"محلية النواب" تتفقد مشروعات حياة كريمة ببرج العرب بالإسكندرية    تطوير منطقة العمرى بسوهاج ضمن خطة مشروعات برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    نتنياهو: سنواصل التعاون مع ترامب لهزيمة أعدائنا المشتركين    مجلس صيانة الدستور الإيرانى يقر قانون تعليق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    سهرة كروية مثيرة في كأس العالم للأندية.. يوفنتوس ضد مانشستر سيتي لحسم الصدارة.. مواجهة شرفية بين الوداد والعين.. الهلال يبحث عن إنجاز تاريخي أمام باتشوكا.. وريال مدريد يواجه شبح الإقصاء من المونديال ضد سالزبورج    مجلس اليد يحفز منتخب الشباب ويضاعف مكافأة الفوز علي البرتغال في المونديال    ضبط شخص أشهر مفكا فى وجه سائق بسبب الخلاف على الأجرة.. فيديو    الطقس غدا.. ارتفاع بدرجات الحرارة والرطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة    وزير الثقافة يعتمد أجندة فعاليات الاحتفاء بذكرى ثورة 30 يونيو    رئيس اللجنة المنظمة لمؤتمر "التخدير والرعاية المركزة" بجامعة عين شمس: قدمنا خطوة خضراء    تطبيق ذكى لتحديد أولويات التجهيزات الطبية بالمستشفيات    محافظة المنيا تحتفل باليوم العالمى للتبرع بالدم لعام 2025 السبت القادم    الأنصاري يهنئ أبناء محافظة الفيوم بحلول العام الهجري الجديد    إيهاب وهبة: 30 يونيو إرادة شعبية صنعت التاريخ وأعادت للوطن هويته    نساء الهجرة.. بطولات في الظل دعمت مشروعًا غيّر وجه التاريخ    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية    ماهر همام ل «الفجر الرياضي»: كرة القدم المصرية تدار بعشوائية.. الأهلي حقق مكاسب متعددة من المونديال.. انظروا إلى قطاعات الناشئين    هل تنضم السعودية إلى الاتفاقية الابراهيمية؟| مبعوث أمريكا بالشرق الأوسط يؤكد مواصلة بلاده في ضم دول جديدة للاتفاق.. وتصريحات إسرائيلية عن مباحثات جارية مع سوريا ولبنان.    «الرعاية الصحية» تقود التعاون الأفريقي من خلال شراكات استراتيجية وتبادل الخبرات    الكشف على 2888 حالة وتحويل مئات المرضى ضمن قوافل طبية بقرى دشنا وقوص    وزارة الاتصالات تشارك في المنتدى العالمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي التابع لليونسكو في بانكوك    تكريم خالد لعبد الرحيم أمين.. فنان زينت أنامله كسوة الكعبة الشريفة    الجمهور المصري أنفق 78.3 مليون جنيه لمشاهدة أحدث أفلام تامر حسني    رئيس هيئة الدواء يعقد اجتماعًا مع وزير الصحة التونسي ضمن فعاليات «المعرض الطبي الإفريقي»    محافظ أسوان يشهد الاحتفال بالعام الهجري الجديد بمسجد النصر    مبدأ قضائي: مجالس التأديب بالمحاكم هي المختصة بمحاكمة الكُتاب والمحضرين وأمناء السر    وزير الري يتابع إجراءات رقمنة أعمال قطاع المياه الجوفية وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص    كييف تعلن إسقاط 24 من أصل 41 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    أولياء الأمور فى الجيزة ينتظرون أبناءهم أمام لجان الثانوية العامة بالورود.. صور    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    جوارديولا يكشف تفاصيل إصابة لاعب مانشستر سيتي قبل مواجهة يوفنتوس في مونديال الأندية    العرافة العمياء تتوقع حدوث مجاعة وحرب نووية في أوروبا    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    انتصار السيسي تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد    عصمت يبحث إنشاء مصنع لبطاريات تخزين الطاقة والأنظمة الكهربائية في مصر    جرائم الاحتلال تعود بعد توقف ضربات إيران: اعتقال 20 فلسطينيا من قرية العروج ببيت لحم    اليوم، أولى جلسات محاكمة 19 متهما بالانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي وتمويله    وفاة أحد مصابي حريق مطعم المحلة الشهير في الغربية    رئيسة حكومة إيطاليا تحتفل ب"وحدة الناتو" وتسخر من إسبانيا    مجلس الوزراء: تراجع واردات السكر الخام 54.5% خلال الربع الأول من 2025    «مستقبل وطن»: ندعم خطط الدولة ونولى ملف الاستثمار أولوية كبيرة    وزارة العمل تسلم عقود جديدة لعدد من ذوي الهمم بالقاهرة    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    الجوزاء يفتعل الجدل للتسلية.. 4 أبراج تُحب إثارة المشاكل    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    رسميًا.. موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة 2025 بعد قرار السيسي    سحب 897 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    ضربها في الشارع.. مها الصغير تحرر محضرا ضد السقا    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    تشديدات أمنية مكثفة بلجان الدقي لمنع الغش وتأمين سير امتحاني الفيزياء والتاريخ للثانوية العامة    مشروعات تخرج قسم الصحافة بجامعة المنوفية: إبداع طلابي يواكب تحديات الإعلام الرقمي    عشائر غزة تؤمن مساعدات وصلت لبرنامج الأغذية العالمي خشية نهبها    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زوجة البلتاجي ل"الحرية والعدالة": نرفض انتخابات "رئاسة الدم" ولن نعترف بنتيجتها

تظل الشرعية وعودة الرئيس مرسي من ثوابتنا التي لن نتنازل عنها أبداً
"نساء مصر" تقول للسفاح لن يكون قاتل مثلك رئيسا لبلادنا مهما حدث
يجب على كافة القوي الوطنية التي لم تلوث يدها بالدماء التوحد ضد الانقلاب
لن نقبل أبدا التنازل عن دماء الشهداء .. والقصاص قضية لا تفاوص فيها

فجر عاطف صحصاح
تظل رابطة الجأش متماسكة صلبة كعادتها، لا يفاجئك بالحديث معها قوة الصبر فقط، وإنما تجد نفسك مشدوها أمام قلب أم ثكلي يطلب من الوطن الالتحام والإلف والود من جديد، تطالبنا بإعادة روح 25 من يناير، ووضع يدنا من جديد في يد كل القوى والتيارات طالما لم تنغمس أياديها في الدماء، وهي رمز حقيقي للوطنية الأصيلة ولعمق الفهم والتجلي القيمي للعقل الجمعي الوطني..
إنها سناء عبد الجواد زوجة الدكتور محمد البلتاجي- القيادي بحزب الحرية والعدالة والتحالف الوطني لدعم الشرعية – والتي قالت في حديثها الخاص ل"الحرية والعدالة" إن المصريين أثبتوا أنهم مقاطعون ل"رئاسة الدم"، وأن وعيهم لا يزال من الممكن المراهنة عليه والاستفادة منه.
وطوفت بنا على الذكريات الممتدة ما بين التحرير ورابعة ملقية بالضوء على تفاصيل حياة الشهيدة بإذن الله "أسماء البلتاجي"، ومعاناة كل من الدكتور البلتاجي وابنه أنس خلف قضبان معتقلات الانقلاب.... وإلى تفاصيل الحوار
بداية ما تعليقك علي مقاطعة المصريين لمسرحية الانتخابات الرئاسية الهزلية؟
أثبت المصريون بطريقة عملية أنهم لن يشاركوا في "رئاسة الدم"؛ وفي نظري يمكن تقسيم المقاطعين للانتخابات؛ بأن نسبة كبيرة منهم من مؤيدي الشرعية بالفعل، ونسبة أخرى قاطعت لأنها لا تريد تلويث يدها في دماء الشهداء والمعذبين وأنات الثكالى المحيطين بهم من كل جانب، كذلك فنسبة أخرى قاطعت لأنها مصابة بإحباط شديد؛ فبعد أن كانت ترى الأمور بعد ثورة يناير تسير في صالح الوطن، وبعد أن كان للمواطن دور ووضع معتبر؛ صار الآن المواطن بلا قيمة، وصوته لا معنى له؛ خاصة لو حدّث هؤلاء أنفسهم بأنهم شاركوا من قبل في خمسة استحقاقات انتخابية؛ ثم تم العصف بها جميعا وكأن لم تكن؛ فما المعنى من مشاركة جديدة، أو على الأقل ما الذي تحسن في أحوالهم المعيشية والحياتية، ولذا فالكثير من المواطنين المصريين قاطعوا بإحساس "خيبة الأمل".
نعود ثانية لنتعرف عن قرب بزوجة البطل الدكتور محمد البلتاجي؟
سناء عبد الجواد، ويحلو لي هنا أن أعرف نفسي بأم الشهيدة أسماء البلتاجي؛ وزوجة البطل الدكتور البلتاجي، وأم المعتقل أنس البلتاجي، والمطارد والمعتقل السابق أيضا عمار البلتاجي، ورغم أني لا أعمل بشكل وظيفي مباشر؛ إلا أني كالكثيرات من النساء المصريات أشارك دائما في همّ الوطن العام؛ خاصة أننا في أسرة تعيش هذا الهم طوال وقتها؛ فقد أخذنا على عاتقنا أن نتحمل مع الدكتور البلتاجي الشدائد والصعاب الكثيرة التي نتجت عن الانشغال بالأمور العامة؛ فالأمر لم يكن وليد الانقلاب أو حتى ثورة يناير، بل كنا من قبل ذلك بكثير ونحن نتحرك كأسرة في أي حدث أو قضية وطنية؛ وعن الأنشطة الخاصة التي كنت أقوم بها فأهمها كان العمل الدعوي في المسجد، والمشاركة في أنشطة البر المختلفة كالتكافل الاجتماعي وغيره؛ كذلك كنت على صلة بمكتب الدكتور البلتاجي الذي كان يقدم من خلاله الخدمات للمواطنين كعضو مجلس شعب عن إحدى دوائر شبرا الخيمة في برلمان 2005، ولذا كان يحلو لي المساعدة هناك في أي من أنشطة المكتب.
وماذا كان دورك في ثورة يناير؟
نحن كأسرة كنا من أوائل الناس المشاركة هناك؛ وأتذكر أننا في يوم 25 يناير بالتحديد؛ ورغم أنه لم يكن من الواضح أنه بداية ثورة، وإنما كان يوما احتجاجيا؛ إلا أني تمسكت يومها بالمشاركة والنزول؛ وبالفعل فقد كانت المشاركة قرار أسرتنا جميعها؛ وشاركنا الثوار هناك منذ اليوم الأول، ورأينا بطش الداخلية في هذا اليوم والذي كان من تداعياته انفجار الثورة في الأيام التالية. وقد ظلّ تواجدنا كأسرة في الميدان طيلة الثمانية عشر يوما. وكذلك وبعد 11 فبراير كنا نود –كأسرة- أن نظل في الميدان؛ فلم يكن رأينا أن شيئا من المطالب قد تحقق سوى خلع رأس النظام؛ وهذا غير كاف لانتصار الثورة.
ومن أهم ما احتفظت به ذاكرتي عن تلك الأيام؛ أني كنت والشهيدة -بإذن الله- أسماء ابنتي نمر لنستمع لكل الأحاديث والمناقشات، ولنري فعاليات كل المنصات، وبالطبع فقد كان اللافت للنظر هو تلك الحالة من التوافق وتوحد الرؤى والاصطفاف خلف مبادئ وأهداف وطنية واحدة. ومن جانبها "أسماء" كانت بالطبع أكثر مني نشاطا كعادتها؛ فأحيانا كانت تشارك في لجان التفتيش للسيدات في الميدان، وأحيانا أخرى كانت تمارس عادتها في حضور الندوات والملتقيات الثقافية التي كانت تهوى الاستماع والمشاركة فيها.
البلتاجي.. بطولات متعددة
وبالنسبة للدكتور البلتاجي؛ فبعد أن صار الآن رمزا في القوة والثبات؛ هل كانت حياته قبل الانقلاب بها أيضا تلك القوة ومواقف البطولة؟
الحقيقة أن حياة الدكتور البلتاجي تموج بالمواقف والبطولات؛ فمنذ أن كان بالجامعة - طب الأزهر- وقد اختاره الطلاب رئيسا لاتحاد جامعة الأزهر في الثمانينيات، ومن مواقفهم حينها كان الخروج بتظاهرات إبان حادثة "سلمان خاطر" - المجند الذي قتل صهاينة متسللين على الحدود فحوكم وعوقب ثم وجد مقتولا في محبسه- خرجوا حينها للمطالبة بحقه، والتنديد بما حدث له، وبشكل خاص تعرض البلتاجي للتهديد بالفصل من الجامعة؛ لكنه بالطبع لم يكن لتثنيه أية تهديدات عما يقتنع به؛ وذلك في حياته كلها؛ وبعد ذلك فقد زاد انخراطه في الشأن العام منذ فوزه في مجلس الشعب عام 2005، وحينها أخذ على عاتقه أن يحارب الفساد في كافة صوره وأشكاله.
ومن أهم الأهم المواقف المسجلة له في هذا الإطار؛ مهاجمته الشديدة ل"فتحي سرور" حين تم إقرار مد العمل بقانون الطوارئ؛ حتى إنه أصيب من انفعاله يومها بهبوط حاد في الدورة الدموية؛ ودخل في إغماءة طويلة وتم نقله إلى المستشفى يومها، كذلك كانت قضية الفقراء من أكثر ما يشغل باله، وكان دائم اللوم على من حوله من الساسة أو أعضاء المجلس الذين لا يعرفون حقيقة معاناة الفقر والفقراء في مصر، ويلوم عليهم حياتهم في عالم آخر بعيد عن هموم الناس. وقد ظهر تبنيه لتك القضية بشدة إبان مناقشات إلغاء الدعم التي كانت دائرة بالمجلس وقتها.
كما احتلت قضية فلسطين خاصة بعد حصار غزة مساحة كبيرة من اهتمامه؛ وحاول أكثر من مرة المشاركة في وفود نقابة الأطباء أو لجنة الإغاثة لكسر هذا الحصار الغاشم، وفي أكثر من مرة شاركت أنا معه ومعي "أسماء"، ولم نكن في تلك المحاولات نستطيع الدخول إلى غزة بل كانوا يعيدوننا من طريق الإسماعيلية أو من العريش، ومن بين محاولات كسر هذا الحصار كانت مشاركته في أسطول الحرية الشهير وسفينة "مرمرة" 2010 والتي تعرضت للاعتداء من قبل الكيان الصهيوني، واحتجز الصهاينة وقتها الدكتور البلتاجي والدكتور حازم فاروق ضمن المحتجزين رغم أنهما عضوا مجلس شعب، وحينما استشعرت السلطات المصرية الحرج الشديد أرسلت القنصل المصري لاستعادته، ويعبر الدكتور البلتاجي عن تلك الواقعة بأنه تم اختطافه مرتين، الأولى من الصهاينة، والثانية من القنصل المصري والذي أعاده لبلاده بطريقة مهينة لا تليق أبدا، ودون أي تصعيد أو مساءلة دبلوماسية أو قانونية لهذا الكيان عن تلك الجريمة التي كان يجب تصعيدها دوليا. كذلك أعادته السلطات المصرية دون أن يؤدي الدور الذي كان ذاهبا لأجله في غزة.
ومن جهة أخرى فرغم أن الدكتور البلتاجي من جماعة الإخوان المسلمين ومنتمٍ لها؛ إلا أنه لم تكن من عادته أن يعمل في إطار الجماعة فقط، بل كان يسعى للانخراط داخل كافة القوى والتيارات الوطنية طالما كان همها مصلحة الوطن، وبالفعل فقد كان دائما مبادرا في هذا الاتجاه، وكان يحث التيارات والشخصيات والرموز كافة على التشارك والتآلف من أجل تحقيق أهداف الوطن.
وماذا عن دوره في ثورة يناير؟
أما في ثورة يناير ولأنه كان من الشخصيات البارزة الفذة بالميدان والتي لم تغادره منذ اليوم الأول مطلقا، فقد تعرض بشكل شخصي للكثير من التهديدات بالقتل أو الخطف وذلك إما بالهاتف، أو بالوساطة عبر بعض الشخصيات الموالية لنظام المخلوع مبارك. وأتذكر أنه في يوم 27 يناير بالتحديد تم اقتحام بيتنا من قبل أمن الدولة وسرقوا وحطموا الكثير من الأشياء، وزعموا بأنهم يبحثون عن الدكتور البلتاجي؛ رغم علمهم يقينا أنه موجود بالتحرير، كذلك اقتحموا شقة لنا أيضا بشبرا وحطموا أبوابها جميعا، وكذلك حطموا الكثير من المحتويات، وسرقوا البعض الآخر. والحقيقة أنه وحتى بعد ال18 يوم تحرير، كان الدكتور مُصرّا على البقاء في الميدان؛ إلا أنه في النهاية انصرف مثلما اتفقت كافة القوى والتيارات.
صفي لنا تفاصيل المشاركة في "محمد محمود"2011 بالذات؟
الحقيقة أني وابنتي "أسماء" كنا في هذا اليوم هناك بين المتظاهرين، فقد كان الدكتور البلتاجي يعطي لنا مساحة من الحرية في الحركة والمشاركة؛ ثم علمنا ونحن هناك، أنه وصل إلى الميدان محاولا إيقاف نزيف الدم الذي لم يكن معلوم مصدره بالضبط، فقد كان الضرب كلما توقف، دبت جهة أخرى تشعله مرة ثانية، فيثور كلا من الداخلية والمتظاهرين؛ ويتبادلون الاتهامات، ولم يكن أحد وقتها يعلم من هو هذا الطرف الثالث، الذي يبدو لي الآن أنهم من كانوا يدبرون لهذا الانقلاب من يومها.
بين رابعة والتحرير
ما الفرق بين الحياة في "رابعة" والحياة في "التحرير" وقد شاركتِ في كلا الاعتصامين؟
كان التحرير ميدانا تجلت فيه كافة الأطراف ووجدت من يعبر عنها، وكنت دائما أرى هناك أن الشعب المصري لو خرج من التحرير بتلك الروح المتآلفة المتعاونة المتحابة، لكفاه. ولكن في "رابعة" فقد تصدر المشهد وتحمل فيه التضحية والبطولة؛ القوى الإسلامية بشكل كان هو الغالب على الميدان، وكان يبدو لي حينها أن الكثير من القوى والتيارات قد تخلت عن ثورتها التي ناضلت من أجلها في 25 يناير، وتركوا الإسلاميين في مرمي النيران وحدهم، وكثيرا ونحن في "رابعة" كنت أطلب من الدكتور البلتاجي أن يمارس ما يؤمن به من تجميع القوى كافة وتحميلهم مسئوليتهم أمام وطنهم ومستقبلهم، وكان يؤكد لي أنه بالفعل يقوم بالعديد من الاتصالات، ولكن الكثير منها للأسف كان دون جدوى؛ والحقيقة أن عدم مشاركة الكثيرين من تلك الشخصيات والقوى لم تكن لعدم إيمانهم بأن ما حدث انقلاب؛ فالصورة بعد فترة قصيرة كانت قد اتضحت في أذهانهم، ولكنهم كانوا يخشون من المواجهة أو تصدر مشهد مقاومة الانقلاب. فاختار البعض عدم التضحية بأي شيء، واختار الآخر الانتظار حتى معرفة لمن ستكون الغلبة.
والحقيقة أني هنا أريد التركيز على أني لا أخوّن أي أحد، ولكني في"رابعة" كنت آمل أن تكون كافة القوى متكاتفة من أجل استكمال ثورتها؛ فالانقلاب لم يعادِ الإسلاميين وحدهم بل عادى إرادة الشعب وحريته في الأساس. وعزاؤنا الآن أن الكثير من القوى بدأت الآن في التنبه والالتفاف والوحدة من جديد؛ خاصة بعد أن لمس الجميع مرارات الانقلاب وذاقوا منها، ولعل في ذلك حكمة ربانية من تأخير إسقاط الانقلاب؛ وذلك حتى تزول حالة الانقسام المجتمعي الخطيرة التي صنعها الانقلاب وأججها في النفوس.
بالنسبة لكم كأسرة؛ كيف كنتم تمضون وقت الاعتصام في "رابعة"؟
- الحقيقة أننا كأسرة لم نكن نلتقي في الميدان إلا نادرا؛ ف"أنس وعمار"، كانا في صحبة أبيهم، وأسماء كانت معي باستمرار، فكنا نتجول طيلة الوقت معا بالميدان نسعد بالمناقشة مع الجميع، والاستماع إلى كافة الآراء والشخصيات، نجلس بالقرب من المنصة فنتشارك معهم في الأجواء التعبدية والإيمانية، وكانت عندما تفارقني أسماء للذهاب إلى بعض الصديقات بالقرب من الميدان أو المشاركة في أي من الأنشطة والخيام الثقافية والندوات، كنت أحدد لها وقتا محددا لتلتزم به، من شدة خوفي وقلقي عليها؛ وكانت تأتي في موعدها ركضا باديا عليها آثار ذلك حتى لا تقلقني عليها. أما بقية الأبناء فلم أكن أراهم ولا أبيهم إلا خمس أو عشر دقائق فقط في اليوم لأطمئن عليهم، وأحيانا كنا نتناول الإفطار معهم في رمضان حتى نلتقي كأسرة؛ أما بخلاف ذلك فقد كان الدكتور البلتاجي دائم الانشغال والعمل.
الزهرة الراحلة..أسماء
أقسو عليك قليلا وأطلب الحديث عن الشهيدة -بإذن الله- "أسماء 17 عاما" قليلا؛ فالظاهر لنا أننا أمام شخصية على صغر سنها كانت تتمتع بالعقل والحكمة بجانب البراءة والخلق الحميد، فكيف ربيت تلك الجوهرة؟
- الحقيقة أني عندما أتابع بنفسي ذكرى ابنتي؛ أجد أن الله تعالى هو من تكفل لنا بتربيتها وصناعتها على عينه سبحانه؛ فقد كانت حتى الصف السادس الابتدائي مثلها مثل أي طفل كل همها التفوق الدراسي؛ وكان طموحها في ذلك هو الحصول على المركز الأول على مستوى الجمهورية، وعندما جاء ترتيبها التاسع، شعرت بغصة وألم وحزن شديد، حتى إنها كانت تصر أن نذهب لإعادة تصحيح أوراق إجابتها لشعورها بالظلم؛ وكانت الناس تأتي إلينا وقتها لتعزيتنا في هذا الحزن الشديد الذي تعيشه أسماء لعدم حصولها على المركز الأول. وبعد أن التحقت بالمرحلة الإعدادية ورغم تفوقها أيضا وحصولها على مراكز متقدمة؛ إلا أن الدراسة بشكل عام لم تكن هي المحور الوحيد لتفكيرها وطموحها؛ فقد ظهرت لديها الاهتمامات العامة، وحُبب إليها حضور الندوات والمؤتمرات الفكرية والثقافية، بل والقراءة في كافة الفروع والمجالات، بل إنها وفي هذا السن الصغير كانت تذهب إلى الجامعات وتناقش الأساتذة للتعرف على طبيعة التخصصات المختلفة، حتى تحدد بدقة أي فروع العلم من الممكن لها في المستقبل أن تتخصص فيه.كذلك فقد أتمت حفظ القرآن الكريم كاملا دون أي تعب أو مشقة أو حتى متابعة من قبلنا كثيفة أو إلحاح؛ بل هي التي كانت تبحث عن مكان مناسب لتراجع وتختم على يدي متخصصين فيه -لأنها كانت تحفظ من الأساس بحكم دراستها الأزهرية- حتى أتت علينا في يوم وقالت إنها أتمت حفظ القرآن الكريم؛ ثم طلبت أن تكون هديتها عمرة لبيت الله الحرام؛ في حين أن ظروف البيت وسنها الصغير حينها لم يسمحا بتلبية هذا الطلب. والشاهد أنها لم تكن متعلقة بأي من أمور الدنيا الفانية، ولا بأي مما قد يشغل بال من في مثل عمرها من الفتيات؛ فقد كان لأسماء عقل أكبر من سنا بكثير، حتى أني وبعد أن كنت أتابع الكثير مما كانت تكتبه سواء في دفاترها الخاصة أو عبر صفحتها على فيس بوك؛ كنت أريى أني أحتاج إلى قراءته أكثر من مرة حتى أفهم تلك المعاني العميقة التي يتمتع بها فهم ابنتي؛ كذلك من نشاطاتها كانت تتعلم الخط العربي لتجيده؛ فقد كان خطها جميلا من الأساس فأرادت استثمار ذلك بمزيد من الدراسة والتدريب؛ ولما سألناها عن ذلك؛ قالت إن المنطقة التي نسكن فيها بها الكثير من غير العرب، ولذا فقد كانت تخطط لفتح مدرسة لهم لتعليمهم القرآن الكريم والخط العربي. وأمام كل هذا النشاط والتفكير كنت أعاني كأم أن أقنع ابنتي أن تعيش مثل صويحباتها، فلم تكن مثلا تضيع وقتها في شراء ملابس أو الذهاب إلى التسوق، وكنت أنا أقوم عنها بتلك المهمة ودون أن تعلم، كذلك كنت أبذل جهدا كبيرا في اقناعها بالخروج مع صديقاتها خاصة بعد نهاية الامتحانات، والمعروف أن الأصدقاء يجدن في ذلك فرصة للتنزه معا، إلا أنها كانت دائما ترفض، وأظل مع صديقاتها نلح عليها لتفعل؛ فقد كانت تعرف وتقدر قيمة الوقت وترفض إضاعته في أي شيء غير ذي بال؛ حتى إنها عندما كانت تراني أنفق وقتا أطول في متابعة الأخبار أو البرامج التحليلية، كانت تلومني وتنصحني بالذهاب لعمل أي شيء آخر أكثر إيجابية من مجرد المتابعة.
كذلك كانت أسماء في مرتبة صديقتي على حداثة سنها، بل كانت تشاركني إذا تعلق أمر ما بأخويها، وتعرض على المساعدة والنصيحة، أيضا قالت لي الأخصائية الاجتماعية في مدرستها: إنها لا تستطيع أن تعمل منذ رحيل "أسماء" فقد كانت صديقة لها على الرغم من فارق السن، وتلك كانت عادتها أن تجد الألفة والصداقة مع من هم أكبر منها سنا؛ تقول الأخصائية إن أسماء كانت تجلس معها لتشاركها في حل مشكلات الطالبات زميلاتها؛ لما لها من عقل راجح وسعة صدر. وأيضا فلم تكن أسماء على اهتمام ثقافي واجتماعي فقط؛ بل كانت لها رؤاها السياسية، وكثيرا ما كانت تنتظر والدها حتى يعود ليلا لتناقشه وتعرض عليه وجهات نظرها، وكثيرا ما كان يلمس فيها الرأي الصائب والسديد؛ ولذا فقد عبّر هو عن ذلك في رثائه لها وقال إنها كانت له بمثابة المعلمة والأستاذة.
الحقيقة أني أشعر أن البلاد قد حُرمت من "أسماء" فقد كانت صاحبة حلم ورؤية، كان لديها مشروعات وأفكار سياسية وإصلاحية، كانت بحق نموذجا فريدا ومثالا نادرا.
لأكن أشد قسوة؛ فما هي تفاصيل لحظة الاستشهاد؟
كانت لحظة أراد الله لي بها تربية معينة؛ فبعد أن بدأ العدوان والضرب على الميدان، كان قلب الأم بداخلي قلقا على الأولاد لأنهم لم يكونوا معي وكانوا كعادتهم مع أبيهم، في حين أني لم أكن بمثل هذا القلق على أسماء لأنها كانت بصحبتي، فكأن الله تعالى أراد أن يريني أن المعية والحفظ هي من عند الله وحده وليس من البشر. أيضا بعد أن بدأت المذبحة كنت أشفق على ابنتي الصغيرة أن ترى عيناها مشاهد الدماء والتشويه والإصابات غير العادية، ظننت أنها لرقتها لن تستطيع تحمل مثل تلك المشاهد الغاية في القسوة، حتى إني كنت أحيانا أغلق عينيها كي لا ترى؛ فقد انتقلنا بسرعة خاطفة من حياة الإيمان والعبادة والتأمل والذكر والتسبيح إلى حياة أخرى يُعتدى فيها علينا دون أي رحمة أو عطف أو حتى شفقة مما يصح وجودها في قلوب البشر.

فجأة وجدت أسماء وكأن قلبها كان يشعر، فقد طلبت أن تتوضأ؛ ثم قبلتني وانطلقت ناحية المستشفى الميداني لتساعد هناك في أي شيء، وبعد قليل علمت بإصابتها، وهرعت إليها وقد كان ظني أن إصابتها بسيطة؛ خاصة أني كنت بجانبها أرى جثامين مشوهة، ونماذج لإصابات غير عادية، فكنت أحمد الله تعالى على ما فيه ابنتي، ورغم شدة الألم والنزيف الحاد الذي عرفت بعد ذلك أنه ناتج عن إصابة بالرصاص الحي أحدثت تهتكا في الرئة؛ ومع شدة ألمها كانت تحمّلني أنا على الصبر وتطمئني عليها؛ ثم تتجه لتتمتم بكلمات تسبيح وذكر بينها وبين الله تعالى؛ وبعد أن دخلت العمليات، تركت مكاني لغيري من شدة الزحام ما بين جثامين وإصابات، وبعد قليل جاءني نبأ ارتقائها شهيدة بإذن الله. وقد عوضني الله تعالى عن ذلك بأن صارت ابنتي مضرب المثل ومحل احتذاء وقدوة من الأحرار والثوار في العالم أجمع، حتى إن كثيرين قد انطلقوا لتسمية بناتهم حديثي الولادة "أسماء" ويطلبن من الله تعالى أن يكنّ مثل ابنتي في الصفات والخلق والعقل.
خلف القضبان
لننتقل إلى معاناة أخرى، وهي اعتقال الدكتور البلتاجي وما هو فيه من ظلم شديد خلف القضبان؟
تم اعتقال الدكتور البلتاجي يوم 29 أغسطس الماضي، وتعرض منذ البداية للتعذيب البدني وللإهانة اللفظية؛ تمت تحديد إقامته في حبس انفرادي في مكان لا يليق ببشر، وكما يوصف بأنه "عنبر الموت أو زنزانة الإعدام" بسجن "ليمان طره"؛ لأنه مكان يأتون فيه بالمساجين لتعذيبهم في الغرف المجاورة، ويظل أنينهم في أذنه يسمعه طوال الليل. وقد ظل هناك 60 يوما. وبعد أن بدأت المحاكمات الهزلية تم نقله إلى سجن العقرب.
وبعد فترة من هذا الاعتقال المهين، بدأوا في تلفيق القضايا والاتهامات، حتى وصلت عدد القضايا الملفقة المتهم فيها إلى 31 قضية، فكلما أرادوا ابتكار مسمى جديد لقضية وضعوا فيها أول من يضعوا اسم الدكتور البلتاجي، حتى إنه متهم في قضايا تمت في أماكن لا يعرفها ولم يذهب إليها من الأساس، كذلك هو متهم في قضية أحداث الاتحادية رغم أنه كان في هذا اليوم في إحدى جولات مناقشة الدستور والذي كان عضوا في لجنة وضعه، وكان تلك الليلة في الفيوم في إحدى المؤتمرات التشاورية وكان يجلس على المنصة في لقاء عام كبير؛ ورغم ذلك فقد ادعى أحد شهود الزور في القضية وهو مدير أمن القاهرة أنه رأى الدكتور البلتاجي أمام الاتحادية وهو يتلقى أوامر بالهاتف من مكتب الإرشاد!! ورغم ذلك ولأن البلتاجي في إحدى جلسات المحاكمة أراد أن يثبت بالدليل أن الشهود زور وأن الادعاءات كلها كذبا صريحا، وأن النيابة إذًا لم تحاول أن تثبت الحقيقة فهي بذلك تشارك في التآمر، هنا قطعوا كلمته عند جملة "النيابة تتآمر" وجعلوا منها قضية بمفردها وهي إهانة القضاء وحكموا عليه فيها بعام حبس؛ أما أكثر القضايا إثارة للضحك هي "الجهر بالصياح في رابعة" أي أنه كان يرفع صوته في رابعة!!. وهكذا تستمر مهازل القضاء والمحاكمات للدكتور البلتاجي، وحينما طالب هو أن يُفتح تحقيق في قتل ابنته، لم يلتفت إليه أحد ولم يتم فتح هذا التحقيق إلى الآن، كذلك لم يفتحوا تحقيقا في تدمير مركزه الطبي تحت إشراف مدير أمن القليوبية يوم 30 يونيو الماضي وتحطيم أجهزته المتخصصة كاملة وإلقائها من الطابق الخامس؛ وهي الأجهزة غير الموجودة على مستوى مصر كلها؛ كذلك لم يتم فتح تحقيق في الاعتداءات التي تمت عليه والتي أخبر بها النيابة في حين أنها لم تثبتها ولم تعرها أي اهتمام، رغم أنها تستدعيه للتحقيق ما يقرب من ثلاثة أو أربعة أيام في اليوم.
وماذا كانت ظروف اضرابه عن الطعام؟
نعم بالفعل دخل في إضراب عن الطعام اعتراضا على ما يلاقيه داخل محبسه؛ وخاصة بعد أن تم وضعه في ليس فقط زنزانة انفرادية؛ بل عنبر انفرادي ليس فيه غيره؛ في غرفة غير صالحة لا يدخلها شمس وليست بها فتحة مناسبة للتهوية؛ وذلك بسجن العقرب بعيدا عن كل الناس، لا يسمع صوته أحد، ولا هو يرى أي بشر، عنبر مليء بالحيوانات الضالة ما بين القطط والكلاب، وغير مكتمل الإعداد أو البناء، ومع ذلك فعندما ذهبت النيابة لمعاينة هذا المكان خرجت تدعي أنه مطابق للمعايير والمواصفات!!
ولذا فقد استمر في إضراب كامل عن الطعام مدة 26 يوما تقريبا لا يأخذ سوى شربة ماء، ولكن بعد فترة وبعد أن بدأت صحته في التدهور؛ جاءته الكثير من المناشدات لفك إضرابه، خاصة من والدته المريضة، ومن الكثير من أحرار وشرفاء وثوار مصر، الذين أقسموا عليه أن يحافظ على صحته ليعود لهم بطلا بإذن الله، وهنا عدّل من إضرابه وجعله جزئيا فقط وهو مستمر فيه إلى الآن.
وماذا عن التعنت عليكم أنتم كأسرة البلتاجي؟
أولا الزيارة الآن ممنوعة تماما تقريبا، فمنذ أن انتقل إلى العقرب والزيارة صعبة للغاية، رغم أن المحبوس احتياطيا له زيارة أسبوعيا، إلا أن الزيارة للدكتور البلتاجي تتطلب تصريحا مسبقا من النيابة، وهي من قبلها تتعنت معنا بشدة حتى إننا قد نظل ما بين أسبوعين أو ثلاثة في بعض الأوقات حتى نحصل على تصريح. أما عن الزيارة نفسها فهو يوم شاق للغاية نجلس فيه ساعات طويلة وفي طوابير منذ الصباح إلى المغرب تقريبا.

وماذا عن واقعة اعتقالك شخصيا؟
كنت في زيارة لزوجي ومعي أنس ابني في سجن العقرب، وهناك كانت أول مرة نعلم بخبر إضراب الدكتور عن الطعام، فاحتججنا وأردنا الوقوف على طبيعة ما يحدث للدكتور بالضبط داخل محبسه، خاصة أننا كنا قد مُنعنا من الزيارة السابقة كي لا نعلم بإضراب الدكتور، فقد كانوا يريدون التكتم على الأمر، ولكننا عندما علمنا أصابنا القلق الشديد على صحته ووضعه، وعندما واجهناهم بهذا؛ اعتقلوا أنس ابني وأرادوا أن يرموا بي خارج السجن، ولكني أصررت على أن أبقى إلى جوار ابني، وهنا أخذوا في إبعادي بكل قسوة إلى خارج السجن حتى أنهم أتوا بالحارسة لترمي بي خارجا، ومن شدة الضغط أوقعتني على الأرض وانخلع حجابي وتمزق، ومع ذلك نجحوا في إخراجي من السجن، وعندما وجدت نفسي في الخارج وابني بالداخل أخذت في الطرق على الأبواب، وعندما وجدوا شدة الإلحاح، أدخلوني واعتقلوني مع ابني وظللنا هناك يوما تقريبا ما بين السجن وعربة الترحيلات ووضع الكلابشات في يدينا ثم نيابة المعادي؛ بعدها خرجنا إخلاء سبيل بكفالة 10 آلاف جنيه على ذمة قضية ملفقة وهي الادعاء بأني اعتديت على حارسة السجن وتسببت لها في إصابات وكدمات رغم أني أنا من تم الاعتداء عليّ ونزع حجابي، ورغم أن الحارسة هذه كانت تقف أمامنا سلمية تماما أثناء كتابة هذا المحضر، ورغم ذلك وبعد خروجنا بأسبوع بالضبط لم نكن نعلم أنهم يبيتون لنا مكيدة؛ فقد كان أنس عند صديق له يستذكران معا، فهجموا عليه هناك واعتقلوه مع أصدقائه.
وكيف حال أنس وهو رهن الاعتقال الآن؟
أنس 21 عاما، طالب في كلية التربية جامعة عين شمس، ورغم أنه ليس لديه أي نشاط إضافي يفوق أي ثائر حر في الشارع، إلا أن جريمته الآن والتي يحاكم عليها هي أنه ابن البلتاجي، بعد اعتقاله ظل في قسم أول مدينة نصر 20 يوما، ثم انتقل إلى أبي زعبل، ورغم أن العنابر هناك مزدحمة مكدسة، إلا أنهم وفروا لأنس وحده حبسا انفراديا، في شكل مستمر من ألوان التمييز السلبي التي نعاني منها لأننا أسرة البلتاجي. بعد ذلك انتقل إلى سجن الاستقبال، ظل هناك ما يقرب من شهر، وفي إحدى المرات وحين ذهبنا لزيارته وجدناهم يدخلوننا في غرفة مغلقة ويقولون لنا إن زيارة أنس ستكون في تلك الغرفة، فتعجبنا بشدة، فلماذا لا نزور مثل الآخرين، ولماذا في تلك الغرفة الخاصة برئيس المباحث، وبالطبع فقد أثار هذا الأمر الكثير من الشكوك لدينا، وعندما رفضناه بشدة مؤكدين أننا لا نقبل أي تميز سلبا كان أو إيجابا ونريد أن يكون مثلنا مثل الآخرين؛ قال لنا المسئول إن مساعد وزير الداخلية بنفسه هو من أعطى أوامره بذلك، أي أن هذا المنصب الرفيع لا يشغل باله سوى بإعطاء أوامره حول كيفية زيارة "أنس البلتاجي"، ويومها رفضنا الزيارة على هذه الحال، وسجلنا الموقف، وبعدها بيومين فوجئنا أنه تم نقل "أنس" من هذا المكان إلى "ليمان طره" وذلك في حبس انفرادي مرة أخرى وفي العنبر نفسه الذي كان يقبع فيه والده؛ "عنبر الموت" ولا يوجد معه في العنبر كله أي في كل الزنازين المجاورة سوى ثلاثة فقط وجميعهم محكوم عليهم بالإعدام!!
نساء ضد قتل المتظاهرين
وبعد كل تلك المعاناة؛ لماذا اخترت الآن أن تكوني ضمن حركة "نساء ضد قتل المتظاهرين"؟
بداية فأنا كامرأة وكأم عانيت من قتل ابنتي واستهدافها بشكل خاص لأنها كانت في وضع التظاهر أثناء اعتصام سلمي، ولذا فأنا مثلي كالآلاف من الأمهات غيري اللاتي صرن يعانين بشكل يومي من قتل أبنائهن أو أزواجهن اللاتي تخرجن مناديات بالحرية لأوطانهن.
وبالتالي فقد كان لا بد لهؤلاء من حركة تقول للسفاح "لا"، لن يكون قاتل مثلك رئيسا لبلادنا مهما حدث. وقد رفعنا دعوى أمام القضاء الإداري نقول فيها إن هذا "السيسي" ما هو إلا قاتل مجرم يضر بمصالح البلاد، ولا يجوز له الترشح لأي منصب رسمي في الدولة. ورغم أن تلك الدعوى مرفوعة منذ أكثر من شهر إلا أنه لم يتم تحريكها؛ فمما يبدو أننا الآن لم نعد في دولة قانون أو مؤسسات.
وسط كل المبادرات السياسية؛ ما هي بنظرك الثوابت التي لا تقبلين التنازل عنها أبدا؟
من وجهة نظري أرى أنه لا بد أن تعود حالة التوافق والتآلف بين المجتمع وكافة الفصائل الوطنية التي لم تلوث أيديها بالدماء، كذلك فقد كانت لنا خمسة استحقاقات انتخابية ليس من حق أي أحد أن يعصف بها ويعتبرها كأن لم تكن، ولذا فستظل الشرعية وعودة الرئيس مرسي من ثوابتنا التي لا يصح التنازل عنها، وحين يعود هو يرى ماذا يفعل وماذا يرى من حلول توافقية يرتضي بها الجميع من أجل الوحدة ولم الشمل. وكذلك فأود التركيز على أننا لن نقبل أبدا التنازل عن دماء الشهداء؛ فالقصاص قضية لا خيار فيها، ومثله التطهير الذي كان لا بد لنا أن نقوم به منذ 25 يناير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.