مع التصعيد العسكري الصهيوني والدعم الأمريكي اللامحدود لهذا العدوان الإجرامي، وإغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية والوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، تتفاقم المشكلات التي يعاني منها سكان قطاع غزة الذين تآلب عليهم المجتمع الدولي بما فيه الدول العربية والإسلامية، لتحويل حياتهم إلى جحيم من أجل تهجيرهم خارج أرضهم وتصفية القضية الفلسطينية لصالح الصهاينة أرذل خلق الله في الأرض . المؤسسات الدولية لم تعد تؤدي وظيفتها، وتوقفت عند حد الشجب والإدانة، لكنها لا تحاول وقف العدوان ولا تحاول إنقاذ المصابين ولا توفير الغذاء والدواء والمأوى للمنكوبين في القطاع .
خسائر فادحة
حول هذه الكوارث أكدت أولجا شيريفكو، المتحدثة باسم الأممالمتحدة في غزة، أن القطاع يشهد استهدافا واسعا للمنشآت في عدة مواقع، مما أسفر عن خسائر فادحة، خاصة في صفوف العاملين في المجال الإنساني، موضحة أن عام 2024 كان مميتًا بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، حيث قُتل ما لا يقل عن 408 أشخاص، من بينهم 219 من طواقم الأممالمتحدة، مع استمرار ارتفاع هذه الأرقام يومًا بعد يوم. وحذرت أولجا شيريفكو ، في تصريحات صحفية من أن الأوضاع الإنسانية في غزة تتفاقم بشكل مأساوي، مشيرة إلى أن النزوح القسري تزليد بوتيرة متسارعة، حيث اضطر أكثر من 280 ألف شخص إلى مغادرة منازلهم خلال الأسبوعين الأخيرين فقط. وشددت على أن قطاع غزة أصبح واحدًا من أخطر الأماكن في العالم بالنسبة للوضع الإنساني والعاملين في المجال الإغاثي، مؤكدةً أن الأممالمتحدة تواصل العمل في بيئة خطرة دون أي ضمانات أمنية . وقالت أولجا شيريفكو : "لقد عبرنا عن مخاوفنا وطالبنا بضمانات أمنية، لكننا لم نتلقَ أي استجابة حتى الآن، وما زالت الهجمات الصهيونية مستمرة، بل وازدادت حدتها منذ 12 مارس الماضي" . وأشارت إلى أن التصعيد العسكري الصهيوني تزامن مع إغلاق المعابر من الجانب الإسرائيلي، مما فاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، مؤكدة أن الوضع يزداد تعقيدًا كل يوم في ظل انعدام أي حلول أو استجابات دولية فعالة.
مواقف موحدة
وقال الدكتور محمد أبو الرُب، مدير مركز الاتصال الحكومي الفلسطيني: إن "التصعيد العسكري الصهيوني في قطاع غزة يكشف عجز المجتمع الدولي عن مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، ويعكس فشلاً في وقف حرب الابادة الصهيونية ضد الفلسطينيين". وأكد أبو الرُب في تصريحات صحفية أن ما يحدث في غزة من استهداف للمدنيين، والأطفال، ومراكز الإيواء، يشكل جريمة ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي يتجاهل هذه الانتهاكات، بل يمارس ضغوطًا على الدول العربية مثل مصر والأردن، للقبول بتهجير الفلسطينيين بدلاً من الضغط على الاحتلال لوقف عدوانه. وأضاف أبو الرُب أن دولة الاحتلال تتفاوض بالدم، مطالبا بضرورة أن تكون حماس والقوى الفلسطينية أكثر جرأة في اتخاذ مواقف وطنية موحدة، والعمل على تعزيز المصالحة الفلسطينية وتوحيد المؤسسات الفلسطينية لمواجهة التحديات. وشدد على ضرورة سحب الذرائع التي يتذرع بها الاحتلال الصهيونى، مثل وجود أسرى في غزة، والتي يستخدمها لتبرير المزيد من العدوان والتدمير. واعتبر أبو الرب أن المفاوضات في ظل هذه الظروف غير مجدية، لأنها لا تمنع الاحتلال الصهيوني من العودة لنقض الاتفاقات السابقة.
واقع أمني جديد
وقال الدكتور أحمد رفيق عوض، رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية: إن "العملية العسكرية الصهيونية الموسعة في قطاع غزة تحمل أهدافًا جديدة تتغير مع كل مرحلة من الحرب، موضحًا أن الاحتلال يسعى إلى إعادة احتلال غزة جزئيًا أو كليًا، وتعميق المناطق العازلة، بالإضافة إلى فصل مدينة رفح الفلسطينية عن باقي القطاع في محاولة لتهيئتها لما يسمى التهجير الطوعي". وأضاف، عوض في تصريحات صحفية أن هذه الحرب تختلف عن سابقاتها من حيث الأهداف والأدوات؛ حيث تشمل عمليات قتل مستمرة، وتنكيل وحشي، وتهجير قسري، إلى جانب تدمير البنية العسكرية والسياسية لحركة حماس، وهو ما يجعلها حربًا تهدف إلى فرض واقع أمني جديد بدلاً من البحث عن تسوية سياسية. وأكد أن ضم لواء "جولاني" إلى الفرق العسكرية الصهيونية المشاركة في العمليات داخل غزة يعكس نية الاحتلال لتنفيذ عمليات برية أعمق وأكثر شراسة، مشيرًا إلى أن دخول القوات الصهيونية إلى حي الشابورة في رفح الفلسطينية يعد بداية لمرحلة جديدة من الاجتياح البري، حيث تحاول دولة الاحتلال توسيع المناطق العازلة وفرض سيطرتها على القطاع بشكل أوسع. واعتبر عوض أن دولة الاحتلال تعود إلى الحرب مجددا كوسيلة للهروب من أزماتها الداخلية، مشيرًا إلى أن الاحتلال لم ينجح في تحرير المحتجزين إلا عبر التفاوض، لكنه يواصل القتال لاستثمار الأوضاع الإقليمية والدولية لتحقيق أهدافه الإستراتيجية . وأضح عوض أن من بين هذه الأهداف فصل قطاع غزة عن الضفة الغربيةوالقدس، مما يقضي فعليًا على أي فرصة لحل الدولتين ،نحذر من تداعيات السيطرة الأمنية الكاملة على غزة وإضعاف حركة حماس، وفرض تسوية سياسية تخدم إسرائيل على الفلسطينيين وعلى الإقليم بأسره. وأشار إلى أن إسرائيل تشعر بأنها تحظى بدعم أمريكي قوي، في ظل إدارة لا تعارض سياساتها المتطرفة، كما أن ضعف الموقف الإقليمي والانقسام الفلسطيني يمنحها فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها بأقل تكلفة.
أزمة صحية
وقال زاهر الوحيدي مدير وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة الفلسطينية: إنّ "قطاع غزة يواجه أزمة صحية كبيرة في ظل العدوان الصهيوني المستمر، موضحًا، أن الوضع الصحي في غزة وصل إلى مرحلة الانهيار التام بسبب العدوان المتصاعد". وأضاف الوحيدي، في تصريحات صحفية، أنّ أكثر من 1300 شهيد سقطوا منذ بداية شهر مارس الماضي، غالبيتهم من النساء والأطفال، حيث تشكل نسبة الأطفال أكثر من 70% من الشهداء، وارتفع عدد المصابين إلى مئات الإصابات التي تتطلب علاجًا طويل الأمد، مع إصابات شديدة تشمل الحروق والكسور في الأطراف. وأشار إلى أن المستشفيات في غزة تعاني من ضغط شديد، حيث تتجاوز نسبة إشغال الأسرة في مستشفيات وزارة الصحة 120% من قدرتها الاستيعابية. وكشف الوحيدي عن أزمة كبيرة في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب إغلاق المعابر، مؤكداً أن منظومة الصحة في غزة باتت مهددة بالانهيار التام في ظل نقص حاد في الوقود والأدوية . واوضح أن هناك أكثر من 13,000 مريض وجريح في انتظار السفر للعلاج في الخارج، وأن وزارة الصحة بحاجة ماسة للمساعدة الدولية لتوفير الأدوية والمواد الطبية الضرورية. وأشار الوحيدي إلى أن معظم الإصابات الناتجة عن الغارات الصهيونية شديدة، بما في ذلك إصابات الحروق من الدرجة الثانية والثالثة، بالإضافة إلى حالات شلل نصفي وإصابات في الحبل الشوكي. وتوقع أن يحتاج العديد من المصابين إلى علاج وتأهيل طويل الأمد، مشددا على أن الوضع يتطلب دعمًا عاجلًا من المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي لتخفيف العبء عن القطاع الصحي في غزة. ودعا الوحيدي إلى ضرورة فتح المعابر بشكل عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية، مطالبًا العالم بتوفير الدعم اللازم لتلبية احتياجات المواطنين الفلسطينيين في ظل الظروف الصحية الكارثية التي يعاني منها القطاع.