منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، حظي رد مصر باهتمام أكبر من الدول العربية الأخرى بسبب ثقلها الإقليمي، ولأنها الدولة العربية الوحيدة التي لها حدود مشتركة مع قطاع غزة، تربطها مباشرة بالأحداث الجارية. وبحسب تقرير نشره "المركز العربي واشنطن دي سي"، مع التصعيد الإسرائيلي على غزة وانتشار مشاهد القتل والدمار، تطور الموقف المصري الرسمي، وصعد من خطابه وحشد الإعلام والشارع ضد العدوان الإسرائيلي. لقد مرت عقود منذ اتخاذ مثل هذا الموقف في مصر، باستثناء فترة ولاية الرئيس المنتخب محمد مرسي القصيرة. ما هي طبيعة موقف مصر؟ وكيف ولماذا تطورت؟ تميز هذه الورقة موقف وزارة الخارجية عن موقف رئاسة الجمهورية، وتسعى إلى توضيح مدى توافقهما، والتقاطعات بينهما، والعوامل التفسيرية. التغيير التدريجي من المواقف المعتادة في بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، اعتمد الموقف المصري على المعجم الخطابي التقليدي. وحذرت مصر من "مخاطر التصعيد"، ودعت إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس"، ودعت "الجهات الفاعلة الدولية… التدخل الفوري لوقف التصعيد المستمر، وحث دولة الاحتلال على وقف الهجمات… على الشعب الفلسطيني". ولكن عندما أصبح حجم العنف الذي تستخدمه دولة الاحتلال لمعاقبة الشعب الفلسطيني واضحا، بدأ التعبير عن الموقف المصري بعبارات أكثر حدة. وأكد وزير خارجية السيسي، سامح شكري في خطابه أمام الدورة الاستثنائية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري حول فلسطين، التي عقدت في القاهرة في 11 أكتوبر، 2 على رفض مصر التام "لأي محاولة لتسوية القضية الفلسطينية بالوسائل العسكرية أو التهجير القسري على حساب دول المنطقة". وقال شكري إن الأحداث في غزة كانت "نتيجة حتمية لعدم التعامل بجدية مع القضية الفلسطينية، والانتهاكات الأحادية المستمرة في الأراضي المحتلة، وتهديد الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس، وعنف وتحريض المستوطنين". كما شدد خطابه على الحاجة إلى احتواء تدهور الوضع وانتشار العنف، وأدان قتل المدنيين وقصفهم، ودعا إلى الدخول الآمن للمساعدات الإنسانية إلى غزة. ومع بدء الأصوات داخل الاحتلال بالدعوة إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء، أصدرت وزارة الخارجية بيانا في 13 أكتوبر حذرت فيه من مطالبة جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان قطاع غزة وممثلي الأممالمتحدة والمنظمات الدولية بالانتقال جنوبا، معتبرة ذلك "انتهاكا خطيرا" لمبادئ القانون الإنساني الدولي. وازداد حدة الخطاب المصري مع تصعيد دولة الاحتلال لعنفها في قطاع غزة. مثل خطاب ممثل مصر في مجلس الأمن الدولي، أسامة عبد الخالق، تحولا ملحوظا. وقال عبد الخالق إن ما يحدث في غزة هو "خطة ممنهجة لقتل وتشريد الشعب الفلسطيني" و"تصفية قضيته". وأدان بشدة قصف المستشفى المعمداني، واصفا إياه بأنه "جريمة بشعة"، وطالب بمحاسبة كل من "تسبب فيه وأمر به وشارك فيه". وأدان كذلك سياسة الكيل بمكيالين وحدد أربعة مطالب هي: "وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار". ضمانات لحماية المدنيين وتقديم المساعدات ؛ إطلاق سراح جميع السجناء والرهائن والمحتجزين؛ ووضع حد "لخطاب الكراهية، والشيطنة، والتحريض، وتبرير الجرائم ضد الشعب الفلسطيني". خطاب وزارة الخارجية واستمر خطاب وزير الخارجية أمام مجلس الأمن الدولي في 245 أكتوبر على نفس المنوال. وأعاد شكري التأكيد على المواقف المعلنة سابقا مع استخدام مصطلحات أكثر قسوة، واصفا الأحداث في غزة بأنها "مروعة" و"صدمة إنسانية" وشجب استهداف المدنيين العزل والقتل والتجويع والتهجير القسري. وقال إن الصمت عن مثل هذه الأعمال هو تأييد ضمني لها، وأدان "المعايير المزدوجة في مقاربة الأزمات الدولية، بما في ذلك الجانب الإنساني منها"، فضلا عن ترسيخ الاحتلال غير الشرعي، وسرقة الأراضي من أصحابها، وفرض أمر واقع ديموغرافي جديد. وأعرب عن أسفه "لعجز مجلس الأمن عن إصدار قرار أو حتى دعوة لوقف إطلاق النار لإنهاء هذه الحرب". وتحدث بعبارات لا لبس فيها، ودعا إلى وقف فوري ومستدام وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة؛ وإلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وضع حد للتهجير القسري؛ الحماية الدولية للشعب الفلسطيني؛ ضمان الدخول الآمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية؛ وصيغة ملزمة "لفرض تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفقا لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية تتطلب إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على غرار 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. وأضاف مطلبا جديدا أيضا: "أن يتحمل المجلس مسؤوليته في العمل على إطلاق تحقيق مستقل في الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي". وكانت هذه إضافة هامة، لكنها لم تذكر في أي بيانات وإعلانات لاحقة، ولم تتخذ مصر أي إجراء دولي يتماشى معها. في 27 أكتوبر، استخدم مندوب مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة عبارات قوية كانت غائبة تقريبا عن القاموس الدبلوماسي المصري لسنوات عديدة، مشيرا إلى "ممارسات القرون الوسطى" و"العدوان الإسرائيلي الغاشم" و"لا للإرهاب" و"لا لقصف المستشفيات والمراكز الطبية" و"لا لقتل الأطفال". وقال: "لقد طفح الكيل، ما يحدث لشعب فلسطين أكثر من أن يتحمله"، مضيفا أن "الحق في الحياة … التي نسيها جميع أولئك الذين يتحدثون بصوت عال عن حقوق الإنسان، والذين، بالنظر إلى المبررات التي سمعناها لاستمرار هذه الحرب، أصبحوا متواطئين بشكل مباشر في التجاوزات التي نشهدها". وتضمن البيان الصادر عن وزراء خارجية تسع دول عربية، من بينها مصر، في أعقاب قمة القاهرة للسلام في 21 أكتوبر عبارات عامة يمكن تفسيرها أيضا على أنها إدانة لعملية حماس العسكرية، مثل "إدانة ورفض استهداف المدنيين، وجميع أعمال العنف والإرهاب ضدهم، وجميع انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من قبل أي طرف، بما في ذلك استهداف البنية التحتية والمرافق المدنية". كما شدد البيان على أهمية "الإفراج الفوري عن الرهائن والمعتقلين المدنيين وضمان معاملتهم الآمنة والكريمة والإنسانية بما يتماشى مع القانون الدولي". بالإضافة إلى ذلك، أدانت فقرات في البيان العدوان الإسرائيلي، بما في ذلك التهجير القسري الفردي أو الجماعي وسياسة العقاب الجماعي، ورفضت "حل القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني وشعوب دول المنطقة، أو التهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج أرضه بأي شكل من الأشكال". وشدد البيان على أن "حق الدفاع عن النفس الذي يكفله ميثاق الأممالمتحدة لا يبرر الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، أو التجاهل المتعمد للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحق في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال المستمر منذ عقود. ودعت مجلس الأمن إلى "إجبار الأطراف على وقف فوري ومستدام لإطلاق النار" وشددت على أن "الفشل في وصف الانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي هو بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار هذه الممارسات والتواطؤ في ارتكابها". وعلى الرغم من الأزمة المتفاقمة في إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والنداءات الموجهة إلى مصر لفتح معبر رفح وتحدي الحصار الإسرائيلي، التزمت مصر بالشروط الإسرائيلية، وحملت الجانب الإسرائيلي مسؤولية منع فتح المعبر وقصف الجانب الفلسطيني. في 28 أكتوبر، حذرت وزارة الخارجية من "المخاطر الجسيمة والتداعيات الإنسانية والأمنية غير المسبوقة لغزو بري واسع النطاق لقطاع غزة" وطالبت دولة الاحتلال مرة أخرى "بتسهيل إجراءات الوصول الآمن والكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة. اتهمت مصر الاحتلال بعرقلة دخول المساعدات الدولية إلى غزة من خلال اشتراط تفتيش الشاحنات عند معبر نيتسانا الإسرائيلي (مقابل معبر العوجا المصري)، مضيفة 100 كيلومتر إلى الرحلة قبل أن تتمكن الشاحنات من دخول قطاع غزة عبر معبر رفح. وقالت أيضا إن دولة الاحتلال تمنع دخول الكثير من المساعدات لأسباب سياسية وأمنية، وشجبت بطء وتيرة إجراءات التفتيش والتصعيد العسكري الإسرائيلي المتكرر على الجانب الفلسطيني من المعبر. وفي أعقاب ضغوط دولية، حدث انفراج في 1 نوفمبر، حيث بدأ تدفق قوافل المساعدات في الزيادة تدريجيا وتم إدخال عدد من الجرحى إلى المستشفيات المصرية. باختصار، كان خطاب وزارة الخارجية ثابتا ومؤكدا على مواقف مبدئية بعبارات واضحة، بعضها لم يسمع منذ عقود. وأصبح الخطاب أكثر انتقادا للعدوان الإسرائيلي مع اشتداد العنف وتصاعد الغضب الشعبي. خطاب السيسي ومواقفه من العدوان الإسرائيلي في كثير من الحالات، كرر عبد الفتاح السيسي البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية، لكنه أضاف عبارات لم تظهر فيها، مما يشير إلى فهم مختلف للوضع في غزة. هذا التناقض بين الخطابين له أهمية قصوى نظرا لطبيعة النظام السياسي في مصر وموقع الرئيس المهيمن فيه. في تعليقه الأول على الوضع في غزة، الذي قرأه خلال حفل تخرج خريجي الكليات العسكرية في 12 أكتوبر، استخدم السيسي مصطلحات تتفق مع الموقف الرسمي التقليدي: "السلام خيار استراتيجي". إشارات إلى "قدرات الشعب الفلسطيني الشقيق وتأمين حقوقه المشروعة". "توفير أقصى قدر من الحماية للمدنيين من كلا الجانبين فورا، والعمل على منع تدهور الأوضاع الإنسانية، وتجنب سياسات العقاب الجماعي والحصار والتجويع والتشريد"؛ والحاجة إلى "تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني". وفي مناسبات أخرى، كرر عبارات مألوفة أخرى، أدان فيها العقاب الجماعي وتصفية القضية الفلسطينية، وأشار إلى "تراكم الغضب والكراهية بسبب غياب أي أفق للأمل للفلسطينيين. وكان قلقه في معظم الحالات هو أن "أطراف النزاع الأخرى لا تتدخل" وقضية النزوح. هدف الإسرائيليين، وفقا له، لم يكن فقط "توجيه عمل عسكري ضد حماس، ولكن أيضا محاولة دفع السكان المدنيين إلى طلب اللجوء واللجوء في مصر". وقال إن مصر لن تقبل بذلك. من ناحية أخرى، تضمنت تصريحات السيسي غير الرسمية وبعض خطاباته المعدة مسبقا عدة عبارات لا تتفق مع كل من تصريحاته السابقة والموقف المتزايد الحدة لوزارة الخارجية. على سبيل المثال: وصف السيسي الأحداث في غزة بأنها "قتال" و"أزمة" و"مواجهات عسكرية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني… التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين من كلا الجانبين"، داعيا إلى "احتواء التطورات التي يحتمل أن تكون خارجة عن السيطرة". على عكس وزارة الخارجية ، لم يستخدم أبدا مصطلحات العدوان أو الجريمة أو الإبادة الجماعية في ملاحظاته. وذكر السيسي أن السلام المنشود للقضية الفلسطينية يستند إلى "العدالة ومبادئ أوسلو ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية". كان هذا أول ذكر لمبادئ أوسلو في إشارة إلى الدولة الفلسطينية المأمولة، والتي استخدمها الجانب الإسرائيلي لكسب الوقت لتغيير الحقائق على الأرض لجعل حل الدولتين مستحيلا. علاوة على ذلك ، لا يوجد نص أو مستند بهذا الاسم. وقال السيسي إن الدولة الفلسطينية المستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح. وكان هذا مطلبا إسرائيليا في عملية أوسلو وغيرها من المفاوضات، ولم يرد ذكره قط في قرارات الشرعية الدولية أو مبادرة السلام العربية. لم يتخذ السيسي موقفا مبدئيا بشأن الطرد المحتمل للفلسطينيين إلى سيناء. وقال في كلمته في قمة القاهرة: "إن حل القضية الفلسطينية في غياب حل عادل لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر". واقترح نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب حتى تنتهي دولة الاحتلال من تصفية المقاومة، مشيرا إلى أنه ليس لديه مشكلة مع الحل غير العادل للقضية الفلسطينية طالما أنها بعيدة عن سيناء. وهذا حقا تحول تاريخي في موقف مصر من القضية الفلسطينية. وذهب السيسي إلى حد وصف المقاومة بأنها إرهاب، قائلا إن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء سيعني تحويل شبه الجزيرة إلى قاعدة لشن هجمات إرهابية ضد إسرائيل. وهذا يتماشى بوضوح مع رؤية دولة الاحتلال والعديد من الدول الغربية. ظهر هدف الوقف "الفوري" ل "التصعيد الحالي" و "وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة" من حين لآخر في تصريحات السيسي ومحادثاته مع الضيوف العرب والأجانب ، لكنها كانت غائبة تماما عن تصريحاته المرتجلة. وبدلا من ذلك، نطق بعبارات مثل "احتواء التصعيد" و"تهدئة الأمور" وتخفيف "القتال". وقال في كلمته في قمة القاهرة للسلام: "دعوتكم هنا اليوم للتباحث والعمل على التوصل إلى توافق ملموس حول خارطة طريق تهدف إلى إنهاء المأساة الإنسانية الحالية وإحياء عملية السلام على عدة محاور، بدءا من ضمان التدفق الكامل والآمن والسريع والمستدام للمساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، التحرك فورا للتفاوض على هدنة ووقف إطلاق النار، ومن ثم البدء بشكل عاجل في مفاوضات لإحياء عملية السلام لتحقيق حل الدولتين". وكان السيسي حريصا على لعب "دور إيجابي في التخفيف من حدة الأزمة من خلال تأمين إطلاق سراح السجناء والرهائن في القطاع". وهنا لم يكتف بتجاهل الأسرى في سجون الاحتلال، بل تبنى أيضا هدفا مطابقا لهدف دولة الاحتلال. وقد امتثل السيسي للشروط الإسرائيلية لدخول المساعدات، وصم آذانه عن الدعوات لتحدي هذه الشروط وفتح معبر رفح لإيصال المساعدات واستقبال الجرحى. شارك السيسي في تعبئة إعلامية مكثفة لدعم غزة ودعا الناس إلى التظاهر والسماح له باتخاذ التدابير التي يراها ضرورية لحماية الأمن القومي المصري. لم يتم اختيار هذا التكتيك لغرض ممارسة الضغط الدبلوماسي في الخارج لصالح القضية الفلسطينية، ولكن فقط للسماح للمصريين بالتنفيس واستعادة شعبية السيسي المحلية الممزقة. وعندما تجاوزت المظاهرات الحد المنصوص عليه، أمر بوقفها فورا. لم تشهد قمة القاهرة للسلام أي محاولة من مصر للرد على المغالطات الكثيرة التي عبرت عنها الوفود الغربية. واكتفت مصر، بل وبقية الدول العربية، بالإعلان عن مواقفها التي تختلف عن مواقف الغرب، لكنها لم تستغل الحدث لإشراك الأطراف الأخرى وإجبارها بشكل استباقي على الاستماع إلى الحجج التي من شأنها أن تدحض روايتها المتحيزة. السياسات المتناقضة كانت هناك تناقضات مختلفة واضحة في نهج السيسي تجاه الوضع في غزة، لا سيما فيما يتعلق بمسألتين. أولا، ركز السيسي باستمرار على رفضه تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، على الرغم من أنه منذ وصوله إلى السلطة، أخلى المنطقة الحدودية بين قطاع غزةوسيناء وهجر سكانها على مراحل متعددة. بالإضافة إلى ذلك، أشار طلب ميزانية الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الكونغرس في 20 أكتوبر للموافقة على الأموال لكل من أوكرانيا والاحتلال إلى أن جزءا من هذه المخصصات سيخصص "لتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفرار إلى البلدان المجاورة". ذكرت مصر عندما أشار بايدن إلى أن الأزمة في غزة قد تؤدي إلى "نزوح عبر الحدود واحتياجات إنسانية إقليمية أعلى، ويمكن استخدام التمويل لتلبية متطلبات البرمجة المتطورة خارج غزة، بما في ذلك إسرائيل والضفة الغربية ولبنان والأردن وسوريا ومصر". ثانيا، على الرغم من الحظر الحكومي للمظاهرات الشعبية ضد العدوان على قطاع غزة خلال الأسبوع الأول من الحرب، اندلعت بعض المظاهرات في بعض الجامعات المصرية. وفي 13 أكتوبر، أول جمعة بعد بدء الحرب، شوهدت مظاهرات عفوية كبيرة نسبيا في محيط الجامع الأزهر في القاهرة، مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية. والعديد من المدن الأخرى. ثم قرر السيسي استغلال المناسبة للفوز بتفويض شعبي. وتمت تعبئة القوى الحزبية والبرلمانية الموالية للنظام للدعوة إلى "تفويض" من شأنه أن يخول للسيسي التعامل مع "النزوح"، وتمت الدعوة إلى المظاهرات التي "أعلنت عن موقعها" مسبقا. وكان قد سمح بالفعل بالتظاهر في عدة مدن قبل يوم الجمعة 20 أكتوبر، وفي يوم الجمعة المقرر، أتيحت الفرصة لمئات الآلاف من المصريين للتظاهر – وهو أمر نادر الحدوث منذ العام 2013. ولكن بمجرد أن تجاوزت المظاهرات الحدود المحددة مسبقا وبدأت الهتافات تنتقد فكرة التفويض، وضعت قوات الأمن حدا لها. اعتقال العديد من المتظاهرين ومنع المزيد من الاحتجاجات. استنتاج ظهر تناقض واضح بين موقف وزارة الخارجية وموقف السيسي من العدوان الإسرائيلي على غزة. يمكن فهم هذا التناقض بطريقتين مختلفتين. أولا، كانت المواقف الخطابية المختلفة موجهة إلى جماهير مختلفة. ومن الجدير بالذكر أن الغضب الشعبي كان يتصاعد بشكل ملحوظ منذ الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة في غياب أي رد فعل متناسب على المستوى السياسي. وهكذا يمكننا أن نقرأ البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية على أنها توضح الموقف الرسمي. من ناحية أخرى، فإن تصريحات السيسي هي ببساطة وسيلة لمعالجة الضغط الغربي على مصر لقبول تهجير الفلسطينيين نظرا لحاجتها الاقتصادية. وهنا، كانت حملة الإعلام والحشد الشعبي، فضلا عن موقف الأزهر، بمثابة رصيد لحكومة السيسي، التي أشارت إليها لدعم رفضها الحازم لاستقبال الفلسطينيين الذين قسرا بسبب الحرب والمخاطرة باستقرار مصر في مواجهة الضغوط الخارجية المستمرة. أما الفهم الثاني فهو مخالف لما سبق، وهو أن مواقف وزارة الخارجية ليست سوى مواقف خطابية موجهة إلى الرأي العام المصري والعربي من أجل احتواء الغضب الشعبي. وأن السيسي هو الذي يعبر عن سياسة مصر الفعلية، والتي تتماشى مع وجهة النظر الغربية بأن المقاومة إرهاب يجب مواجهته. https://arabcenterdc.org/resource/egypt-and-the-war-on-gaza-two-discourses-one-policy/