من مركز إدارة الأزمات الاستراتيجي في العاصمة الإدارية تابع عبد الفتاح السيسي أحداث عملية طوفان الأقصى بفلسطين، موجهاً بتكثيف الاتصالات المصرية لانقاذ حلفائه الصهاينة وانقاذ ماء وجهه كشرطي على حدود فلسطين مهمته ان يسمع ويعرف دبة النملة لا أن يفوته هدير الطوفان ! وأطلقت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، صباح السبت، عملية عسكرية غير مسبوقة ضد كيان العدو الصهيوني، شملت إطلاق آلاف الصواريخ وتسللا واقتحام مستوطنات، بينما أفادت مصادر صهيونية بمقتل 250 صهيونيا وجرح المئات. وكان وزير خارجية حكومة الانقلاب، سامح شكري، قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، "للتشاور والتنسيق بشأن جهود وقف التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي". وشدد شكري على ضرورة أن "تتركز جميع الجهود الدولية والإقليمية في الوقت الراهن على وقف التصعيد والعنف، وممارسة أقصى درجات ضبط النفس، للحيلولة دون إزهاق المزيد من الأرواح وخروج الوضع الأمني عن السيطرة". وبالعودة أعواماً للوراء، وبعد شهر واحد من استيلاء السيسي على الحكم، بدأت إسرائيل عملية عسكرية على قطاع غزةالفلسطيني، فأوقعت مئات القتلى والجرحى، وألحقت أضرارًا جسيمة بالقطاع، لتضع السيسي في أول اختبار حقيقي لموقفه من القضية الفلسطينية بصفة عامة وغزة بصفة خاصة. وكانت إسرائيل قد شنت عدوانًا مماثلا على القطاع إبان حكم الرئيس الشهيد مرسي، غير أن فارقًا كبيرًا بدا بين موقف مصر ما بعد الثورة ومصر ما بعد الانقلاب، في رأي مراقبين. فما إن بدأ العدوان على غزة عام 2012 حتى اتخذ مرسي موقفًا واضحًا، وقال إن مصر "لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة، أوقفوا هذه المهزلة فورا، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة". ولم يتوقف مرسي عند حد الكلام، فأرسل رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة على رأس وفد مصري، وأمر بفتح معبر رفح بشكل دائم أمام الفلسطينيين. ثم ما لبث أن توصل لاتفاق لوقف إطلاق النار يضمن وقف "الاغتيالات والتوغلات الإسرائيلية" وتسهيل تنقلات الفلسطينيين. وذلك بعد أسبوع من العدوان. في المقابل، لم يصدر السيسي أي تصريح بقدر تلك القوة بشأن اي عدوان على غزة، واكتفى بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبحث الأوضاع، في حين تعلن إسرائيل دائماً أن رئيس مخابرات السيسي ضيفا دائماً في تل أبيب قبل يوم واحد من بدء كل عدوان! ورغم تواصل القصف الإسرائيلي، تمسك السيسي بإغلاق معبر رفح، ولم يسمح بفتحه إلا لساعات محدودة وأمام حالات بعينها، كما منعت السلطات المصرية عبور وفد من النشطاء المصريين ووفد من الأطباء للقطاع. وفي حين تصف خارجية حكومة الانقلاب المصرية ما يجري بين إسرائيل وحماس "بالعنف المتبادل"، وهو ما أثار استياء كثير من المصريين، تطرح مبادرة لوقف إطلاق النار طالبت فيها الجانبين بوقف ما أسمته "الأعمال العدائية" ! وبينما أعلن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -في السابق- قبولهما مبادرة السيسي، ترفضها فصائل المقاومة في كل مرة، وتصفها بإنها "مبادرة ركوعٍ وخنوع، ولا تساوي الحبر الذي كتبت به". وفي ما بدا أنه تنسيق بين العسكر في مصر والمحتل الاسرائيلي بشأن صياغة المبادرات السابقة، نسبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية لدبلوماسيين إسرائيليين قولهم "إن اتصالا سريا جرى بين نتنياهو والسيسي"، وأضافت الصحيفة أن مكتب رئيس الحكومة في إسرائيل ومكتب رئاسة الجمهورية في مصر "حافظا على سرية المكالمة، ولم يصدرا أي بيانات أو تصريحات بشأنها لوسائل الإعلام". وكشفت صحف إسرائيلية أن تل أبيب طلبت من القاهرة التدخل لدى حماس لإقناعها بالعودة إلى تفاهمات التهدئة الموقع عليها في 2012، غير أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلت عن أحد مستشاري السيسي أنه "غير متحمس للتوصل لاتفاق من أجل وقف إطلاق النار، وأنه غير معترض على مواصلة إسرائيل عمليتها ضد حماس"! ويرى خبراء أن التعامل المصري في عهد الرئيس المعزول مرسي كان أكثر انحيازًا للجانب الفلسطيني منه في عهد السيسي، بينما يرى آخرون أن الرئيسين تعاملا مع الأزمة بنفس الطريقة وبنفس القدر من الحرص على مصلحة الفلسطينيين. وعزا الكاتب الصحفي سليم عزوز ما أسماه الفارق بين موقفي الشهيد مرسي وقائد الانقلاب السيسي من غزة إلى "خلافات فكرية بين الرجلين، فمرسي ذو الخلفية الإسلامية تعامل مع حماس على أنها حركة مقاومة، بينما تعامل معها السيسي -الذي يمثل امتدادًا لعصر مبارك- على أنها حركة إرهابية". وأوضح عزوز أن الشهيد مرسي "كان يعلم أنه وصل للحكم بناء على رغبة الشعب المصري الذي ينظر للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للعرب والمسلمين، ومن ثم فقد اتخذ موقفًا يحفظ له شرعيته لدى شعبه". وتابع "أما السيسي فيعلم أنه بلا شرعية، لأنه قاد انقلابا عسكريا وجاء في انتخابات قاطعها أغلبية المصريين، ومن ثم فهو يبحث لنفسه عن شرعية دولية من خلال استرضاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين".