روسيا تلعب دورا مناهضا للتحرك العربي في القضية السورية واليمنية والعراقية، وتدير التحرك الإيراني في المنطقة، استطاعت جذب رءوس أنظمة إليها، فمن السعودية إلى مصر والإماراتوالأردن تتوالى الزيارات العربية لموسكو، بحثا عن صفقات عسكرية ودعم للبقاء في السلطة. ورغم اختلافات الرؤى والتوجهات وأنماط التسلح، بين الأردنوالإمارات ومصر، إلا أن أبرز ما تمتلكه روسيا قدراتها الفائقة على التحكم بالملف السوري، عبر سفن الشحن التي لا تتوقف عن إمداد نظام بشار بالسلاح، القادر على الإبقاء على بقايا نظامه، بعدما فقد نحو 60% من الأراضي السورية.. بجانب حق الفيتو. "إرهاب" السر! وكشفت صحيفة "فزجلياد" الروسية، اليوم الأربعاء، عن عقد "قمة سرية" لمناقشة الوضع فى الشرق الأوسط، شارك فى الاجتماع عبد الفتاح السيسى والملك عبدالله الثانى وولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة محمد آل نهيان، بالإضافة إلى مجموعة من المسئولين رفيعى المستوى فى المنطقة، أمس الثلاثاء. وأضافت أن المفاوضات تناولت الأزمة فى سوريا، والإرهاب الذى يتمثل فى تنظيم "داعش" وتوحيد جهود روسيا ومصر والأردنوالإمارات فى مكافحة الإرهاب (الإخوان والحركات الإسلامية ومشروع الإسلام السياسي). ودفع تصاعد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية ضد حكومات المنطقة العربية، التقارب بين دول المنطقة بما فيهم بشار الأسد وحتى إيران مع الأطراف الدولية، وفي مقدمتها روسيا.. التي بدأت تمتلك أوراق الحل في قضايا المنطقة، عبر السلاح ومشروعات صناعة الطاقة. ولعل أبرز ما يفسر تزامن الزيارات، تناغم عمل أجهزة المخابرات المصرية الأردنيةوالإماراتية، حول آليات مكافحة المشروع الإسلامي في الشرق الأوسط في ليبيا وتونس والمغرب العربي وفلسطين والشرق العربي، وفي هذا الإطار تبرز مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين لتشكيل تحالف "لوجيستي" واسع لمواجهة تنظيم "داعش"، بما في ذلك التعاون الأمني الوثيق وتبادل المعلومات والملفات، وإغلاق مصادر التمويل، وتجفيف المنابع التي تمد التنظيمات "الإرهابية" بالأموال والعناصر. غطاء اقتصادي وبجانب ملف الإرهاب بمشتملاته السورية والداعشية.. تبرز بعض الملفات الاقتصادية كمشروعات الطاقة والتسلح وتنويع مصادر السلاح التي يحاول الإعلام المصري إبرازها والطنطنة بها، ليبدو السيسي كأنه عبد الناصر الذي تحدى واشنطن ونوع تسليح الجيش المصري، متناسيا صعوبة العودة للمنظومة الروسية بعد أكثر من 30 عاما من أمركة السلاح المصري. وكانت صحيفة "فيدوموستي" الروسية كشفت أن موسكووالقاهرة بصدد توقيع عقد خاص بتزويد مصر ب46 مقاتلة من طراز "ميج-29".، يبلغ قيمة العقد 2 مليار دولار. وكانت روسيا سلمت مصر في نهاية يوليو الماضي زورقا للصواريخ الهجومية من فئة "مولنيا". كما تسعى مصر لإبرام صفقة البدء في مشروع المفاعل النووي لإنتاج الكهرباء بالضبعة، الذي يواجهه بعض الخلافات بين الطرفين حول مدة تنفيذ المشروع التي يرفض الجانب الروسي الالتزام بأن تتم في مهلة 3 سنوات فقط، وحول تقديم الدعم الفني للمحطة بعد انتهاء عقد إدارتها وتشغيلها، بالإضافة إلى خلافات مالية أخرى، فيما يراوح حجم الاستثمارات المشتركة بين الجانبين مكانه، فلم يطرأ جديد على صعيد الاستثمارات الروسية في مصر، التي لا تتجاوز 60 مليون دولار، تعود بالكامل إلى فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011. لذا يرى مراقبون أن زيارة السيسي ولقاءه الرابع ببوتين، مجرد رسالة فقط، حيث يروج السيسي لهذه الزيارة في الداخل المصري، باعتبارها نقطة محورية في علاقة نظامه ببوتين، خصوصاً في مجال تنفيذ وعود المساعدات التنموية التي وجّهتها روسيا إلى مصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ولا تزال متباطئة حتى اﻵن، واقتصرت على بعض "الهدايا" العسكرية المحدودة وقطع للأسلحة الروسية القديمة المعدلة من قبل الجيش المصري. المصالح الروسية ومنذ مطلع العام الجاري، أخذت روسيا، تحت وطأة العقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب موقفها في أوكرانيا وضمّها لجزيرة القرم، وبتأثير سياسة العقاب التي اتبعتها السعودية ضدها من خلال خفض أسعار النفط بفعل زيادة العرض، بالتقارب إلى الدول الخليجية لاسيما السعودية. وبدأ التقرب الروسي عبر امتناعها عن استخدام حق النقض "الفيتو" ضد قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص باليمن في إبريل 2015، لحظر السلاح على جماعة الحوثي حليف إيران، ومنح الشرعية للتدخل العسكري الذي تقوده الرياض في اليمن. وأسفرت الخطوة الروسية عن تطور كبير في العلاقات الثنائية بلغ حد توقيع اتفاقية تقوم روسيا بموجبها ببناء 16 محطة للطاقة النووية في السعودية، خلال زيارة قام بها وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، إلى روسيا أواخر يونيو الماضي، التقى خلالها الرئيس بوتين. كما قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة موسكو في 12 أغسطس الجاري، وذلك استكمالًا لمحادثاته التي بدأها مع لافروف في الاجتماع الثلاثي الذي جمعهما في الدوحة بوزير الخارجية الأميركية مطلع الشهر. كما تسعى مصر بجانب المباحثات السرية حول آليات "مكافحة الإرهاب"، إلى زيادة الاستثمارات الروسية في مصر خاصة قناة السويس، بجانب دعم ملف مصر في الأممالمتحدة لمقعد إفريقيا بمجلس الأمن. أما محمد بن زايد، الذي يشارك في افتتاح فعاليات معرض "ماكس" الدولي للطيران والفضاء 2015 الذي يقام في موسكو في الفترة من 25 إلى 30 أغسطس، بجانب تفعيل التعاون، خاصة في مجالي الاستثمارات والطاقة، حيث تنسق موسكو وأبوظبي عملهما في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز. إضافة إلى الآمال المعقودة على نتائج عمل مشاريع شركتي "روس نفط" و"كريسنت بتروليوم" لتطوير حقل نفطي في إمارة الشارقة، وكذلك التعاون بين "روس نفط" وشركة "مبادلة للبترول" الإماراتية حول تطوير حقلين نفطيين في سيبيريا الشرقية. بينما تخطط الأردن لبناء أول محطة كهرونووية في الأردن، وتتولى بناءه مؤسسة "روس أتوم" الروسية، ومن المتوقع، إنجاز المحطة بحلول عام 2020 بتكلفة تقدر ب 5.4 مليارات دولار. سيناريوهات ثلاثة في المقابل، تتوقع المصادر أن يكون الوضع في سورية هو الملف اﻷبرز على مائدة بوتين والسيسي، خصوصاً في ظل المفاوضات الجارية بين السعودية وروسيا حول الحل في سورية، والذي يتخذ أكثر من سيناريو لم يحسم حتى اﻵن. السيناريو اﻷول الذي ترغب فيه موسكو هو تأجيل حسم الصراع بين نظام بشار اﻷسد، والمعارضة وتوجيه فوهات المدافع من جميع دول المنطقة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" أوﻻً، وهو ما روج له وزير الخارجية الروسي سيرغي ﻻفروف ﻷول مرة في يونيو الماضي. وتتردد معلومات عن عدم رفض الوﻻيات المتحدة لهذا السيناريو، وقبوله من قبل السعودية وتأييده بشدة من قبل مصر، التي تبحث عن دور عسكري بارز لها في المنطقة خلال الفترة الحالية كقائدة مفترضة للقوات العربية المشتركة التي تروج لها عربياً بمساعدة اﻹمارات. أما السيناريو الثاني الذي لم تعلنه أي دولة حتى اﻵن، ويقف عند حدود التداول اﻹعلامي الغربي، فهو تقسيم سورية بين النفوذ الخليجي وتركيا ونفوذ إيران، وتنازل كل طرف عن بعض أهدافه اﻹقليمية، وهو السيناريو الذي ترفضه مصر تماماً، وتفضل عليه تقديم دعم غير محدود لبشار اﻷسد. والسيناريو الثالث هو إعطاء فرصة أخرى لمائدة المفاوضات في مؤتمر جنيف الثالث الذي بدأت روسيا التحضير له على عدة أسس من بينها اجتماعات الفرقاء السوريين في القاهرة، على أن يتمحور اللقاء في جزء منه على توحيد الجهود ضد "داعش". وتتفق آراء السيسي وبوتين على ضرورة المواجهة العسكرية ل"تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق وسورية وليبيا، وعلى أن ظهور "الدولة الإسلامية" كان جزءًا من تخطيط فوضوي للمنطقة بدأت بثورات الربيع العربي. وهذا اﻻتفاق الفكري بين الطرفين من اﻷسباب الرئيسية للتقارب بين القاهرةوموسكو حالياً، والتي يظل السيسي مستنداً إليها في التعويل على بوتين لمساعدته اقتصادياً وعسكرياً، وإن كان البطء هو سمة الخطوات الروسية الرامية لكسب موطئ قدم جديد لها في الشرق اﻷوسط. وتبقى الزيارات الدبلوماسية والبروتوكولات التي يعشقها الضعفاء زادا للنظام المصري باعلامه، فيما المنافع الاقتصادية نسمع عنها ولا نراها.. المهم الزيارات والاستقبالات والوعود، التي لا تفارق الأوراق وأروقة الوزارات!