مع كل هذا الفجور والدموية والسحق الشنيع، فإن السؤال الذي ينفجر في ذهن كل مخلص ومهموم، بل في ذهن كل إنسان، ألا يستطيع أحد إيقاف إسرائيل؟ المؤسف أن السؤال الصحيح هو، هل يرغب أحد في إيقاف إسرائيل؟. إذن هي المرة الأولى منذ 50 عاما، أي منذ حرب السادس من أكتوبر 1973، التي يعلن فيها الاحتلال حالة الحرب، بإعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو حالة الحرب رسميا، عقب غزو غزة للأراضي الفلسطينية المحتلة. المفارقة الأولى أن أول إعلان إسرائيلي عن حالة الحرب كان في يوم 6 أكتوبر 1973 حين فاجأتها مصر وسوريا بحرب لاستعادة أراضيهما المحتلة، والثاني كان يوم 7 أكتوبر 2023 بالتزامن مع ذكرى الحرب الأولى. والمفارقة الثانية أنه مثلما هونت إسرائيل من إمكانية قيام مصر وسوريا بحرب، كما تم الكشف عن ذلك في وثائق الحرب، وتجاهلت الإشارات الاستخبارية حول ذلك، فعلت نفس الأمر مع غزة. ذكرت صحيفة "معاريف" في 7 أكتوبر 2023 أن أجهزة الأمن الإسرائيلية رصدت إشارات بأن حركة حماس تخطط لعملية، وأن هذه الإشارات نوقشت في الجيش، لكنها لم تتوقع الهجوم ولم تر الصورة الكبرى. وعلى الرغم من أن جيش الاحتلال انخرط منذ 1973 في عشرات الحملات العسكرية في لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، إلا أنه تجنب وصف هذه الحملات بالحروب، ولم يعلن حالة الحرب. لذا يشير إعلانها لحالة الحرب مع غزة لكارثة تشبه ما حدث في حرب أكتوبر 1973 وعبور المصريين قناة السويس، والسوريين هضبة الجولان، وقتلهم مئات الإسرائيليين وتهديد أمن إسرائيل حينئذ. محللون عسكريون يرون أن إعلان حالة الحرب جاء لأسباب تتعلق بكون غزة على مرمى حجر من الأراضي الإسرائيلية، وغزو مقاتليها مستوطنات جنوب إسرائيل معناه اختراق العمق الصهيوني، ما يشكل خطرا على أمن الدولة العبرية، لذا تم الإعلان. أوضحوا أن حروب إسرائيل المختلفة مع مصر وسوريا وحزب الله في لبنان كانت بعيدة عن الغزو البري للعمق الصهيوني، عكس حال حرب أكتوبر 1973 حين هددت مصر العمق الإسرائيلي بعدما اجتاحت سيناء، وحرب أكتوبر 2023 حين اخترق مقاتلو حماس حدود دولة الاحتلال. كما أن وجود عدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين الإسرائيليين، هو مبرر قوي لإعلان تل أبيب حالة الحرب. وهو ما أكده أيضا المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية وهو يقول: "نحن في حالة حرب بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد ونتائج لأن عدد القتلى والأسرى والمفقودين كبير". وفاق عدد القتلى الإسرائيليين خلال يوم واحد من القتال في غزة 250 قتيلا ، وكانعدد قتلاهم في حرب يوليو 2006 مع حزب الله، التي استمرت 34 يوما 165 قتيلا. وذلك مقابل 2838 قتيلا إسرائيليا في الحرب مع مصر وسوريا 1973، تعني حالة الحرب وجود خطر كبير يهدد الدولة، ما يستدعي الانتقال من حالة السلم إلى حالة الحرب. تعني، كما حدث في حرب أكتوبر 1973 استدعاء قوات الاحتياط ووضع جميع الموارد تحت تصرف جيش الاحتلال، وحشد قوات ضخمة في منطقة الحرب وهي جنوب إسرائيل قبالة غزة. نتنياهو قال في شريط فيديو عبر التواصل الاجتماعي: "نحن في حالة حرب، ولسنا في عملية عسكرية". أضاف: "شنت حماس هجوما قاتلا مفاجئا ضد دولة إسرائيل ومواطنيها، لقد أمرت أولا وقبل كل شيء بتطهير التجمعات السكانية من الذين تسللوا وأمرت بعملية كبيرة، وتعبئة الاحتياطيات على نطاق واسع، وسيدفع العدو ثمنا غير مسبوق". ونقل موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 عن الجيش، سيعلن حالة الاستعداد للحرب في أعقاب وابل هائل من الصواريخ من قطاع غزة، وتسلل مسلحين من حماس إلى إسرائيل. وتبع ذلك إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، استدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" 7 أكتوبر 2023، والتي قالت: "يعتمد عدد جنود الاحتياط الذين سيتم استدعاؤهم على احتياجات الجيش". وقالت هيئة البث الإسرائيلية 7 أكتوبر 2023 : إن "وزير الدفاع يوآف غالانت صادق على استدعاء قوات احتياط بعد الإعلان عن الاستعدادات للتعامل مع الوضع كحالة حرب". يتذكر الجميع رواية العميان الذين تآمروا لكي يقتلعوا العين الوحيدة لهذا الأعور، ليكونوا سواء، أو رواية العاهرات اللاتي اجتمعن لإيقاع الطاهرة الوحيدة بقريتهن في الفاحشة لأن مجرد وجودها يفضحهن. هذا حال الأنظمة مع حركات المقاومة، ومع تجارب التحرر، ولهذا فما إن تلمع تجربة تحرر في أي مكان إلا كانوا في طليعة دافنيها، من الشام إلى العراق إلى أفغانستان إلى الصومال إلى المغرب العربي. إن غزة الآن تدفع ثمن الضعف العام للأمة، مثلما يدفعه الآن معها أهل الشام، ومن قبلهم دفعه أهل العراقوأفغانستان والتركستان والأراكان وغيرهم وغيرهم. وما من حل إلا إذا تأملنا وعملنا بقول الله تعالى {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}، وقوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.