"لا جديد ليقال .. وإنما هو قديم يعاد" هكذا كان التعامل الإعلامي المريض مع الحراك الثوري المتنامي في شوارع مصر، والمسيرات الحاشدة التي عمت محافظات الجمهورية مساء أمس الأحد في الموجة الثورية 25 يناير، في موج متوالى من الفعاليات النضالية الصامدة منذ انقلاب 3 يوليو على مكتسبات الثورة والمستمر حتى زوال حكم العسكر، على وقع "الشعب يريد إسقاط النظام". مرتزقة الأعلام المصري لم يبرحوا ساحة الاتهامات المعلبة لأحرار الوطن ورافضى حكم البيادة والصامدون في وجه المد العسكرى على مقدرات الدولة، وأنصار الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وعادوا ليكرروا الاتهامات ذاتها التي لاحقوا بها جموع الثوار في ميدان التحرير في عام 2011 دون تصريف أو تعديل أو إضافة بعض الرتوش المخابراتية باستثناء وحيد أن كل من في الميادين هم من عناصر الإخوان المسلمين. أصحاب ساعات الهواء في مدينة الإنتاج الإعلامي وصفوا ثوار مصر بالعمالة والخيانة والسعى لتخريب دولة السيسي وتدمير مقدرات البلاد التي نهشها العسكر وتحويل الوطن إلى نموذج آخر من سوريا واليمن والعراق ليبيا، رغم أن المدقق في أحوال تلك البلدان العربية يدرك للوهلة الأولى حجم الجرائم التي ارتكبتها الأنظمة المستبدة بحق الشعوب، كما أكد سحرة الإعلام أن الثوار لازالوا يتحركون نظير 100 جنيه ووجبة وزادوا عليها "مصلية جيب"، لترسيخ أن من في الشارع هم أبناء التيار الإسلامي وفقط. ولأن من في الشارع هم من التيار الإسلامي.. ولأن سندس ليست شيماء الصباغ، تحركت آلة التحريض الإعلامية بأقصى طاقتها من أجل أولا حث مليشيات العسكر على مزيد من القتل والاعتقال والاغتصاب والتدمير، وثانيا تهيأة الشعب لمزيد من الدماء تحت زعم محاربة الإرهاب الذى زرعه السيسي في مصر لتوطيد حكمه وإحكام قبضته على البلاد. وبات صوت الدم هو الأعلى في الإعلام المصري ولسان التحريض هو المسيطر ولغة القتل مقدمة على سواها، حتى خرج الإعلامي "الأمنجي" أحمد موسي ليطالب الداخلية بمحاصرة منطقة المطرية وتفتيشها بيت بيت –على طريقة القذافى- ولا مانع مطلقا من قتل 400 مواطن في سبيل قمع المظاهرات الغاضبة. نفس موسى هو من استضاف أحد الخبراء الأمنيين –حسام سويلم- ليطالب الداخلية بالتعامل بالرصاص الحى مع المظاهرات، زاعما أنه لا يسمح بمثل تلك الممارسات في بلدان أوروبا وإنما يتم التعامل معها بالقوة المفرطة لمنع تكرارها، مشددا على ضرورة أن يتم تسيلح عناصر الأمن المركزى بالذخيرة الحية لمواجهة الثوار. ومن أجل ضمان بقاء لاعقى البيادة على موقفهم كظهير شعبي في الشارع إلى جانب دولة البلطجية التي أسستها الداخلية، لعب الانقلابى عمرو أديب على وتر، عودة الاعتصامات الثورية في عين شمس والمطرية وإغلاق المنطقة بأكملها واستخدام الأهالى كدروع بشرية في مواجهة الداخلية، رغم أنه هو من زعم في الحلقة ذاتها –أمس الأحد- أن الداخلية لا يمكنها دخول حزام المطرية في ظل البسالة التي قدمها الثوار. وخرج طارق حجى في لقاءه مع مصطفى شردي –فى برنامج "90 دقيقة" على قناة المحور- بسيناريو مخابراتي بإمتياز هو استنساخ من سيناريوهات 25 يناير 2011، زاعما عن تدفق الأموال على التيار الإسلامي من أجل تدمير الدولة المصرية، وأن المتظاهر ينظل نظير 80 جنيه وثلاث وجبات. وزاد حجي من الشعر بيت، حول وجود جماعات مسلحة تتمركز في اليمن وليبيا وسيناء والقاهرة، بتمويل "إيراني- تركي" ضمن مؤامرة دولية "كونية" تهدف إلى النيل من مصر، مستعينة بعناصر من كتائب القسام، وتسخير مخابرات وسفارات دول عربية وأجنبية لخدمة عناصر التيار الإسلامي في قطر واليمن. وعلى النهج ذاته، سيطرت لهجة التحريض على مساحات الصحف الصفراء المصرية، وعلى رأسها صحيفة "الأمنجي" عبدالرحيم علي، بعدما طالبت صراحة في مانشيت "البوابة" بقتل الثوار التي وصفتهم ب"المخربين". ورغم تعامل الإعلام الانقلابي مع الدم المصري وفقا لتصنيف إسلامي أم ليبرالي، إلا أنه أخذ يروج للرواية الأمنية في كل حال، فحاول تبرأة الداخلية من قتل الاشتراكية شيماء الصباغ رغم أن دمائها لازالت في يد قاتلها من شرطة الانقلاب، إلا أنه روج لصور قديمة متداولة على مواقع التواصل باعتبارها لعناصر مندسة، ثم راح يروج لصورة وزعتها الداخلية لشهيد الإسكندرية –أمس- وإلى جواره سلاح آلى قبل أن تفضحهم صور شهور العيان لجثة الشهيد لحظة ارتقائه متسلحا بسلميته وإيمانه.
الاتهامات بالعمالة والخيانة والطابور الخامس والجيل الرابع ليست جديدة بطبيعة الحال بل كانت هى المسيطرة على المشهد في 25 يناير 2011، والحديث عن التظاهر مقابل وجبة "كنتاكي" و100 جنيه هو قديم يعاد، إلا أن التحريض الصريح على القتل والمحاصرة ومداهمة البيوت هو النهج الذى يعكس حقيقة المشهد الآن في مصر العسكرية التي لا تتحدث إلا بلغة الرصاص والتفجيرات ولا تعرف إلا الحلول الأمنية القمعية للمشكلات الحياتية، لينعكس ذلك على أرض الواقع بمزيد من الفشل والتراجع والانهيار.