تواصلت الأزمة التونسية للأسبوع الثاني على التوالي، وشهدت الأحداث تطورات مثيرة؛ حيث انضم 3 آلاف من عناصر الشرطة إلى الاحتجاجات التي كانت قد بدأت في الهدوء؛ لتبث فيها روح التمرد من جديد على الرئيس المنتخب قائد السبسي؛ وهو ما يحذر منه محللون يرون أن انضمام الشرطة مؤشر خطير يثير القلق ويعكس دورا خفيا لعناصرها في إشعال الاحتجاجات، على غرار ما قامت به المؤسسة العسكرية ومكونات الدولة العميقة في مظاهرات 30 يونيو بمصر، التي أفضت إلى انقلاب عسكري دموي أهدر الثورة والحريات ولم ينجز شيئا على الإطلاق. ورغم الاحتجاجات وفشل الحكومة التونسية في تلبية طموحات شعبها إلا أن التجربة التونسية تبقى الأفضل والأكثر نجاحًا بين تجارب الربيع العربي، فيما تسعى دولة الإمارات -حسب مراقبين- إلى إفشال التجربة عبر تدخلات سافرة كما فعلت من ثورة 25 يناير بمصر. وتهدف الإمارات من ذلك تحقيق انقلاب عسكري يأتي بجنرال على سد الحكم يطيح بالثورة والديمقراطية ويعيد قبضة الاستبداد بالحديد والنار، وهو ما يخدم في المقام الأول "إسرائيل" التي ترتبط بعلاقات وثيقة من أبوظبي. رجال الشرطة يتظاهرون وشهدت العاصمة التونسية أمس الاثنين 25 يناير 2016 مظاهرة لرجال الشرطة الذين طالبوا بتحسين أوضاعهم.. يأتي ذلك في وقت تواجه فيه حكومة الحبيب الصيد احتجاجات اجتماعية في عدة مناطق مختلفة. وحسب وكالة رويترز فقد تظاهر عدة آلاف من قوات الأمن التونسية الاثنين أمام القصر الرئاسي في قرطاج للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية وزيادة المنح في خطوة جديدة تزيد الضغوط على حكومة الحبيب الصيد بعد احتجاجات اجتاحت البلاد للمطالبة بفرص عمل. ورددت قوات الأمن هتافات "وطننا نحميه وحقنا لن نُسَلِم فيه" و"تحسين وضعيتنا حقنا موش مزية(ليس جميلا)"، بينما رفعوا أعلام تونس وكانوا يرتدون زيا مدنيا، وتوجه أفراد الأمن في مسيرة إلى القصر الرئاسي في قرطاج على مشارف العاصمة تونس. وقال نبيل العياري -الكاتب العام للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي-: "لقد أتينا هنا لإيصال صوتنا إلى رئيس الجمهورية رئيس كل التونسيين.. أمنيين ومواطنين عاديين.. لكي نشكو له له قضيتنا وإن شاء الله وكما عهدناه سيفض الرئيس مشكلة الأمن التونسي". وقال المتحدث الرسمي لنقابة قوات الأمن الداخلي شكري حمادة "الجلسة مع السيد رئيس الجمهورية أفضت إلى جلسة خاصة بينه وبين السيد الكاتب العام بخصوص مطالبنا وتحسين الوضع المادي والاجتماعي." وأغلق الحرس الوطني الطريق قرب القصر حيث تظاهر نحو ثلاثة آلاف من أفراد الشرطة بشكل سلمي. الاحتجاجات تتواصل وخرج آلاف الشبان للشوارع الأسبوع الماضي للمطالبة بوظائف عقب انتحار شاب عاطل عن العمل في القصرين في أسوأ احتجاج منذ 2011. وبسرعة انتشرت الاحتجاجات العنيفة إلى أرجاء البلاد مما دفع السلطات إلى إعلان حظر التجول الليلي في البلاد، وقُتل شرطي وأُصيب العشرات واعتقلت الشرطة المئات عقب الاحتجاجات، ودعا قادة الاحتجاجات الصيد للاجتماع معهم وتلبية مطالبهم. وتواجه تونس ضغوطًا كبيرة من المُقرضين الدوليين لخفض الإنفاق وتقليص العجز في الميزانية ضمن إصلاحات تهدف لإنعاش الاقتصاد العليل. وفي الأسبوع الماضي تعهدت فرنسا بمنح تونس برنامجًا تمويليًّا بقيمة مليار يورو لمساعدتها في دعم برامج تشغيل الشبان في المنطقة المُهمشة. ومنذ انتفاضة 2011 نجحت تونس في تفادي اضطرابات عنيفة هزت دولا أخرى في المنطقة وأطاحت بزعمائها عبر انقلاب عسكري في مصر وحرب أهلية في اليمن وسوريا وليبيا، لكن التنمية الاقتصادية لم تحدث.. ويشعر كثير من التونسيين بالقلق بشأن الوظائف وارتفاع الأسعار وقلة الفرص. وأثمرت الديمقراطية الناشئة في تونس دستورا جديدا، وانتخابات حرة، وتوافقا بين الخصوم الإسلاميين والعلمانيين، وأُشيد بها كمثال للانتقال الديمقراطي في المنطقة، لكن هذه الديمقراطية الناشئة تواجهها تحديات اجتماعية واقتصادية وأمنية؛ حيث ارتفع معدل البطالة في تونس إلى 15.3 في المائة في عام 2015 مقارنة مع 12 في المائة في 2010 بسبب ضعف النمو وتراجع الاستثمارات إلى جانب ارتفاع أعداد خريجي الجامعات الذين يشكلون ثلث العاطلين في تونس. مطالب بتعديلات حكومية واسعة من جانب آخر، يؤكد الخبير الاقتصادي معز الجودي أنه لا بد من إعطاء نفس جديد للحكومة من خلال إجراء تعديل كلي يقوم على أساس الكفاءات بعيدا عن المحاصصة الحزبية لوضع برنامج إنقاذ وطني، معتبرا أن "حكومة الحبيب الصيد أصبحت فاقدة للمصداقية وغير قادرة على مجابهة التحديات". ويرى الجودي -حسب الجزيرة.نت- أن الاحتجاجات الأخيرة مشروعة وتأتي في إطار استكمال مسار ثوري متعطش لتحقيق حلول ملموسة على أرض الواقع في وقت شهدت فيه البلاد غياب الاستقرار السياسي من خلال تعاقب ست حكومات بعد الثورة بلا برامج أو إنجازات مما تسبب في تراجع أغلب المؤشرات الاقتصادية. انشقاقات في حزب نداء تونس في السياق، شهد حزب نداء تونس الحاكم استقالات جديدة تصب في صالح حركة النهضة الإسلامية داخل البرلمان؛ حيث أعلن 6 نواب عن كتلة "نداء تونس" البرلمانية، الثلاثاء 26 يناير 2016، استقالتهم رسميًا من الكتلة، ليصبح بذلك تكتل النهضة الإسلامي أعلى كتلة برلمانية داخل المجلس. وكان 22 نائبًا عن الحزب استقالوا في وقت سابق هذا الشهر، وقرروا تشكيل كتلة نيابية جديدة تحت اسم "الحرة"، ليصبح عدد نواب الحزب 64 من أصل 86، الأمر الذي يجعل "النهضة" تتصدر المجلس بواقع 69 نائبًا.
وقالت النائبة بشرى بالحاج حميدة -إحدى النواب الستة، في تصريح صحفي بمقر البرلمان-: إن النواب الذين تقدموا باستقالاتهم اليوم هم: ليلى الحمروني، ومحمد الطرودي، وحسونة الناصفي، وألفة السكري، وصبرين قوبنطيني. وأضافت: "هناك نقاشات ستجرى مع كتلة الحرة بخصوص الموقف من الحكومة، وحركة النهضة، لا نريد أن نكون شقًا ضد شق آخر، ولسنا مع شق ضد آخر بل مع مشروع نداء تونس وضد الانقلاب الحاصل داخله"، دون أن يُعرف على الفور ما إذا كان هؤلاء سينضمون إلى الحرة أم لا. وتابعت: "كنا متفائلين إلى آخر دقيقة، وتصوّرنا أن هؤلاء الأشخاص سيضعون مصلحة البلاد فوق مصالحهم الشخصية المادية وحبهم للسلطة والاستيلاء عليها، لكن تبيّن استيلاؤهم على الحزب". وحسب القانون الداخلي للبرلمان يُنظر في الاستقالة بعد 5 أيام على تقديمها، وأصبح الترتيب الجديد للكتل النيابية داخل مجلس الشعب، كما أعلن عنه رئيس المجلس محمد الناصر، في جلسة عامة اليوم، كالتالي: "النهضة" ب(69 نائبًا)، "نداء تونس" ب(64)، و"الاتحاد الوطني الحر" ب(16)، و"الجبهة الشعبية" ب(15)، و"آفاق تونس" ب(10)، و"الاجتماعية الديمقراطية" ب(10) أيضًا. من جهته، قال النائب محمد الطرودي في تصريح صحفي: إن "الاستقالة جاءت وفاء لالتزاماتنا الوطنية إزاء ناخبينا، والتزاماتنا الأخلاقية إزاء البيان التأسيسي لحزب نداء تونس"، مستطردًا "القيادة الحالية للنداء لم تعد تقوم بدورها الوطني، وليس لنا ثقة بها". ويشهد حزب نداء تونس منذ ما يزيد على 3 أشهر، حالة انقسام حادة بين فريقين: الأول يدعم أمينه العام المستقيل محسن مرزوق، والثاني يساند حافظ قائد السبسي، نجل رئيس البلاد الباجي قائد السبسي. وكان محسن مرزوق قد أعلن تأسيس حزب جديد سيتم الإعلان عن اسمه في مارس القادم، مشيرًا إلى أنه يضم "شخصيات وطنية".