تخطت تظاهرات أمس الإثنين 25 أبريل مسارا جديدا في الكفاح ضد الاستبداد واختطاف إرادة المصريين، ففتحت طريقا لو أحسنت النخبة قيادة الجماهير إليه وفيه، لصنعت واقعا آخر خلال فترة وجيزة، وتلك هي المسألة. بدون تصنيفات
يقول الكاتب الصحفي وائل قنديل:"الثورة صارت الفعل، والأوغاد رد الفعل، أكتب لك هذه السطور، لحظة انتصاف نهار يوم مصري عظيم، صعدت الثورة على الأكتاف، لتهتف كما هتفت في أيام يناير 2011 "الشعب يريد"، من دون تصنيفاتٍ سياسيةٍ أو أيديولوجية.. عاد خطاب يناير، وعادت كيمياء يناير، حيث العطش والعرق وغاز القنابل المسعور، وطلقات الخرطوش، كل ذلك لا يفرّق بين إخواني واشتراكي ثوري، ولا يميز بين ليبرالي وسلفي".
ويضيف:" تمردت الثورة على نزعات الإقصاء، ودعوات الإبادة التي استبقت فعاليات 25 أبريل/ نيسان، لم ترهبها "مياه النار الحارقة"، ولا التحريض على إراقة الدماء، من فضائيات الفاشيست، ولم تستسلم لمخدرات الأسبوع الفائت المعبأة في ورش السيناريوهات العسكرية، وغواية انتظار أن ينقلب الانقلاب على الانقلاب".
مؤكداً:"لم تتأثر الثورة بالدراما الهابطة التي استدعوا ابنة جمال عبد الناصر، عشية التظاهرات، لكي تؤديها، على طريقة مسلسلات الصابون، لتقدم فاصلاً من التمثيل الركيك، تنبش فيه قبر أبيها، وتستخرج ما يشبع نهم زبائن رواية سعودية الجزيرتين، تيران وصنافير، وتدّعي أنها، مصادفةً، وجدت حجة ملكية الجزيرتين في صندوق مقتنيات الوالد الراحل".
ارحل!
ومع أنه ليس هناك شيء في تاريخ ثورات الشعوب ضد الديكتاتورية اسمه الفرصة الأخيرة، إلا أن العقلاء لا يضيعون فرصة قائمة لأخرى لا يدرون متى تأتي، ولا كيف يمكنهم صناعتها من جديد.
إن خيوطا كثيرة تتجمع الآن في يد أنصار الشرعية ورافضي الانقلاب، تذيب الجليد الذي ران على الساحة الثورية في مصر منذ ثلاثة أعوام، بدءا من اقتناع قطاع من الشعب وجماعات سياسية كثيرة بخطأ المسار الذي اتجهت إليه منذ انقلاب يوليو 2013، ومرورا بالضغط الدولي المتزايد لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وقضية القتيل الإيطالي ريجيني، وانتهاء بالفشل الذريع الذي مني به الانقلاب في إدارة الدولة بالرغم من التدليل الأوربي والأمريكي والإقليمي البالغ له.
وأعلنت عدد من القوى الثورية والسياسية، العودة مجددًا للتظاهر يوم 25 إبريل أمس، الذي يوافق الاحتفال بعيد تحرير سيناء؛ احتجاجًا على "تنازل" قائد الانقلاب للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير التابعتين لشبه جزيرة سيناء.
وهو ما أثار غضب العسكر من السماح بتمدد المظاهرات يوم الجمعة الماضي، وأكد السيسي خلال لقائه مساعديه، أنه لن يقبل بتكرار مشهد "جمعة الأرض" مرة أخرى يوم 25 إبريل، وذلك تزامنًا مع تزايد الدعوات في أوساط الشباب وقطاعات سياسية متنوعة، بضرورة القول للسيسي "ارحل".
إشكالات ومحاذير
ولقيت مظاهرات 25 إبريل أمس الاثنين، نجاحًا كبيرًا بالنظر إلى حجم الرعب الأمني والاستعدادات القمعية وحملات الاعتقال، إلا أن إشكالات ومحاذير كثيرة تحيط بهذا الحدث الربيعي من داخله وخارجه؛ في صفوف الجماهير الثائرة، ومن صفوف الانقلاب في ذات الوقت.
هلهلت مظاهرات 25 ابريل صورة زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي تحول إلى أسطورة في الإعلام المصري طوال أكثر من عامين، وقد بدأ هذا الإعلام نفسه منذ أشهر يتحول بشكل متصاعد إلى خطاب مناقض لهذا تماما، فالزعيم الملهم وحلم المصريين الكبير تحول إلى زعيم فاشل، وخطيب بليد، وبائع للأرض المصرية.
ولا يعني هذا التحول إلا شيئا واحدا، وهو أن الانقلاب يعيش أزمة حادة، وأنه يريد التضحية بزعيمه مقابل إنقاذ مركبه من الغرق. والأصابع التي لعبت بالمشهد المصري قبل ثلاث سنوات، وتسببت في الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب محمد مرسي، هي نفسها تحاول الآن أن تتلاعب به من جديد بتنسيق إقليمي ودولي لا يخفى، وإن كان قد يُخفي شيئا من الاختلاف الطفيف بين طرف وآخر.
تدخل الجيش
وقف الجيش يراقب تظاهرات 25 يناير، محاولاً اللعب بعنصر التظاهرات من جديد، فكما حُشدت الحشود وضخمتها الحيل قبل حوالي ثلاث سنوات، يمكن هذه المرة ترك الجماهير الغاضبة -وهي كثيرة جدا- تخرج للاحتجاج ضد السيسي، ثم تكتمل الدراما بتدخل الجيش ليولي -مؤقتا- مدنيا مقبولا في الأوساط الدولية والإقليمية، ويصبح الرافضون مثيرين للفتن والاضطرابات، ولا يصلح للتعامل معهم إلا البطش الأمني.
يقول محمد سيف الدولة، الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي :"لنا في ذلك سابقة من الأيام الأولى لثورة يناير، فنجاح 25 يناير في حشد بضع عشرات الآلاف في التحرير، شجع الجميع للمشاركة في جمعة الغضب، فنزل مئات الآلاف ثم الملايين. وأظن أن السلطة نفسها تعلم ذلك، والدليل هو سرعة نفي السيسي لما نشر في "الشروق" على صدور تعليماته للشرطة بعدم تكرار مظاهرات 15 إبريل".
وتابع: "أظن أن سبب النفي أنه يعلم أن مثل هذه الأوامر لن يمكن تنفيذها، ومن ثم سيظهر بمظهر الرئيس الذي انكسرت إرادته وكلمته وأوامره أمام غضبة الشارع والشباب".
واختتم: "هناك جرح وطني عميق لدى كل المصريين، نتيجة صفقة بيع تيران وصنافير، ولقد فتح هذه الصدمة أعين غالبية المصريين على طبيعة السلطة الحاكمة، وستؤدي إلى فتح كل ملفاتها في كل القضايا، فقط علينا أن نتجنب كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبناها جميعًا بعد ثورة يناير وأدت إلى حالة الاستقطاب المدمر والانقسام القاتل الذي نعيش فيه".
التضحية بالسيسي
في تظاهرات 25 ابريل التفت الجماهير المصرية على سجانيها بذكاء، وقلبت السحر على الساحر، فسعت بتكتيكات مناسبة إلى إحياء الاحتجاجات، وإسقاط هيبة قوات الأمن من نفوس الشعب، وتكثير عدد المسيرات الصغيرة والمتوسطة على حساب الحشود الضخمة التي يسهل تشتيتها ومواجهتها.
أشجار الغضب
ومع العلم بأن بعض القيادات الأمنية والعسكرية لا يعجبها افتتاح صفحة جديدة من الدم في مصر، فإن هذا قد لا يحول دون مزيد من جرائم الانقلاب، إلا أنه لا شك سيحدث اضطرابا في صفوف النظام القابل للانقسام على نفسه.
كما أن تغطية مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، وفضائيات الثورة الإعلامية الواسعة للحراك يوم 25 ابريل، يجعل من الضروري ألا يكون حراك يوم أو أيام معدودات بل حراكا طويل النفَس متتابع الفصول، والحيلولة دون توظيف "النظام العسكري" للتجمعات الثورية في التضحية بالسيسي مقابل بقاء النظام نفسه، فضلا عن استعادته شيئا من العافية المفقودة بمحو وصف الانقلاب عن نفسه.
يقول المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، "إن الشعب المصري اكتشف حقيقة إنه كان يعيش في وهم، فليست هناك أية إنجازات حقيقية لما يروج له النظام الحالي بعد التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية".
وتابع "سليمان": "إن تدني مستوى المعيشة وغياب الأمن وقتل المواطنين على يد أفراد الداخلية سيكون له الأثر البالغ في ارتفاع أعداد المتظاهرين".
ويقول "وائل قنديل" :" ثار المصريون، أمس، ضد سلطة إجرامية، بالمعنى الحرفي للكلمة، بالنظر إلى قطعان المسلحين الذين احتلوا الشوارع والمباني واستعمروا النقابات، وانتشروا في وسائل المواصلات، ووسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، متسترين في زى مدني، يستخدمون كل أنواع أسلحة القمع والفتك بالمتظاهرين".
ويضيف:"على الرغم من ذلك كله، كانت أشجار الغضب تثمر، كلما قطعوا واحدة منها، فتضيء "المطرية"، إذا أطفأ الأوغاد نور "ناهيا"، وتتألق شوارع حي الدقي بالهتاف، إذا انقض القتلة على مسيرات بولاق، وتنتفض أطراف المدينة، إذا حاصروا وسطها بالجيش والشرطة والبلطجية النظاميين".
25 ابريل تؤكد أنه ينبغي ألا يُترَك الانقلاب ليفرض وجهة نظره وتفسيره هو للمشهد؛ خاصة بعد سلسلة الفضائح الأخلاقية الأخيرة التي أحاطت ببعض الإعلاميين الذين كانوا أكبر مروجي وجهة نظر الانقلاب في المرحلة السابقة، وبعد أن اتضح لكثير من المصريين أنهم تعرضوا لخدعة كبيرة صنعها إعلام العسكر.