قال الكاتب الصحفي فهمي هويدي: إن بعض القرارات التي تصدر تعبر عن الاستهانة بالإدراك العام وسوء الظن بوعي الناس وذكائهم، فضلاً عن تجاهلها لما حققته ثورة الاتصال وانتشار التعليم من تقدم وتطور ليس فقط في الوعي ولكن أيضًا في فنون التواصل ونقل المعلومات، موضحا أن الناس ليسوا بالسذاجة أو البلاهة التي يتصورها البعض، وأنهم أصبحوا يملكون القدرة على التمييز بين الغث والسمين، وبين الصدق والإخلاص والنفاق والتدليس. وطالب هويدي مسئولي الانقلاب بأن يلقوا نظرة على مواقع التواصل الاجتماعى وصفحات الفيس والمنابر غير الخاضعة للسيطرة والغربلة والتوجيه وإن كانت قابلة للاختراق، مضيفًا أن مجتمعاتنا أصبحت تطالع خطابين يتكلمان بلسانين مختلفين وأحيانا متناقضين، أحدهما يتمثل فى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وهذه تعبر عن وجهة النظر الرسمية بدرجة أو أخرى، والثاني يتمثل في مواقع التواصل الاجتماعى التي أصبحت المنبر الأوسع الذي يعبر عن وجهة نظر المجتمع.
وقال هويدي في مقاله بصحيفة " الشروق" اليوم السبت: إن تلك المواقع تتعرض للمراقبة والملاحقة وربما الإغلاق والمصادرة، ومع ذلك لا يستطيع أن يحاصر كل المواقع، مشيرًا إلى قرار نائب عام الانقلاب بحظر النشر في موضوع "الفساد" ويلزم الجميع بالصمت على أمور بالغة الخطورة تمس سمعة الدولة وهيبتها، دون أن يبين النائب العام الأسباب التي دعته إلى فرض الحظر، ليفتح الباب لإساءة الظن بموقفه وبالأسباب التي دعته إلى ذلك.
وأضاف أنه فى غيبة الأسباب التي كان عليه أن يوردها لإقناع الرأي العام بالكف عن الحديث في الموضوع يجد الناس أنفسهم أمام احتمالين لا ثلاث لهما؛ الأول: أن إغلاق الباب أريد به التستر على فضائح معينة منسوبة إلى المؤسسات المهمة في الدولة التي هي فوق القانون وفوق الحساب. الثاني أن النشر كان مباحا ومرحبا به طالما ظل يعبر عن خطاب التشهير والاتهام والاغتيال المعنوي، ولكن حين بدأت الحقائق تظهر من خلال صوت الرأي الآخر تمت المسارعة إلى إغلاق الباب وطولب الجميع بالصمت.
ونوه إلى أنه في الحالتين فإن الإساءة تصبح من نصيب السلطة التي يظن البعض أنها تتستر على وقائع الفساد في مؤسساتها، كما أنها تسيء إلى النائب العام نفسه الذي قد يظن به أنه استخدم صلاحياته لحماية طرف وتشويه طرف آخر، دون أدنى احترام لحق الناس في المعرفة.
وقال هويدي: إن الذين أداروا العملية كلها لم ينتبهوا إلى أن هناك جمهورا ذكيا ومفتوح الأعين يرفض ابتلاع مثل هذه الرسائل، ولديه من الوعي ما يمكنه من أن يلتقط المعاني والدلالات الكامنة وراء قرار الحظر، وهو ما حدث، موضحًا أنه من المصادفات أن قرار النائب العام بحظر النشر في إحدى قضايا الفساد الشهيرة صدر بعد قرار محكمة القضاء الإدارى بإبطال حظر النشر الذي أصدره النائب العام السابق في تحقيقات قضية انتخابات الرئاسة، التي جرت عام 2012، وقال قرار المحكمة التي رأسها المستشار يحيى الدكروري نائب رئيس مجلس الدولة إن قرار النائب العام اغتصب سلطات قاضي التحقيق المخول له قرار حظر النشر في قضية معينة ما دام هو من يباشر التحقيق فيها.
ونوه هويدي لحيثيات الحكم في أن كل تقييد لحق المواطنين ووسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات الصادقة على غير سند من القانون ودون مبرر يستند إلى المصلحة العامة يعد مخالفًا للدستور ويهدر الحقوق التي أقرها للمواطنين ووسائل الإعلام، وأن كل ساحة تخلو فى وسائل الإعلام من المعلومات والحقائق تمتلئ بالأكاذيب والأضاليل، وكل خصم من العلم الصحيح بالحقائق يؤدي إلى زيادة الجهل والانتقاص من الوعي العام، متسائلا: "ما رأي النائب العام فى هذا الكلام؟".