لا تفتأ الأذرع الإعلامية للسيسي تؤكد مرارًا وتكرارًا أن مِصْر في عهد الجنرال قائد الانقلاب تنعم بالأمن والاستقرار، على الرغم من أن البلاد على شفا فوضى عارمة لن تبقي ولن تذر بحسب مراقبين للمشهد المِصْري عن كثب؛ بل إن هذا الشعور انعكس على السيسي نفسه خلال حديثه في احتفالية المولد النبوي الشريف، وكانت تمثل الهاجس الأكبر في تصريحاته التي عكست مخاوفه وقلقه من الأيام والأسابيع القليلة المقبلة. ويأتي تعاقد حكومة الانقلاب مع شركة "كنترول ريسكس" البريطانية ليعزز من تيقن سلطات الانقلاب بحالة الفوضى الأمنية الضاربة في أعماق المحافظات المِصْرية وعلى رأسها القاهرة، وعدم قدرة جهاز الشرطة بكل ما يملكه من إمكانات ومعدات وأفراد على مواجهة الأوضاع المتردية يومًا بعد يوم. إشادة إعلامية سلطت صحف "الجمهورية/ الوفد/ الوطن/ اليوم السابع/ الشروق/المصري اليوم/الدستور" الضوء على التعاقد مع شركة "كنترول ريسكس" البريطانية لتأمين المطارات. معالجة "الدستور" جاءت مختلفة وتعتبر التعاقد مع الشركة لا يمس السيادة الوطنية؛ وهدفه بعث رسالة طمأنة لجميع دول العالم. ونقلت المصري اليوم عن خبراء ومتخصصين تأكيدهم على أن الخطوة سوف تنعكس إيجابًا على السياحة المِصْرية، ويسهم في عودة الدول التى أوقفت رحلاتها للقاهرة وعلى رأسها بريطانياوروسيا. فيما أشادت الفضائيات بالتعاقد ورأت فيه اكتسابًا لخبرات أمنية أكثر تطورًا من أوروبا وخصوصا بريطانيا. سرية التعاقد في عددها الصادر اليوم الأربعاء انفردت صحيفة الوفد بالإشارة إلى أن بنود التعاقد سرية، وتتحملها وزارة السياحة، وهو ما أكدته الشركة البريطانية؛ حيث قالت المتحدثة الإعلامية لشركة «كنترول ريسكس»، جورجينا باركس، المكلفة بتأمين المطارات المصرية: إن بنود الاتفاق المبرم بين الشركة والحكومة لتأمين المطارات «سرية»، وإن الميزانية المقررة للشركة تخضع لنظام التعهدات السرية، ولا يجوز الإفصاح عنها. وأضافت «باركس»، حسب «المصرى اليوم»: «تعاقد الحكومة مع الشركة عززتها زيادة المخاوف الأمنية العالمية، ولتعزيز الأمن فى البلاد»، ورفضت الإجابة عن سؤال حول الخبرات السابقة للشركة فى مجال تأمين المطارات. وتابعت: «تطوير المرافق السياحية أولوية للحكومة، وما أدى لمراجعتها مخاطر تُهدد المواطن والسائح، والحكومة اختارت شركة (كنترول ريسكس)، وطلبت منها بدء العمل فورًا لمراجعة الإجراءات الأمنية فى المطارات المِصْرية». وقالت: «الشركة ستبدأ فورًا مراجعة الإجراءات الأمنية فى مطاري القاهرة وشرم الشيخ، والعمل فى المطارات الأخرى سيتم فى وقت لاحق، وستقدم الشركة تقريرًا كاملاً إلى الحكومة، وتوصيات مفصلة لضمان سد الثغرات الأمنية فى المطارات، وتدريب موظفى المطارات للعمل وفقًا لأعلى المعايير». وأضافت «باركس» أن الشركة ستعمل على مراقبة المخاطر وضمان تحسين الخدمات الأمنية. من جانبه رحب اللواء طيار أحمد جنينة -رئيس مجلس إدارة مطار القاهرة الدولى- بالتعاقد، مشددًا على تعاونه الكامل مع الشركة، وأنه سيقدم كل ما تحتاج إليه الشركة البريطانية، إلى جانب تنفيذ توصياتها، وأن التعاقد مع شركة عالمية رائدة لتقييم جاهزية المطارات والحصول على المشورة لتطويرها فرصة كبيرة تمكن من تبني معايير عالمية لتعزيز أمن الطيران في البلاد. وقال اللواء طيار عادل محجوب، رئيس مجلس إدارة الشركة المِصْرية للمطارات: إن الشركة ستوفر كل الدعم للشركة البريطانية، وستعمل على تنفيذ كل التوصيات والتعليمات التى تطلبها. عدم كفاءة الداخلية على الرغم من أن وسائل الإعلام الموالية للسيسي تشيد بهذا التعاقد وترحب بالخطوة إلا أن جميع المعالجات الإعلامية بلا استثناء لم تشر إلى أن التعاقد يعكس حالة الفشل والتراجع في أداء الشرطة المِصْرية، وعدم كفاءتها في أداء دورها رغم المليارات الضخمة التي يتم إنفاقها على أكبر جهاز قمعي في العالم. وهو تبديد لثروات وأموال البلاد على عصابة لم تحترف في شيء سوى الإجرام والقمع خارج إطار القانون يطلقون عليها "الشرطة المِصْرية". لماذا شركة بريطانية؟ وعلى الرغم من أن الشركة رفضت الإفصاح عن خبراتها السابقة في مجال تأمين المطارات وهو سلوك يثير الريبة بلا شك وربما يتم الكشف لاحقًا عن حقيقة هذه الشركة وكفاءتها إلا أن السؤال الأهم: لماذا تعاقدت حكومة الانقلاب مع شركة بريطانية؟ للإجابة على هذا السؤال يبدو للوهلة الأولى أن حكومة الجنرالات تريد ترضية الطرف البريطاني، خاصة أن لندن إحدى أهم العواصم التي قررت وقف رحلاتها إلى القاهرة عقب سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء يوم 31 من أكتوبر الماضي. وعليه فلا غرابة من تصريحات السفير البريطاني لوسائل الإعلام المِصْرية منذ يومين أنه يتطلع إلى عودة الرحلات إلى القاهرة. يعزز من هذه الفرضية تصريحات عادل عبد الرازق -عضو اتحاد الغرف السياحية، خلال اتصال هاتفى ببرنامج "الحياة الآن" المذاع عبر فضائية "الحياة"، اليوم الأربعاء- الذي يؤكد أن التعاقد مع شركة "كونترول ريسكس" لوضع ضوابط الأمن فى المطارات المِصْرية، خطوة مهمة وسبقتنا فيه عدة دول أخرى كإنجلترا. ونوه "عبد الرازق"، أنه من المتوقع عودة الرحلات الجوية البريطانية إلى مِصْر قبل نهاية شهر يناير، لافتًا إلى أن السفير البريطانى أعلن من قبل أن فور الاتفاق مع شركة لوضع ضوابط أمنية ستعود الرحلات خلال شهر. كما يشير مراقبون إلى أن هناك عاملا آخر مهمًا في التعاقد مع شركة بريطانية أهمها مكافأة لندن على تقرير جينكينز، الذي أبدت فيه الحكومة المحافظة بقيادة ديفيد كاميرون مخاوفها من جماعة الإخوان، وأن الانتساب إليها ربما يكون مؤشرًا على التطرف، وهو التقرير الذي رحبت به الأوساط المِصْرية، سواء كانت حكومية أو إعلامية. ثلث البريطانيين لا يفكرون في العودة إلى مِصْر وكان استطلاع للرأي أجرته صحيفة "اكسبريس" البريطانية أول ديسمبر الجاري، أظهر أن زهاء ثلث السياح البريطانيين لا يفكرون في العودة مطلقا إلى مِصْر في أعقاب موجة العمليات الإرهابية التي اجتاحت البلاد في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من أن مِصْر كانت تجتذب حوالي 15 مليون زائرًا سنويًّا حتى اندلاع ثورة ال 25 من يناير 2011، تشير الإحصاءات إلى تراجع حاد في أعداد السائحين الوافدين للبلد الواقع شمالي إفريقيا حتى وصل إلى 9 ملايين في 2014. ووجد الاستطلاع أن 27% ممن شملتهم الدراسة يقولون إنهم لن يعودوا ثانية إلى مِصْر. وكشفت الدراسة أيضا عن أن 35% من المشاركين أعربوا عن ترددهم في العودة لمِصْر واستبعدوا نهائيًّا فكرة السفر إليها في المستقبل القريب. وكان وزير السياحة بحكومة الانقلاب قد قال -يوم 8 ديسمبر-: إن إيرادات مِصْر من السياحة ستنخفض خلال العام الجاري 10% على الأقل مقارنة مع السنة الماضية بعد حادث سقوط الطائرة الروسية، والذي دفع روسياوبريطانيا لتعليق رحلات، لافتًا إلى أن السلطات تعمل على استعادة الثقة. ودفعت الكارثة روسياوبريطانيا، اللتين قالتا إن الطائرة تحطمت بفعل قنبلة، لتعليق بعض الرحلات انتظارًا لتطمينات بخصوص أمن المطارات، خاصة بعد أن قال تنظيم "الدولة الإسلامية" إنه أسقط الطائرة بقنبلة. وبلغ عدد السياح الروس الوافدين إلى مِصْر نحو 3.2 ملايين سائح خلال عام 2014، مقابل 2.3 مليون سائح في 2013، وفق وزارة السياحة المِصْرية. وبلغت إيرادات مِصْر من السياحة نحو 4.5 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وفق تصريحات سابقة لزعزوع. وتعتبر السياحة ثالث أكبر مصدر للنقد الأجنبي في مِصْر، بعد الصادرات السلعية وتحويلات المِصْريين العاملين بالخارج، ووصلت عائداتها في العام المالي الماضي إلى 7.4 مليارات دولار.