اعتبر الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، أمس الأربعاء في خضم زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية أن "الأيام الخوالى" بين المملكة والولايات المتحدة انتهت إلى غير رجعة وأنه يجب أن "يعاد تقييم" العلاقة بين البلدين. تفسر تصريحات "الفيصل" خطوات أوباما وهو ينزل على سلم طائرته الرئاسية، في مطار الرياض، التي لم تكن شبيهة بزيارات أسلافه، ولا حتى بزياراته هو السابقة إلى السعودية، منذ دخوله إلى البيت الأبيض. فأوباما ومن سبقه من الرؤساء الأمريكيين اعتادوا على استقبالات حافلة من السعوديين، حيث كانوا يؤخذون بأحضان أعضاء العائلة الحاكمة، وتُقام لهم "الأفراح والليالي المِلاح" فضلاً عن عرضات الرقص، كما حصل قبل سنوات قليلة مع الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميرًا للرياض عند استقباله جورج دبليو بوش، الذي كان يجتاح العراق! الأيام الخوالى وفى مقابلة مع شبكة "سى ان ان" ضمن برنامج "امانبور" قال الفيصل الذي شغل أيضا في السابق منصب سفير بلاده فى واشنطن: "لا يمكننا أن نتوقع عودة الأيام الخوالى مجدداً". وأضاف "برأيى الشخصي أمريكا تغيرت بمقدار ما تغيرنا نحن هنا، وهناك جانب ايجابي فى تصرفات الرئيس أوباما وتصريحاته هو أنها أيقظت الجميع على أن هناك تغييرًا فى أمريكا وأن علينا أن نتعامل مع هذا التغيير". وتابع "إلى أي مدى يمكننا أن نذهب في اعتمادنا على أمريكا؟ وكم يمكننا أن نعتمد على ثبات توجهات القيادة الأمريكية؟ وما الذي يمكن أن يجعل مصالحنا المشتركة تلتقي معا؟ هذه أمور علينا أن نعيد تقييمها". استقبال فاتر! أوباما شق طريقه إلى قاعة الاستقبال السعودية، حيث انتظره الملك سلمان، الذي كان عائدا لتوه من زيارة قائد الانقلاب في مصر، بدلاً من استقباله عند نهاية سلم الطائرة، كما فعل الأخير مع نظرائه الخليجيين. وبدا أن علاقات واشنطنوالرياض تمر بفترة فتور غير مسبوقة، منذ أن نسج الملك المؤسس للسعودية عبدالعزيز أل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت في أربعينيات القرن الماضي تحالفًا إستراتيجيًّا، الذي قام على الأمن الأمريكي للرياض مقابل النفط والمال السعودي لواشنطن. معادلة ظلت قائمة لعشرات السنين وهي تجذرت، وتماهت سياسات المملكة الخارجية والنفطية مع متطلبات الإدارة الأمريكية، التي حصدت آلاف المليارات من الدولارات السعودية لشركاتها ومصارفها، كما فُتحت أبواب الخليج لأساطيل واشنطن، تحت عنوان توفير الأمن ومواجهة الإرهاب. لذلك كان الطبيعي أن تزداد القواسم المشتركة بين الرياضوواشنطن، خاصة حيال الملفات الشائكة والمتعددة في الشرق الأوسط، المفارقة أن كيان الاحتلال الصهيوني يتمتع برعاية أمنية ومالية وتسليحية أمريكية، قريبة من تلك التي توفرها واشنطن للسعودية. وتحدثت تقارير إسرائيلية قبل أسابيع عن تقارب سري بين تل أبيب والرياض، بعد تنازل عسكر الانقلاب عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وبذلك دخلت السعودية ضمن اتفاقية كامب ديفيد. مشاكل تطفو بدأ التباين يطفو على السطح وتحديدًا في عهد إدارة باراك أوباما، التي عملت على إبرام اتفاق نووي مع إيران "الشيعية" على حساب دول المنطقة السنية، ولم توفر الدعم الكافي للمخلوع مبارك للاستمرار بالسلطة، كذلك لم تزج واشنطن بقواتها للإطاحة بنظام الأسد الموالي لإيران. وتعاني الإدارة الأمريكية الحالية من التورط في الشرق الأوسط، وهي لا تزال تدفع إلى الآن ضريبة احتلال العراق وأفغانستان، لكن ما اغضب السعوديين تداول مشروع قرار في أروقة الكونغرس الأمريكي، حول تورط أمراء سعوديين في دعم أشخاص على علاقة بهجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر عام 2001، ما دفع الرياض إلى التهديد ببيع أصولها في المصارف، وفق ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز. في ظل هذا التباعد يأتي انعقاد القمة الأمريكية-الخليجية اليوم الخميس، بدوره يرى سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، أنه "من المؤكد أن الرئيس الأمريكي لم ينوِ السفر إلى الرياض للتوقيع على شهادة وفاة العلاقات بين البلدين.. ومع ذلك، ربما بشرت إدارة أوباما بقيام عهد جديد في العلاقات بين واشنطنوالرياض يكون أكثر بعدًا ويشوبه الشك مقارنة بما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.. وبطريقة أو بأخرى، كانت هذه رحلة تاريخية". ورغم ذك يؤكد خبراء أمريكيون وغربيون أن "الفتور لا القطيعة" هو الذي يسيطر على العلاقات الأمريكية-السعودية في هذا الوقت، فالطرفان في حاجة إلى بعضهما البعض، وهما لن ينفصلا رغم كل الاختلافات، كما يؤكد بروس ريدل الخبير في معهد “بروكنغز” للأبحاث والمسئول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.