«عواد باع أرضه يا أولاد.. شوفوا طوله وعرضه يا أولاد».. ما بين انقلاب حمل عواد على بيع أرضه من أجل الاستجابة إلى نداهة الحضر والرقص على سلم دولة خلعت عباءتها الزراعية ولم تتمكن من اللحاق بركب الصناعة، إلى انقلاب أجبر عواد 2015 على التباكي على بوار زراعته وضياع محاصيله فباع أرضه من جديد لسداد ديونه التى كبلته بها حكومات العسكر الفاشلة. ومع سياسات العسكر "الحلزونية" تحولت مصر من البلد الأشهر فى العالم فى زراعة القطن طويل التيلة إلى وطن تتجه فيه زراعة الذهب الأبيض إلى الانقراض، وباتت "هبة النيل" عاجزة عن إنتاج سوى 25 % من احتياجاتها السنوية من القمح، فضلا عن باقى المحاصيل التى انهكها الري بمياه المصارف ونهشتها المبيدات المسرطنة. محمد فرج -رئيس اتحاد الفلاحين- كشف الحالة المزرية التى وصلت إليها المحاصيل الرئيسة فى زمن الانقلاب والتى باتت تحتاج إلى مد يد الحاجة إلى سائر بلدن العالم بل إلى دول لا تملك ما تملك مصر من نيل يشق أراضيها وبحيرات ومياه جوفية ومساحات شاسعة ومهدرة من الأراضي والطاقات. وأشار إلى أن الإنتاج المحلي من القمح يصل إلى 3.5 مليون طن أي ما يكفي فقط لسد حاجة السوق لمدة 4 أشهر على الأكثر، ما يعني الحاجة إلى التوجه صوب الحليف "المزعوم" الروسي من أجل مد الشعب برغيف خبز "خالى من السوس"، رغم أن الدب الأوروبي قرر رفع ضريبة الغلة ليرهق كاهل الموازنة المصرية المنهارة. من جانبه، أوضح الخبير الزراعي الدكتور نادر نور الدين أن مصر على مشارف أزمة في استيراد القمح خلال 2015، وذلك بعد إيقاف روسيا تصديرها للقمح، لافتًا إلى أن استيرادنا للقمح من روسيا كان يتعدى 10 ملايين طن سنويًا. ولم يكن القطن بطبيعة الحال أفضل من سابقه، وباتت مصر التى دشنت فى أربعينيات القرن الماضى ثورتها الصناعية على يد طلعت حرب –قبل أن يذبحها العسكر- معتمدة على فخر الزراعة المصرية من الذهب الأبيض طويل التيلة لبناء مصانع المنسوجات، على وشك القضاء على تلك الزراعة على يد مافيا رجال الأعمال من عملاء العسكر وفتح باب الاستيراد لأنواع رديئة رخيصة الكلفة. وتوقع -رئيس اتحاد الفلاحين- اختفاء زراعة القطن في غضون 3 أعوام، مؤكدا أن الفلاح اتجه لزراعة محاصيل أخرى غير القطن بعدما تخلت الحكومة عن دعمه في وجه رجال الأعمال، وشرائه بثمن بخس. وأضاف فرج: "منذ عهد محمد علي باشا، والقطن كان يعتبر محصول اقتصادي رئيسي في مصر، وزراعته كانت إجباريا، بمعنى أن مَنْ لا يزرع يحرر له محضر مخالفة، وذلك حتى عام 1992، عندما حررت الحكومة زراعة القطن، من سطوة الجمعيات التعاونية، التي كانت تجبر الفلاح على الزراعة، وتتولى عملية التعاقد مع المصانع". وأعرب عن أسفه لتعامل الحكومة ورجال الأعمال مع القطن على أنه سلعة -مكسب وخسارة- دون أي سعي لتجويد إنتاجه بتطوير المعدات والمصانع، مشيرًا إلى استخدام آلات تعود لفترة الخمسينيات والستينيات. وشكى اتحاد الفلاحين من غزو القطن اليونانى للسوق المصرية، والذى يعد أسوأ أنواع الأقطان نظرا لرخص ثمنه وتحقيقه مكاسب وأرباح أكبر لرجال الأعمال، وهو ما أثر بالطبع على القطن المصرى بما يجعله مهدد بالانقراض بسبب سياسات الحكومة التى أهملت إنتاجه.
وكشف اتحاد الفلاحين أن مصر كانت تزرع سنويا مليونى فدان من القطن بأنواعه وعلى رأسها طويل التيلة، أما الآن فأصبحت تزرع من 200-300 ألف فدان فقط، وهو ما يعنى أننا نسير في طريق القضاء علي زراعة القطن". ومن وقفات احتجاجية أمام مكتب النائب العام إلى اعتصامات على عتبات وزارة الزراعة، شكى فلاحو مصر، من غلاء أسعار الأسمدة، وارتفاع سعر طن الكيماوي، مع نقصه من الجمعيات الزراعية، وهو ما تسبب في أزمة خانقة للفلاح وأثر بالتبعية على الدورة الزراعية. ووصل سعر طن الأسمدة في السوق السوداء إلى 3400 جنيه، بالإضافة إلى أن إغلاق باب تصدير محصول البطاطس، الأمر الذى أثار مخاوف الفلاحين على زراعتهم من عدم سداد مصروفاتها، نظرا لارتفاع سعر إيجار الفدان الواحد في السنة، ل 8000 جنيه.
أحد الفلاحين صرخ غاضبا: "أرخص ما فى عهد السيسى الفلاح الذى يأكل من عرق جبينه"، فيما اشتكر آخر: "الكيماوى تتفاوت أسعاره ما بين 165-170 جنيها للشيكارة، وأحيانا لا نجده والبطاطس سوقها واقف، والإيجار غالى، ولا أحد يسمع لنا". ومع الحصار الحكومي، نظم الآلاف من الفلاحىن والمزارعين وقفات احتجاجية أمام وزارة الزراعة بالدقى وعلى سلالم نقابة الصحفيين لمناشدة حكومة الانقلاب، لتقنين أوضاعهم ووقف إزالة زراعتهم، ودعم الدولة لهم ومساندتهم فى أزمة الديون المستحقة لبنك التنمية والائتمان الزراعي.. ولا حياة لمن تنادي. كما خرج مئات الفلاحين والمزراعين بمدينة السادات ووادى النطرون فى مسيرات احتجاجية ووقفات غاضبة للمطالبة بوقف إزلة زراعاتهم وتقنين أوضاعهم، حتى حاصرتهم الأجهزة الأمنية وأجبرتهم رغم حصولهم على تصاريح بالتظاهر إلى العودة يجرون أزيال الخيبة.
تكبيل الفلاح بالديون –التى قرر الرئيس الشرعي إسقاطها- ورفع أسعار الأسمدة ووقف تصدير بعض المحاصيل وتبوير الأراضى الزراعية وهجرة الفلاحين إلى الحضر بحثا عن لقمة العيش بعيدا عن حصار زبانية الانقلاب، بات يهدد مصير الزراعة فى مصر هبة النيل، ويفتح الباب أمام مزيد من الحصار الزراعي على وطن يعتمد على الخارج فى ملبسه وسلاحه وكساءه وغذاءه.