لم تقتصر تداعيات أزمة ارتفاع أسعار الوقود على اشتعال أسعار وسائل المواصلات والسلع الغذائية فحسب؛ بما زاد وضاعف معاناة الفقراء, بل كان للمرضى من البسطاء نصيب أيضًا من المعاناة بعدما أكدت عدد من المراكز المتخصصة في مجال الدواء على حتمية ارتفاع أسعار الدواء في المرحلة المقبلة؛ حيث حذر مؤخرًا "المركز المصري للحق في الدواء" من وجود نية لدى حكومة الانقلاب برئاسة إبراهيم محلب لرفع أسعار الأدوية، وذلك بعد الاجتماع الذي عُقد داخل لجنة التسعير الجديدة التي شكلها مؤخرًا وزير الصحة وأكد المركز وجود ضغوط من دوائر رجال الأعمال في اتحاد الصناعات والغرف التجارية وجمعيات اتحاد المصدرين، لرفع أسعار الأدوية ما بين 35% و65% بدعوى أن ذلك سيُنقذ أوضاع الصناعة ويسهم في التصدير. وأوضح المركز أن أي زيادة جديدة في أسعار الدواء ستخضع لنفوذ الشركات المنتجة، تحت دعاوى ارتفاع سعر الدولار أو عدم جدوى المنتج اقتصاديًا، وتوقع المركز زيادة خاصة في الأدوية المعالجة لأمراض السكر والضغط والقلب والتي يعتمد عليها الملايين من أصحاب المعاشات شهريا. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار الدواء شهدت بعد الانقلاب ارتفاعا كبيرا في الأسعار، حيث أوضح تقرير الغرفة التجارية بالقاهرة في أغسطس الماضي، ارتفاع أسعار أكثر من 74 صنفا من الدواء، وتصدرت القائمة زيادات تراوحت نسبتها بين 11٪ و100%، في “الأنسولين"، "إبنفرين" لعلاج الربو، و"فامدتدين" لعلاج أمراض الجهاز الهضمي، و"أمانتدين" لعلاج الأمراض العصبية، وبخلاف ألبان الأطفال المدعومة، وهناك أصناف من ألبان الأطفال التي يبلغ سعرها 17 جنيها اختفت من الأسواق، مما أدى لارتفاع أسعارها، وفي المقابل توافرت بدائلها المستوردة بأسعار تتراوح بين 35 و60 جنيها للعبوة. الأدوية المغشوشة وقد شهدت صناعة الدواء في ظل الانقلاب أزمات متعددة كان أحدثها انتشار الأدوية المغشوشة؛ حيث أسهم الانشغال الوهمي للانقلابيين بما أسموه كذبًا الحرب على الإرهاب في انتشار مصانع الأدوية المغشوشة التي تتاجر بصحة المصريين في ظل غياب كامل من الأجهزة الرقابية والتي لم تفِق من غفلتها إلا بعد استفحال الظاهرة حيث تم مؤخرا إغلاق 1226 صيدلية ومنفذ بيع للأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية، وكان من أكثر الأدوية المغشوشة المضادات الحيوية والمسكنات وأدوية الأورام وعلاج الجلطات وتصلب الشرايين وبعض عقاقير الكبد. وتمثلت طرق الغش في إضافة محلول ملحي لبعض الأدوية والبعض الآخر يغش بالنشا والثالث بإضافة مواد كيميائية تحدث تفاعلات خطيرة في الجسم. وتقوم بتوزيع هذه الأدوية المغشوشة مخازن مجهولة على الصيدليات بتخفيضات كبيرة للغاية, من جانبها اكتفت وزارة صحة الانقلاب بتوزيع نشرات بأسماء الأدوية المغشوشة على الصيدليات وهو ما نجم عنه سيادة حالة من الذعر بين المواطنين. وبحسب تقرير دولي تداولته وسائل الإعلام المختلفة -حتى الموالية للانقلاب العسكري- فإن مصر تنتج نسبة 7% من الأدوية المغشوشة على مستوى العالم، وكشف التقرير أن أكثر الأدوية المغشوشة هي أدوية أمراض علاج فيروس "سي" باعتبارها غالية الثمن. أزمة نقص الدواء وبجانب أزمة ارتفاع أسعار الدواء وانتشار مصانع غش الدواء كان نقص الدواء أحد الأزمات التي تفاقمت في الفترة الأخيرة من عمر الانقلاب بصورة كبيرة حيث بلغ عدد الأدوية التي اختفت من السوق الدوائى 800 صنف دوائي, بسبب الأوضاع الاقتصادية التي أسهمت في عجز العديد من شركات الأدوية عن الإنتاج والاستيراد على حد سواء، وبحسب تقدير نقابة الصيادلة 70% منها له بدائل ولكن بأسعار تفوق إمكانيات البسطاء حيث تجاوز سعر بعض البدائل 200 جنيه. ومن الأدوية التي تشهد نقصا شديدا أيضا عقار سوريستريت والذي يتم استخدامه لمرضى الفشل الكلوي المصاحب لارتفاع نسبة البوتاسيوم في الدم. كما أسهم الانقلاب العسكري وما تبعه من تردٍّ في الأوضاع الاقتصادية في تعطيل صناعة الدواء؛ ففي تصريحات صحفية سابقة لرئيس غرفة صناعة الدواء بالغرفة التجارية أكد أن هناك أكثر من 40 مصنعا تم الترخيص لها في عهد الدكتور مرسي مهددة بالإغلاق، فضلا عن 60 مصنعا تحت الإنشاء تعاني من التعثر الشديد بسبب ارتفاع سعر الدولار، واشتراط الشركات العالمية التي يتم منها استيراد المواد الخام الدفع النقدي مقدما، فضلا عن توقف العديد من الاستثمارات بسبب سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية. أزمات مرشحة للتصاعد من جانبه أكد سامر على حسن -عضو نقابة الصيادلة بالقاهرة- أن هناك تأثيرات سلبية متعددة ستواجه السلع الدوائية في الفترة المقبلة جرّاء قرار الحكومة برفع أسعار الوقود، مشيرًا إلى أن أول هذه التأثيرات السلبية هي رفع أسعار العديد من الأدوية، خاصة الأدوية الأكثر استهلاكًا كأدوية الضغط والسكر والمسكنات والمضادات وغيرها من الأدوية الأخرى والخاصة ببعض الأمراض المزمنة، مؤكدًا أن المرضى من الفقراء سيكونون الأكثر تضررًا من رفع الأسعار. د. سامر حسن: أسعار الدواء مرشحة للتصاعد والمرضى البسطاء ابرز المتضررين وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية سيتم من خلال ضغط الشركات ورجال الأعمال على الحكومة بهدف تحقيق ربح مناسب، وتوقع حسن استجابة الحكومة سريعًا لهذا الضغط اعتمادًا على سياسيتها المعروفة بالبحث عن أسرع الحلول بعيدًا عن تداعيات هذه الحلول على الفقراء. وأضاف حسن أن خسائر أصحاب الصيدليات في الفترة المقبلة ستضاعف جرّاء زيادة أسعار الوقود والكهرباء لأن حجم ما ينفقه أصحاب الصيدليات على الكهرباء والمياه والعمالة يضاعف حجم ما يحققه من ربح نتيجة رخص أسعار بعض الأدوية، ومن ثم تكون النتيجة الطبيعية الضغط من أجل رفع أسعار الدواء ليتحقق نوع من التوازن، وهو ما سيكون له أثر مباشر على المرضى البسطاء. ويؤكد حسن أن سوق الدواء شهد في الفترة الماضية العديد من الأزمات، وهو ما كان سببا في إغلاق عدد كبير من أصحاب الصيدليات لصيدلياتهم, فضلًا عن اتجاه البعض الآخر لتغيير النشاط بصفة عامة، وتابع أن هذه المشكلات مرشحة للتصاعد في ظل غياب الرؤية من قبل المسئولين ومن قبل الحكومة التي تُعنى في المقام الأول بمصالح الشركات الكبرى ورجال الأعمال على حساب الشركات القومية. أنصاف الحلول واتفق مع الرأي السابق الدكتور وائل هلال -أمين الصندوق المساعد بالهيئة العامة لنقابة الصيادلة- وأكد انه بجانب الارتفاع المتوقع في أسعار الدواء والذي سيكون في خلال الفترة القليلة المقبلة نظرًا لارتفاع أسعار الوقود وتأثيراته السلبية على ارتفاع أسعار نقل الدواء فضلًا عما يتكبده أصحاب الصيدليات من نفقات مختلفة من كهرباء وعمالة وغيره تدفعهم للمطالبة برفع سعر الدواء من أجل تحقيق أرباح تتناسب مع حجم المخرجات التي ينفقونها، وهو ما سيدفع ثمنه البسطاء. د. هاني هلال: ارتفاع أسعار الوقود ستشعل أسعار الأدوية وستفاقم من أزمة نقص الدواء وأشار هلال إلى أن هناك مشكلات كانت موجودة بالفعل من قبل ولكنها الآن مرشحة للتصاعد في ظل ارتفاع الأسعار من ذلك مشكلة نقص الدواء حيث شهدت الفترة الماضية نقض في أصناف كثيرة من الدواء خاصة الأدوية المتعلقة بأكثر الأمراض انتشارًا في مصر. وقال هلال إنه لم تعد تصلح أنصاف الحلول في ظل استمرار هذه الأزمات مؤكدًا أن الأمر يحتاج إلى حل جذري وسريع وهو إنشاء "هيئة عامة للدواء" على غرار ما هو معمول به في كافة دول العالم تكون من ضمن مسئولياتها الرقابة والإشراف، وهو ما سيسهم بشكل كبير في الحد من هذا التلاعب في الأسعار والفساد في مجال الدواء، مشيرًا إلى أن تجاهل هذا المطلب من شأنه يفتح الباب على مصراعيه أمام عمليات فساد وتلاعب بصحة المصريين في صورة أسوء من الوضع الذي نعانيه الآن.