضافة إلى الجانب السياسي؛ لأنها تتعلق بحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، وهو حق ثابت له أسوة ببقية الشعوب، ولا يمكن لها مهما كانت الادعاءات أن تحول دون تنفيذه أو التنكر له. وعلى الرغم من وجود أربعة قرارات اتخذها المجلس فى هذا الصدد، إلا أن التعامل مع هذه النجاحات والانتصارات جاءت سلبية، بل تدل على عدم الشعور بالمسئولية وعدم المتابعة، مما أدى إلى استمرار هذا الوضع، وأهم هذه القرارات الأربعة "القرار 35" والذى صوت إلى جانبه 36 عضوا (دولة) وصوتت ضده الولاياتالمتحدة وحدها، وامتنعت عشر دول عن التصويت. أما القرار 34 فقد اعتمد بأغلبية 44 دولة، وامتناع عضوين، ومعارضة الولاياتالمتحدة وحدها، وهو الذي يعتبر جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف تنتهك أحكام القانون الدولي، وتتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصا قراره الصادر عام 1980م بعدم الاعتراف بشرعية قرار الكنيست بضم القدس، وطالب إسرائيل بوقف الاستيطان وتفكيكه وتعويض الفلسطينيين المتضررين. وكان قد سبق هذا القرار قرار آخر برقم 33 دعا إلى احترام حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والعدالة والكرامة، وإقامة دولة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة. كما اختص القرار رقم 36 بمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق بعد العدوان على غزة "عملية الرصاص المصبوب". وجميع هذه القرارات تعتبر خطوات مهمة من جانب المجتمع الدولي نحو العدالة، الأمر الذي يحتاج إلى جهد عربي شعبي وحكومي، لا سيما الجهد الدبلوماسي والقانوني؛ لمتابعة هذه القرارات والتوصيات التي اتخذها مجلس حقوق الإنسان بشأن الاستيطان. كما توجد قرارات أخرى للجمعية العامة للأمم المتحدة، ففي أواسط السبعينيات اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وبحق تقرير المصير، وأدانت في القرار 3379 الصادر في 10 نوفمبر 1975 إسرائيل باعتبارها شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وكان لهذا القرار صداه الذي وصل إلى مؤتمر ديربن حول العنصرية عام 2001م، والذي استلهم منه إدانة الممارسات الإسرائيلية العنصرية. ويرى المحللون بأن تعامل العرب لو جاء مع هذه النجاحات لقرارات الأممالمتحدة السابقة الذكر بالمتابعة وحشد الجهود والإمكانيات العربية المختلفة وبالدعم الدبلوماسي والدولي، لكسبوا مثل هذه المعارك التي ستكون بداية للعد التنازلي الإسرائيلي. وهناك قرارات دولية أخرى مثل القرار 181 و242 و338 وغيرها هى جوهر الحق الفلسطيني، ولذا عملت إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة على دحض كل فكرة أو عمل يطالب بوقف هذا الاستيطان، وإعطاء حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال.. محاولة الضغط على المجتمع الدولي بكل الوسائل؛ للإقلاع عن فكرة تشكيل المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست بتوقيع ميثاق روما عام 1998. واعتبر هذا الميثاق الاستيطان جريمة دولية، وهو ما تذهب إليه الاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي، وعندما شعرت تل أبيب أن الأمر خرج عن السياق الذي تريده انضمّت ومعها واشنطن للميثاق في اللحظات الأخيرة (قبل إغلاق باب التوقيع في 31 ديسمبر عام 2000) وحين وصل العدد المطلوب للتوقيع بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ في يوليو 2002م انسحبت إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة، بعد أن تركتا بعض بصماتهما عليه بشأن مساءلة المرتكبين وبخصوص الملاحقة ومدتها. وقد اتخذ مجلس حقوق الإنسان الدولي عددا من القرارات في 22 مارس 2012م بشأن إدانة الاستيطان، مما أدى إلى عاصفة من الغضب في إسرائيل، حيث ثارت ثائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف مجلس حقوق الإنسان بسبب قراراته بخصوص الاستيطان بأنه مجلس منافق. وأيده أفيجدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي، منددا بمجلس حقوق الإنسان حيث قال: إنها هيئة منافقة تعتمد على لغة مزدوجة وهدفها تلطيخ سمعتنا، ولم يتورع الإسرائيليون بمختلف اتجاهاتهم السائدة عن اعتبار قرارات مجلس حقوق الإنسان بشأن الاستيطان منحازة للفلسطينيين. وفى تحد لجميع القرارات الدولية ..أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أواخر أغسطس 2012 أن كتلة "غوش عتصيون" الاستيطانية جنوب الضفة الغربية تشكل جزءا لا يتجزأ من القدس الكبرى. وتقع كتلة غوش عتصيون الاستيطانية جنوب غرب مدينة بيت لحم الفلسطينية، وتتألف من 22 مستوطنة يعيش فيها نحو سبعين ألف مستوطن إسرائيلي. وتعد هذه التصريحات مخالفة للواقع، حيث أوضح مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس خليل تفكجي أن القدس الكبرى التي يتحدث عنها نتانياهو "ستشكل 10 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، حيث سيتم ضم أربع عشرة مستوطنة من كتلة غوش عتصيون الاستيطانية للقدس الكبرى، منوها إلى أن مساحة القدس تشكل حاليا 2،1 بالمئة فقط من مساحة الضفة الغربية. فهذا البناء الاستيطانى- كما أوضحه الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة- غير شرعي وغير قانوني، ومرفوض من العالم أجمع، وسبب إفشال جهود المجتمع الدولي في إحياء عملية السلام التي دمرها نتانياهو باستيطانه. وفي تحد جديد لإرادة المجتمع الدولي وإرادة السلام الدولية، صادقت الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة على بناء ( 1100) غرفة فندقية استيطانية في القدسالشرقيةالمحتلة بالقرب من بلدة بيت صفافا، وذلك في إطار المصادقة على ما يعرف بمخطط "جبعات همطوس" الذي يتضمن إقامة ( 2610 ) وحدات سكنية، كما أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أوامر باقتلاع ألف شجرة زيتون في وادي قانا، بل وتتصاعد دعوات اليمين الإسرائيلي إلى إسكان الإسرائيلين مجانا في المستوطنة الجديدة التي أقيمت في الأسابيع الأخيرة في بيت حنينا بالقدسالشرقية. وفي حين تعتبر جميع المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة غير شرعية بموجب القانون الدولي تُعد أكثر من 90 بؤرة استيطانية غير قانونية، حتى بموجب القانون الإسرائيلي. وإحدى هذه البؤر الاستيطانية غير القانونية هي "ميجرون"، حيث يعيش نحو 322 مستوطنا إسرائيليا في بيوت متنقلة على مساحة 36 هكتارا من الأراضي الفلسطينية التي يملكها الأهالي. وميجرون هي واحدة من عدة حالات حاولت الحكومة الإسرائيلية من خلالها الالتفاف على قرارات المحكمة العليا بشأن إخلاء المباني غير القانونية؛ لتدعم مصالح المستوطنين بدلا من احترام القانون، بل أنشأت الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رسميا مستوطنات جديدة خلال شهر أبريل الماضى، عن طريق إضفاء الشرعية على البؤرة الاستيطانية، وأوضحت الحكومة أنها لا تهتم بالقوانين الوطنية أو الدولية. ومن هنا يطالب المحللون منظمات الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ليس فقط بالإدانة بل بالتنفيذ الفعلى؛ لوقف هذا التصعيد الاستيطاني الذي ينتهك الحقوق السياسية والمدنية والإنسانية الأساسية للمواطنين الفلسطينيين الرازخين تحت الاحتلال، وأيضا التأكيد على دعوة الرئيس محمود عباس للعالمين العربي والإسلامي بعدم ترك القدس وحدها في مواجهة عمليات التهويد المتسارعة، ودعوة جميع محبي السلام بتحمل مسئولياتهم تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والعمل من أجل إنهاء الاحتلال والاستيطان. ويقول المراقبون: إن المواقع الاستيطانية غير القانونية تؤثر سلبا على المجتمعات الفلسطينية المجاورة، فهناك صور بالأقمار الصناعية تظهر حقولا ضخمة مزروعة كانت تنتمي إلى القرى الفلسطينية المجاورة، أصبحت اليوم عن طريق صور أخرى مئات الدونمات من الأراضى الزراعية من القرى، وأثرت بشدة على سبل المعيشة، كما منع وصول الفلسطينين إلى طريق إقامة المستوطنين، وهو ما حدث بالفعل فى مساحة ميغرون في عام 1999م، وفى ميجرون اليوم. ويعتبر سكان ميجرون من المستوطنين القوميين المتدينين الذين يشكلون نحو 80% من الإسرائيليين الذين يعيشون شرقي الجدار العازل في الأراضي التي ستصبح جزءا من دولة فلسطينية، في إطار أي اتفاق واقعي على الوضع النهائي. يبدو أن المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في بؤر استيطانية غير قانونية ومستوطنات شرق الجدار العازل لديهم قنوات فعالة؛ للتأثير على الحكومة والجيش والمؤسسات الحكومية. فأشارت ميري ماعوز عوفاديا إلى أن إخلاء مستوطنات غوش قطيف (قطاع غزة) فى عام 2006 قصم ظهر الحركة، موضحة أن قطاع غزة لم يكن في قلب إسرائيل من الناحية العاطفية ولكن الضفة الغربية هي قلب إسرائيل، ومشيرة إلى أنها، اليوم، لديهم قنوات أخرى للتأثير. ويظهر ذلك فيما تركز علية الآن المجالس الإقليمية ومجلس يشع بشكل متزايد على جلب السياسيين للتحدث في المواقع الاستيطانية غير القانونية، وتجذب الإسرائيليين من خلال السياحة والعمل التطوعي. وما زاد من تأثير أيديولوجية المستوطنين على حزب الليكود صعود السياسي القومي المتدين موشيه فيغلين الذى حصل على 25 بالمائة من أصوات حزب الليكود، وبهذا يؤثر على الحزب بأكمله ويدفع جميع الأعضاء الآخرين الذين يتنافسون معه إلى تبني مواقف أكثر تطرفا، وفيغلين يدعو إلى إنشاء إسرائيل الكبرى ويشجع جميع الفلسطينيين على الرحيل، وهم يتمتعون بنفوذ قوى يتمثل فى9.% بين أعضاء حزب الليكود البالغ عددهم 000،130 عضو الذين يصوتون دائما ككتلة واحدة موحدة. وتشير تقديرات محللين آخرين إلى أن ما لا يقل عن 20% من أعضاء حزب الليكود هم من المستوطنين كما يمثل الجيش الإسرائيلي مجالا آخر من مجالات نفوذ المستوطنين؛ نظرا لإقبالهم على التطوع بالإضافة إلى مجالس المستوطنين التى تعمل بنشاط؛ لجذب مزيد ومزيد من الإسرائيليين للمشاركة في برامج التطوع التي تسبق الخدمة العسكرية.