في مشهد متكرر يعكس الانفلات الأمني المقنن وفجور الأجهزة الشرطية في عهد المنقلب السفاح، عبد الفتاح السيسي، وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الانتهاكات المتراكمة، بعد وفاة المواطن عبد الرحمن محمد حسن تحت وطأة التعذيب داخل قسم شرطة السيدة زينب، بعد ساعات من توقيفه فجر 19 مايو/أيار 2025. عبد الرحمن، وهو أبٌّ لخمسة أطفال، أُوقِفَ أثناء سيره مع أحد أصدقائه في نطاق القسم، دون أن تُضبط بحوزته أي مواد محظورة، وأفادت شهادات شهود عيان بتعرضه للضرب العنيف في الشارع وأمام المارة، قبل أن يُساق إلى وحدة المباحث، حيث بدأ فصل جديد من التعذيب الوحشي الذي استمر – بحسب روايات متطابقة – لأكثر من ساعتين بهدف انتزاع معلومات عن رفيقه الهارب، لكنه صمد ورفض الإدلاء بأي اعتراف. وبدل أن تُبادر النيابة العامة إلى التحقيق في الجريمة، قامت الجهات الأمنية بتحرير محضر ملفّق وتلفيق رواية مفادها أن الوفاة سببها تعاطي كمية كبيرة من مخدر "آيس"، وهي رواية كذّبتها أسرته، وأكدت أنها محض افتراء، خاصة وأن عبد الرحمن لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية. الأخطر من ذلك، أن أجهزة الأمن لم تكتفِ بالتعذيب حتى الموت، بل تجاوزت ذلك بتنفيذ إجراءات الغُسل والتكفين وتسليم الجثمان دون إبلاغ الأسرة أو منحها فرصة لمعاينة الجُثمان، وعند فتح الكفن خلال صلاة الجنازة، تبيّن وجود كدمات واضحة في الرأس والجسم، ما أكدَّ الشبهات حول وفاته جراء تعذيب ممنهج. هذه الجريمة ليست استثناءً، بل نموذج متكرر في دولة أصبح فيها التعذيب سياسة دولة لا مجرد تجاوزات فردية. وتؤكد تقارير حقوقية محلية ودولية أن أقسام الشرطة والسجون في مصر تحولت إلى ساحات انتقام وقمع، تُمارس فيها أبشع أنواع الانتهاكات، من الضرب والصعق بالكهرباء، إلى الاغتصاب والحرمان من الغذاء والدواء، وسط صمت نيابيّ وقضائيّ يرقى إلى التواطؤ. النيابة العامة، المفترض بها أن تكون خط الدفاع الأول عن المواطن، اختارت مجددًا الانحياز إلى الرواية الأمنية، مُكرّسةً دورها كأداة لتبييض الجرائم لا محاسبة مرتكبيها، أما القضاء المصري، الذي كان ذاتُ يوم ركيزةً للعدالة، فقد فقد بوصلته منذ انقلاب 2013، وصار شاهد زور على جرائم السلطة. ومع تصاعد وتيرة الانتهاكات، وتجذر ثقافة الإفلات من العقاب، تحذّر منظمات حقوق الإنسان من أن ما يجري ليس مجرد تجاوزات، بل نهج ممنهج لإرهاب المجتمع وإخضاعه بالقوة، في ظل نظام بوليسي لا يعرف حدودًا. ويبقى السؤال المعلّق: كم من عبد الرحمن يجب أن يُقتل قبل أن تتحرك العدالة في مصر؟