تساءل الكاتب الصحفي وائل قنديل: " لماذا تعمد قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي إهانة "أمير الجماعة الصحافية"، محمد حسنين هيكل في موته، وهو الذي قدم خدمات لا تنسى لمشروع انقلاب السيسي؟". وفي المقابل "لماذا أمعنت السلطة في إظهار التكريم المبالغ فيه، لبطرس بطرس غالي وزير الشؤون الخارجية وأمين عام الأممالمتحدة، سابقا.. والسلطة هنا تشمل الجنرال والبطريرك، في دولة العسكر؟". وقال قنديل -خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد"، اليوم الجمعة-: إنه فور الإعلان عن وفاة غالي، سارع انقلاب السيسي إلى نعيه للأمة، والإعلان عن جنازة عسكرية رسمية من مسجد المشير، وهي الجنازة التي حضرها، أمس، عبدالفتاح السيسي ورئيس حكومته، ورئيس كنيسته، والوزراء ورؤساء الجهات السيادية، ونقل وقائعها التلفزيون الرسمي، بجميع قنواته، على الهواء مباشرة، بصوت رخيم لمذيعٍ يقرأ، بكل فخر، أن من بطولات بطرس غالي مرافقة أنور السادات في قطار التطبيع المنطلق إلى إسرائيل. وأضاف أنه بعد إعلان وفاة الأستاذ هيكل، أصدر الانقلاب برقية عزاء مقتضبة، فيما غابت مصر الرسمية تمامًا عن تشييع جنازته من مسجد الحسين في القاهرة، والذي يبعد أمتارًا معدودات عن مقر شيخ الأزهر، الذي لم يكلف نفسه عناء المشاركة، فيما هرول خلف السيسي لتشييع غالي، ولم يحضر جنازة "هيكل" سوى بعض المسؤولين السابقين والإعلاميين، وعدد من محبيه من القراء والبسطاء. وقال: " لماذا ضنّت مصر السيسية بالحزن على "سيد الكتابة الصحافية"، بينما بكت برقاعةٍ مبالغ فيها على "رجل التطبيع"؟ وأوضح أنه حين استقال إسماعيل فهمي وزير الخارجية، وبعده بساعات استقال محمد رياض وزير الدولة للشؤون الخارجية، احتجاجا على زيارة أنور السادات إلى إسرائيل، فلم يجد الأخير أمامه سوى بطرس بطرس غالي، ليعينه بشكل عاجل وزيرًا للشؤون الخارجية، ويصطحبه إلى الكنيست الصهيوني، وكان ذلك في التاسع عشر من نوفمبر 1977، حيث وقف السادات ومعاونوه بين يدي الكنيست، في اليوم نفسه الذي كان فيه الحجيج يقفون في عرفة.. وفيما بعد، قدّم بطرس غالي أداء نموذجيًّا في خدمة التطبيع والانسحاق التام أمام التصور الصهيو-أمريكي للشرق الأوسط وقضية فلسطين. وتابع: "كانت القوى الوطنية الحية تنتفض غضبا، وتنتحب على مصر التي سلمها السادات للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وما زالت رهينة لهما حتى اليوم، وكان اسم محمد حسنين هيكل على رأس رافضي الزيارة، ومعارضي التطبيع مع الصهاينة، وقد عبر هيكل عن أسباب اتخاذه ذلك الموقف، فيما بعد، في ردّه على سؤال دنيس هاملتون رئيس مجلس إدارة وكالة رويترز عام 1982، في أثناء رحلة مشتركة لهما في الأقصر وأسوان، حينما رأيا أفواجًا من سياح الكيان هناك، فقال هيكل: "إن أكثر ما يحزنه منذ زيارة السادات للقدس أن التعبئة العقلية والفكرية والنفسية للشعب المصري قد جرى فكها، أو على الأقل، جرى التلاعب بها، من دون أن يجيئ السلام"، كما ورد في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ". وأضاف أن محمد حسنين هيكل يضع الكيان الصهيوني في خانة الأعداء، حتى لو كان من أتباع المشروع الاستبدادي، أما بطرس غالي فينتمي إلى مشروع مناقض للمشروع الأول، يبتعد بمصر خطواتٍ مجنونة عن تاريخها وثقافتها، ويضعها في قلب مشروع آخر، يمكنك أن تطلق عليه المشروع الأمريكي، الذي لا يعني شيئًا مختلفًا كثيرًا عن المشروع الإسرائيلي. واختتم مقاله بأن عبدالفتاح السيسي هو ما ترسب في قاع الكأس "الصهيو-أمريكية" الذي تجرعته مصر منذ زمن أنور السادات، ثم حسني مبارك، وهو الكأس الذي حاولت ثورة يناير 2011 تحطيمه، والتحرّر منه، غير أن المحاولة ضُرِبت وطُعِنت.. للأسف. ويا للمفارقة، كان الأستاذ هيكل من الأدوات التي استخدمت في ضربها، حتى وإن كان قد عبر، في أيامه الأخيرة، عن خيبة أمله في ذلك الذي اعتبره يومًا "الرئيس الضرورة"، بل أكد عدم كفاءته ودرايته بوطن اسمه مصر. وقال: "يمكن النظر إلى البهرجة والإمعان في الاستعراض الرسمي "السيساوي" بجنازة بطرس غالي، الرجل الوفي لمشروع ارتهان مصر للتصور الأمريكي والإرادة الإسرائيلية؛ حيث لا يدع عبدالفتاح السيسي فرصةً تمر، إلا ويظهر فيها التزامه بنصوص "التلمود السياسي" لإسرائيل التي تعتبره حلمها الجميل، ويعلن هو أن رئيس وزرائها يصلح لقيادة المنطقة، بعد شهور من إعلان الأخير أن إسرائيل ومصر السيسي في حلف واحد".