نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا سلطت خلاله الضوء على الحرب الإسرائيلية على غزة، وتزايد مخاوف حكومة عبدالفتاح السيسي من امتداد الصراع إلى حدودها، أو إجبار آلاف الفلسطينيين على النزوح إلى شبه جزيرة سيناء عبر معبر رفح. وبحسب التقرير، ينظر الجنود المصريون إلى الحرب التي تتكشف في غزة، من الجدران وأبراج المراقبة التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار، ويتنقل أكثر من نصف سكان القطاع الساحلي الذي يزيد عن 2 مليون نسمة، مع تقدم الدبابات الإسرائيلية إليه من الشمال والشرق وتواصل طائراته الحربية ومدفعيته قصفها، ويتجه العديد من الفلسطينيين نحو الحدود مع مصر بحثا عن الطعام والكهرباء والماء والأمان. وقال التقرير: إن "الدعوات المصرية للاحتلال لفتح معبر رفح للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، لم تلق آذانا صاغية إلى حد كبير، ولم تدخل غزة سوى 84 شاحنة محملة بالأدوية والمواد الغذائية منذ بدء القتال" حسب الصليب الأحمر المصري، وفي الوقت نفسه، تعزز مصر المنطقة الحدودية بالدبابات والقوات، عازمة على إبعاد الفلسطينيين، وقال أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام لجامعة الدول العربية: "الفلسطينيون والعرب لن يختبروا نكبة ثانية"، في إشارة إلى الهجرة الفلسطينية التي رافقت حرب الاستقلال الإسرائيلية في عام 1948". وأضاف التقرير أنه مع تصاعد القتال، تتصارع مصر مع ثلاثة مخاوف، أولا: كيفية إدارة الضغوط المتزايدة لاستيعاب الفلسطينيين، إذ إن تدفق اللاجئين من غزة يمكن أن يشعل الصراع المصري مع البدو في سيناء وإحياء جماعة الإخوان المسلمين، الإسلاميين السياسيين الذين كانوا منذ فترة طويلة أكبر تهديد داخلي لعبد الفتاح السيسي، المشير الذي استولى على السلطة في انقلاب عسكري، وقد تضر المخاوف من عدم الاستقرار بالاقتصاد الذي يتعثر بالفعل، يضاف إلى ذلك الشعور بأن رئيسهم يحول بلادهم من وزن ثقيل إقليمي إلى أكثر من مجرد متفرج. وأوضح التقرير أنه منذ انسحاب الاحتلال من غزة في عام 2005، كافحت مصر لصد جهود جارتها لجعلها مسؤولة عن القطاع، كما كان الحال بين عامي 1948 و 1967، وعندما فرضت دولة الاحتلال حصارا بعد خروجها من غزة في عام 2005، حذت مصر حذوها عندما حطم الفلسطينيون سياجا حدوديا معدنيا عاليا في عام 2008 وتوافدوا على سيناء، دفعتهم مصر إلى الوراء وحصنت حدودها، لكن الضغط الإنساني الحالي على الحدود هو أكبر اختبار لعزمها على منع مشكلة غزة الإسرائيلية من الامتداد إلى مصر. وأشار التقرير إلى أن مصر تشعر بالفعل بالتأثير، ويعيش بدو مصر بشكل رئيسي في سيناء، بجوار غزة، وقد تم تهميشهم منذ فترة طويلة من قبل حكام البلاد، وشن المتمردون تمردا استمر عشر سنوات ضد الحكومة المركزية وربطوا لفترة وجيزة بمتشددين من تنظيم الدولة الإسلامية وقتلوا مئات الجنود، ويزعم المسؤولون المصريون أخيرا أنهم قمعوا ثورتهم، لكن البدو يحتجون مرة أخرى، ويتهم البعض السيسي بالتحضير لتنفيذ نسخة جديدة من صفقة القرن، وهي خطة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين طرحتها إدارة ترامب، والتي تضمنت وفقا لبعض المصادر إعادة توطين بعض الفلسطينيين في سيناء، اليوم هناك شائعات بأن إعادة التوطين هذه قد تتم مقابل قدر كبير من الإعفاء من الديون التي تشتد الحاجة إليها يتم تداول أرقام تتراوح بين 20 و 30 مليار دولار. ويقول رجال السيسي: إنها "ليست بداية، إنه خط أحمر لا يمكن شراؤه مقابل المال"، يقول محمد رشاد، وهو متحدث مصري سابق. ويصر السيسي على أنه سيقاوم تصفية القضية الفلسطينية، لكن البدو يصرون على أن الحقائق على الأرض تروي قصة مختلفة، ويقولون إن "السيسي حول أراضيهم إلى منطقة عسكرية مغلقة، وقام بتطهير حوالي 50 ألف بدوي من منطقة تمتد على بعد 13 كيلومترا جنوب الحدود، وطوقها بجدران إسمنتية ونقاط تفتيش عسكرية، لقد بنى مدينة بأكملها – رفح الجديدة – لاستيعاب تدفق الفلسطينيين، كما يقول النشطاء البدو، لكنه منع المصريين والبدو من العيش هناك. "الحكومة تعتقل أي شخص يحاول العودة، وللبدو الحق في العودة أيضا". ثم هناك خصوم السيسي القدامى، من الإسلاميين، وقبل عقد من الزمان انقلب على رئيسهم المنتخب، وسجن عشرات الآلاف من أعضائهم، وطارد الكثيرين في الخارج، لكن مصداقية حماس، وهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين، ارتفعت في أجزاء من الشرق الأوسط منذ أن اخترقت دفاعات دولة الاحتلال وهاجمت مدنها، إذا تدفق فلسطينيو غزة إلى مصر، كما يقلق السيسي، فإن العديد من أعضاء حماس من بينهم سيجلبون أيديولوجيتهم معهم. وقد حذر بالفعل من أن مخيمات اللاجئين الجديدة في سيناء يمكن أن تكون بمثابة قاعدة لهجمات الجهاديين على دولة الاحتلال، ويتوقع المحللون في القاهرة أن الحركات الجهادية والإسلامية التي تم قمعها منذ فترة طويلة في مصر قد تحصل أيضا على دفعة، مما يعيد تنشيط مفاهيم المقاومة ضد الظالمين، بما في ذلك السيسي. ويمكن للإخوان أن يستعيدوا شرعيتهم، كما يقول أحمد أبو دوح، مستشار شؤون مصر في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث مقره لندن. وقد تضر الاضطرابات الإقليمية أيضا بالاقتصاد المصري المحاصر، وحذر صندوق النقد الدولي من أن الحرب قد تخيف المستثمرين الأجانب وخفض مرة أخرى توقعات النمو في البلاد. كانت السياحة مزدهرة ، لكن الحركة الجوية لشهر أكتوبر إلى مصر انخفضت بمقدار ربع عام على أساس سنوي، وفي السوق السوداء، يواصل الجنيه المصري تراجعه الطويل مقابل الدولار. ونوه التقرير بأنه في الوقت الحالي، حاول السيسي استرضاء شعبه، يقول البعض إنه بالفعل في الحملة الانتخابية، قبل الانتخابات – التي سيتم تزويرها بالتأكيد – في ديسمبر، وفي خطابات مثيرة أمام قواته المسلحة، وصف الفلسطينيين بأنهم أهم قضية في منطقتنا، وحذر من أن الحرب قد تعرض سلام مصر القائم منذ فترة طويلة مع إسرائيل للخطر، ولكن إذا كان السيسي يشاهد فقط غزو غزة، فإن الحرب يمكن أن تشوه صورته كرجل قوي. ولفت التقرير إلى أن السيسي يحب أن يقارن نفسه بأنور السادات، الزعيم المصري الذي اخترق دفاعات الاحتلال في عام 1973، وبمناسبة الذكرى ال50 لتلك الحرب، نظم السيسي عروضا عسكرية في الصحراء، لكنه أوقف إطلاق النار عندما أصيب جنود مصريون في غارة قرب معبر رفح وصفتها سلطات الاحتلال بأنها حادث، كما قلص من إرسال المساعدات عبر الحدود إلى غزة، وقبل بدلا من ذلك القيود الإسرائيلية المشددة على التدفق. ويبدو أن المسؤولين المصريين غير مستعدين لفعل أي شيء قد يعرض للخطر معاهدة السلام التي دامت 44 عاما مع إسرائيل وتقديم المساعدات العسكرية الأمريكية التي تضمنها. وتابع التقرير:"بينما تتجنب مصر التدخل، يبدو موقفها في المنطقة ضعيفا، فقطر هي الآن الراعي الرئيسي لحماس وغزة، وقادت الإمارة الخليجية الصغيرة مفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن، لقد عرضت الإمارات العربية المتحدة دور مصر للخطر كمحاور رئيسي للعالم العربي مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه، فقدت مصر الكثير من ثقلها الدبلوماسي السابق، ولم تسفر قمة السلام التي نظمتها في 21 تشرين الأول/أكتوبر عن شيء، بعد أن رفض المراقبون الغربيون الدعوات لوقف إطلاق النار". وأردف: "لا يزال البعض يعتقد أن مصر يمكن أن تلعب دورا، ومع سيطرة الجيش الإسرائيلي على شمال غزة، الذي أفرغ إلى حد كبير من سكانه، يشير دبلوماسيون غربيون إلى أنه على المدى المتوسط، قد تتحمل الدول العربية، بما في ذلك مصر، المسؤولية عن الأزمة الإنسانية في الجنوب. كما يناقشون ما إذا كانت دول الخليج قد تمول مزيجا من وكالات الأممالمتحدة وقوات حفظ السلام التي تقودها مصر لملء الفراغ الذي خلفه انهيار حكم حماس، لكن يبدو أن مصر ليست في عجلة من أمرها للانجرار إلى مستنقع غزة عندما تواجه الكثير من المشاكل في الداخل، تحب البلاد أن تطلق على نفسها اسم أم الدنيا، ولكن كما يقول معلق سياسي عربي في القاهرة، ليس الأمر كما كان". https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2023/10/29/as-the-gaza-war-rages-egypt-fears-for-its-stability