في خطوة تُكرّس لتجريف ما تبقى من مجانية التعليم في مصر، أعلن وزير التعليم العالي بحكومة الانقلاب، أيمن عاشور، نتائج المرحلة الأولى لتنسيق الجامعات الحكومية للعام الدراسي 2025-2026، في وقت تكشف فيه الأرقام والسياسات حجم التلاعب المتعمد لإزاحة المتفوقين من الجامعات الحكومية ودفعهم قسراً نحو الجامعات الأهلية ذات المصروفات الباهظة، والتي تحولت إلى مشروع سياسي-اقتصادي بامتياز تحت رعاية النظام. وبحسب إعلان الوزير، جاءت الحدود الدنيا لكليات القمة متقاربة جداً من العام الماضي، لكن اللافت هو تراجع عدد المقبولين رغم ارتفاع مجاميع الطلاب، ما يعزز الشكوك حول "تحديد مسبق" لأعداد المقبولين لخدمة مخطط توسيع الجامعات الأهلية، التي بلغ عددها 32 جامعة بعد افتتاح 12 جامعة دفعة واحدة هذا العام.
بزنس التعليم بأوامر عليا
المراقبون يرون أن هذا التوسع المفاجئ والمبالغ فيه في إنشاء الجامعات الأهلية ليس إلا جزءاً من مشروع بزنس ضخم يسعى وزير التعليم العالي أيمن عاشور لتقديمه قرباناً لضمان بقائه في منصبه، بالتنسيق مع وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف (المعروف إعلامياً ب"المرزو")، الذي اتُّهم بالتلاعب بنتائج الثانوية العامة، التي شهدت ارتفاعاً غير مبرر في نسب النجاح بالنظام الجديد، ما ساهم في زيادة أعداد المؤهلين نظرياً لكليات القمة، دون أن يجدوا لها مقاعد في الجامعات الحكومية.
ويُعد نظام البابل شيت، الذي تفتخر به الوزارة باعتباره "دقيقاً"، سلاحاً ذا حدين، إذ أتاح مزيداً من التلاعب عبر مركزية التصحيح دون شفافية، وسط اتهامات واسعة بأن هذه النتائج هي الأسوأ منذ عقود من حيث التقييم الفعلي لقدرات الطلاب.
الجامعات الأهلية: جباية لا تعليم
في مخالفة صريحة لنص المادة 21 من الدستور المصري، التي تنص على مجانية التعليم الجامعي وتشجيع الجامعات الأهلية غير الربحية، جاءت رسوم جامعة القاهرة الأهلية –كمثال– صادمة: 155 ألف جنيه لكلية الطب، 125 ألفاً لطب الأسنان، و110 آلاف للصيدلة والعلاج الطبيعي. وهي أرقام تؤكد أن الجامعات "الأهلية" تحولت إلى مشروع استثماري بامتياز، لا يختلف كثيراً عن الجامعات الخاصة، بل ويتفوق عليها من حيث العبء المالي على الطلاب وأسرهم.
وتتراوح رسوم الطلاب غير المصريين بين 3500 و8000 دولار سنوياً، ما يحوّل الجامعات الأهلية إلى سوق تعليمي للمستثمرين، وسط غياب كامل لأي رقابة أو محاسبة، وبتواطؤ حكومي صريح، حيث لم تُنشئ الحكومة أي جامعة حكومية جديدة خلال السنوات الخمس الماضية، بل اكتفت بالترخيص للجامعات الخاصة والأهلية في إطار مخطط تدريجي لإلغاء المجانية.
تدمير الجامعات الحكومية.. سياسة ممنهجة
ما يحدث لا يمكن فصله عن سياسة أوسع لتصفية التعليم الحكومي، وتحويل الجامعات الإقليمية إلى جامعات أهلية تدار بالشراكة مع القطاع الخاص، فيما تم تغييب النقاش المجتمعي والبرلماني عن هذه التحولات الخطيرة التي تمس حقاً دستورياً أصيلاً. والأسوأ، أن هذه الجامعات، التي يدّعي النظام أنها "أهلية"، تُدار بعقلية الربح، فيما لا يجد آلاف المتفوقين مكاناً لهم إلا بمقابل مالي فادح.
الطلاب يدفعون ثمن الفساد
ورغم ارتفاع نسب النجاح المعلنة، إلا أن 210 آلاف طالب رسبوا في الثانوية العامة هذا العام، بينهم أكثر من 56 ألفاً تغيّبوا عن الامتحانات، ما يطرح علامات استفهام حول الحالة النفسية والاجتماعية لأجيال بأكملها تائهة بين نظم تعليمية متخبطة وواقع اقتصادي طاحن.
وفي النهاية، فإن تسليع التعليم وتحويله إلى مشروع استثماري خاضع للمزايدات والمحسوبيات، يهدد بنسف فرص العدالة الاجتماعية، ويعمّق الفجوة الطبقية بين من يملك المال للالتحاق بكليات النخبة، ومن تُركوا فريسة للجامعات الإقليمية المنسية أو مصير البطالة.