ربما لو فطن الثوار منذ اليوم الأول لنزول دبابات الجيش شوارع المحروسة عشية جمعة الغضب فى ال28 من يناير 2011، أن المخلوع مبارك لا يختلف عن المطرود طنطاوى ولا يتخير عن الخائن السيسي وإنما هم أسماء متعددة لقناع عسكرى واحد لا يستوعب إلا رجاله ولا يدافع سوى عن مصالحه، وأن العسكر الذى نبت من رحم «كامب ديفيد» لا خير منه والنار أولى به، لم وصلت ثورة يناير المجيدة إلى تلك الحالة المزرية ولما نزل ثورها إلى تلك المرحلة من التشرذم والتباغض والتنافر، وما عاد عرابوا الانقلابات إلى سدة الحكم من جديد. سير الأحداث وتلاحقها مع تدافع الشباب المصرى الثورى النقى فى 25 يناير من كل حدب وصوب فى موجات متلاحقة على ميدان التحرير من أجل إسقاط لمخلوع واستعادة الدولة من احتلال عصابة آل مبارك، أجبر الثوار على الانخداع فى موقف الجيش من الثورة وادعاءه الدخول فى خندقها والانضمام إلى معسكرها والإيمان بمطالبها ودوافعها، وتردد على شفاه الأحرار عن طيب خاطر هتافات "الجيش والشعب أيد واحدة" على وقع تحية الفنجرى العسكرية للشهداء، وأعمت الثوار عن التدقيق فى حفاظ العسكر على أمن مبارك بل وحياده الخائن فى موقعة الجمل، وإطلاق سراح مع وقع فى يد رجال الميدان من العناصر المندسة والبلطجية. وللحق فإن الأمر احتاج لكثير من الوقت من أجل إسقاط قناع العسكر الوديع والكشف عن الوجه الحقيقي للمجلس الفاشى المكون من "22 مبارك"، وتكلف بذل مزيد من الدماء الزكية فى توابع ثورية متلاحقة ومتفاوتة القوة والتأثير، فى ومحمد محمود ووزارة الدفاع وماسبيرو، إلا أن أحداث مجلس الوزراء كان بمثابة الطلاق "الرجعى" بين الثورة والعسكر وبداية الصدام المؤجل بين طرفى المشهد. وما أشبه اليوم بالبارحة.. تطل اليوم الذكرى الثالثة لأحداث مجلس الوزراء وسط تراجع البلاد 60 عاما إلى الخلف وعودة الدولة البوليسية القمعية، وتقويض ثورة يناير ومحقة ثوارها، ليكمل العسكر مسلسل نزيف الدماء الذى لم ينقطع منذ 16 ديسمبر 2011. 19 نوفمبر تعود أحداث مجلس الوزراء الشهيرة إلى فجر يوم السادس عشر من ديسمبر قبل ثلاث سنوات، وبعد محاولة فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة يوم 19 نوفمبر 2011، والتي أدت إلى وفاة أكثر من 40 متظاهرا، وتسببت في اندلاع مظاهرات عارمة في ميدان التحرير وميادين أخرى في مصر على مدى أسبوع، انتهت إلى اعتصام بعض المتظاهرين أولاً في ميدان التحرير ثم انتقل إلى أمام مقر مجلس الوزراء المصري احتجاجًا على تعيين الدكتور كمال الجنزوري رئيسًا لمجلس الوزراء. وبدأت الأحداث مع فجر يوم 16 ديسمبر 2011 عندما تم اختطاف أحد المعتصمين من قبل القوات العسكرية المتمركزة داخل مجلس الوزراء لتأمينه والاعتداء عليه بالضرب المبرح ثم إطلاق سراحه مما أدى إلى تأجيج الغضب وبدء المناوشات والاشتباكات بين قوات الأمن والمعتصمين. وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانًا، يوضح فيه صورة مغايرة لبداية الأحداث ويُلقي باللائمة على بعض المعتصمين، لاعتدائهم على ضابط يؤدي واجبه اليومي المعتاد في المرور على عناصر التأمين في داخل وخارج مجلس الشعب، مما أثار حفيظة عناصر الخدمة بالتدخل لفض الحدث، وانتهى الأمر إلى عودة الضابط إلى مقره بمجلس الشعب. وأضاف البيان أن هناك مجموعات من الأفراد والمتظاهرين التي تجمعت على مدار اليوم، وقامت بالتعدي على المنشآت الحيوية، والتراشق بالحجارة وأعيرة الخرطوش وزجاجات المولوتوف، مما أسفر عن هدم أحد أسوار مجلس الشعب في محاولة لاقتحامه، بالإضافة إلى تعرض بعض أجزاء مجلس الشورى إلى التدمير وإصابة العديد من الأفراد. ست البنات واستمرت الاشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية والمتظاهرين، وقامت قوات الشرطة العسكرية بالنزول إلى ميدان التحرير وسحل المتظاهرين ثم الانسحاب منه، وانتشرت على المواقع الإخبارية صور لفتاة يتم سحلها وتعريتها من ملابسها من قبل قوات الجيش. ثم لحق ذلك فضائح كشف العذرية على المعتصمات بالتحرير اللاتي اعتقلن بمحيط الميدان، والتي ظل الجيش والأمن يتهرب من الكشف عنها، إلى أن اعترف بها مدير المخابرات الحربية آنذاك اللواء عبد الفتاح السيسي. حرق المجمع العلمي كما تعرض مبنى المجمع العلمي المصري إلى إشعال النيران فيه، واتهم الدكتور كمال الجنزوري المتظاهرين بإحراق المبنى، في حين أكد جميع شهود العيان أن البلطجية في حماية الشرطة من قاموا بإشعال النيران فيه بحماية قوات الجيش، وهو ما كشفه تناقل وسائل الإعلام للحادث "المدبر" قبل وقوعه. وفي 18 ديسمبر 2011 استمرت الاشتباكات طوال اليوم أيضًا بين كر وفر من المتظاهرين وقوات الجيش في شارع الشيخ ريحان وميدان التحرير وشارع القصر العيني، وحلت قوات من الأمن المركزي محل قوات الجيش في شارع الشيخ ريحان، واستمر المتظاهرون في محاولة إنقاذ الكتب النادرة التي يحتويها مبنى المجمع العلمي المصري الذي تعرض للحريق يوم 17 ديسمبر 2011. وقامت القوات المسلحة بإلقاء القبض على 164 شخصًا وتم إحالتهم للنيابة العامة بتهمة الشغب والاعتداء على قوات الأمن وتخريب المنشآت العامة. وتوفي أحد المقبوض عليهم أثناء احتجازه حيث كان مصاباً بجروح وكدمات في أنحاء متفرقة من جسده وأمرت النيابة بتشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة. فشل الوساطة السياسية وقد حاول بعض النشطاء السياسيين ونواب مجلس الشعب المنتخبين حديثًا، التدخل لمحاولة الوصول لهدنة بين المتظاهرين وقوات الأمن إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، ولم تمنع من ارتفاع عدد ضحايا الاشتباكات بحلول مساء اليوم 18 ديسمبر 2011 إلى 10 قتلى وأكثر من 500 جريح من المتظاهرين. واستمرت الاشتباكات لليوم الرابع على التوالي وعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمراً صحفياً أنكر فيه اللواء عادل عمارة كل التهم الموجهة للقوات المسلحة من استخدام العنف ضد المتظاهرين وأكد فيه التزام المجلس العسكري بالتحول الديمقراطي في مصر. وفي نفس الوقت قامت حركة شباب 6 إبريل بعقد مؤتمر صحفي مضاد عرضوا فيه مقاطع فيديو توضح انتهاكات القوات المسلحة ضد المتظاهرين، وتواصل ارتفاع أعداد الضحايا حتى مساء يوم 19 ديسمبر 2011 إلى 12 قتيلا وأكثر من 800 جريح من المتظاهرين. واقتحمت قوات من الأمن المركزي الميدان 20 ديسمبر مع ساعات الفجر الأولى وأحرقت الخيام وأصابت العديد من المتظاهرين، وخرجت آلاف النساء في مسيرات حاشدة في ميدان التحرير عصر اليوم للتنديد باعتداءات القوات المسلحة على المتظاهرات. جمعة حرائر مصر وانتشرت الدعوات إلى مليونية يوم الجمعة 23 ديسمبر 2011 في ميدان التحرير باسم جمعة حرائر مصر، تنديداً بالانتهاكات التي تعرضت لها المتظاهرات في الأحداث وخصوصاً سحل وضرب وتعرية إحدى المتظاهرات. وفي 23 ديسمبر توافد عشرات الآلاف على ميدان التحرير استجابة لدعوة جمعة حرائر مصر أو جمعة رد الشرف كما أطلقوا عليها. وردد المتظاهرون شعارات تطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة فوراً للمدنيين، وطافوا أنحاء الميدان بنعوش رمزية زفوا بها 40 شهيدا إلى الجنة يقودهم الشيخ الثائر عماد عفت.