رغم ما تعلن عنه سلطات الانقلاب عن جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم تسهيلات للمستثمرين الأجانب ، إلا أن هؤلاء المستثمرين يواصلون الهروب من البلاد؛ ما تسبب في تراجع احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي إلى أقل من 33 مليار دولار بجانب هروب أكثر من 20 مليار دولار مما يعرف بالأموال الساخنة ، وهو ما تسبب في أزمة الدولار وتراجع قيمة الجنيه المصري، وبالتالي ارتفاع الأسعار ومعاناة المصريين من أجل الحصول على احتياجاتهم اليومية الضرورية. ورغم أن تشجيع الاستثمار دائما ما يكون الهدف الأول والرئيس لأية حكومة تسعى إلى تقوية اقتصادها الوطني؛ لأن زيادة الاستثمارات تعني تدفق المزيد من العملات الصعبة وإقامة المصانع وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة وتحسين مستوى دخل الفرد، وانتعاش الاقتصاد في النهاية، إلا أن حكومة الانقلاب فشلت في ذلك كله ، وكانت النتيجة تعثر وإغلاق آلاف المصانع وتزايد معدلات البطالة وتراجع مستوى المعيشة، ما أدى إلى حالة انهيار اقتصادي تعيشها البلاد . يشار إلى أن أرقام الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر شهدت خلال السنوات الماضية حالة من التذبذب وفقا لبيانات البنك المركزي، ففي العام المالي 2016/2017 بلغت 7.9 مليار دولار، وفي 2017/2018 وصلت إلى 7.7 مليار دولار، وفي 2018/2019 ارتفعت إلى 8.2 مليار دولار، ثم عادت للانخفاض مرة أخرى إلى 7.5 مليار دولار في 2019/2020، ثم إلى 5.2 مليار دولار في 2020/2021 إلا أنها ارتفعت خلال العام المالي الماضي 2021/2022 لتسجل 8.9 مليار دولار.
بيروقراطية وفساد من جانبه قال الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق إن "الاستثمار الأجنبي المباشر من الممكن أن يكون المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية، خاصة في ضوء تفاقم حجم الديون الخارجية، وعجز الميزان التجاري المتزايد، وانخفاض معدل الادخار المحلي ، والحاجة لزيادة الاستثمارات والحفاظ على التشغيل ومستوى المعيشة". وأكد «توفيق» في تصريحات صحفية أنه لتحقيق هذا الهدف نحتاج إلى تغيير المناخ العام للاستثمار في مصر، وتحديد هوية الدولة الاقتصادية بكل وضوح، وأن ننظر للآثار الاقتصادية طويلة الأجل، ولا ننظر تحت أقدامنا، مشيرا إلى أن المعوقين الرئيسيين للاستثمار هما البيروقراطية المصحوبة غالبا بالفساد، ومنظومة الضرائب والرسوم المائعة. وأضاف ، نحتاج إلى توفير الأراضي الصناعية بأسعار مخفضة أو بالمجان، أو تخصيص 99 سنة، بشرط جدية التنفيذ، فضلا عن الإسراع بتفعيل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ، مطالبا بعدم مزاحمة دولة العسكر للمستثمرين وضمان حرية وعدالة المنافسة، وإيقاف الشراهة الفجائية فى جباية الضرائب، إضافة إلى تطبيق بعض الإعفاءات الضريبية الإضافية التي تتناسب طرديا مع حجم العمالة التي تضيفها هذه الاستثمارات لسوق العمل والحصول على طاقة للمصانع بأسعار تماثل على الأقل أسعار منافسيهم بالخارج. وأشار «توفيق» إلى أننا نحتاج إلى عمالة فنية ماهرة تعليما وتدريبا، وزيادة التنسيق مع السياسة النقدية والحصول على تمويل بسعر فائدة أعلى من معدل التضخم ب2٪ وليس 10%، إضافة إلى خفض معدل استفزاز الجهات الإدارية الكثيرة التي تراقب المصانع والمستثمرين، وتشكل إحباطا وتكلفة إضافية ووقتا أطول لأدائهم لأعمالهم. ودعا إلى تثبيت القوانين والقرارات والرسوم التي تم اتخاذ القرار بالاستثمار في مصر على أساسها، وإعادة استنساخ بورصة التسعينيات، وتقديم حوافز وإعفاءات ضريبية لقيد أسهم الشركات في البورصة، وتحفيز التداول والمتداولين على هذه الأسهم بيعا وشراء بخفض رسوم ومصاريف وتكلفة هذا التداول، فضلا عن سرعة وكفاءة وشفافية نظام التقاضي والحصول على الحقوق خلال شهور وليس أعواما.
قرارات إدارية وأرجعت حنان رمسيس خبيرة أسواق المال أسباب هروب المستثمرين الأجانب إلى مناخ الاستثمار في سوق المال المصري، مشيرة إلى أن المستثمرين الأجانب يتخوفون من القرارات الإدارية المتعلقة بإلغاء العمليات على أسهم ووقف أكواد بعض المتعاملين عن الشراء، وهناك سبب آخر وهو تكلفة الفرصة البديلة في الأسواق المجاورة، خاصة أسواق المال الخليجية التي حققت أداء إيجابيا بعد ارتفاع أسعار النفط وتنوع بدائل الاستثمار أمام المتعاملين الأجانب. وقالت حنان رمسيس في تصريحات صحفية إن "الموجة البيعية للمتعاملين الأجانب انعكست على أداء شهادات الإيداع الدولية للشركات المصرية، والتي منيت بخسائر حادة متأثرة بموجة التضخم العالمي والحرب الروسية الأوكرانية، علاوة على تخارج المؤسسات والصناديق الاستثمارية الكبرى من أسواق الأسهم عامة، والاتجاه إلى الملاذات الآمنة". ولفتت إلى ارتفاع وتيرة مبيعات الأجانب بالبورصة المصرية خلال الفترة الحالية، نتيجة تحوط المستثمرين الأجانب ، موضحة أن المستثمرون الأجانب يفضلون التخارج من سوق المال المصري ويميلون إلى المتاجرة السريعة، والبحث عن الفرص البديلة بأسواق المال المجاورة". وحول تأثير انخفاض سعر صرف الجنيه على استثمارات الأجانب بالبورصة، قالت حنان رمسيس إن "الانخفاض ساهم في تنشيط سوق المال لحظيا، حيث ارتفعت المؤشرات ولكن تضييق التعامل بالدولار ووجود سعر مواز للدولار أثر سلبا مرة ثانية على المتعاملين الأجانب بالبورصة، مشدددة على ضرورة استئناف برنامج الطروحات الحكومية لجذب سيولة ومتعاملين جدد". وأكدت أن تأجيل الطروحات الحكومية أكثر من مرة أثر سلبا على شفافية البرنامج أمام المستثمرين الأجانب.
السياحة وطالب الخبير السياحي مجدي سليم بضرورة تنشيط السياحة كمصدر مهم للعملات الأجنبية والاهتمام بسياحة المؤتمرات والسياحة العلاجية والسياحة الدينية. وشدد سليم في تصريحات صحفية على ضرورة الاهتمام بالسياحة العلاجية التي تدر دخلا كبيرا من العملات الأجنبية على الاقتصاد، خصوصا ، وأن مصر تمتلك أكثر من ألف موقع طبيعي للسياحة العلاجية، بجانب المستشفيات الحديثة، مطالبا بوضع تسهيلات خاصة بهذا النوع من السياحة مع التسويق الخارجي لها على أعلى مستوى، لأن السائح الذي يأتي للعلاج يمكث في مصر من 3 أسابيع إلى شهر أو أكثر ، وهذا يعني زيادة في الإنفاق السياحي، وهو الهدف الرئيسي من السياحة. وأكد ضرورة الاهتمام بالسياحة الدينية سواء إسلامية أو مسيحية، لأن مصر مليئة بمزارات آل البيت التي لها مريدون من كل أنحاء العالم، خاصة المساجد ذات القيمة التاريخية، فضلا عن مسار العائلة المقدسة لمعتنقي الديانة المسيحية والتي يجب أن يتم تنظيم حملات تسويقية جيدة لها في الأسواق الخاصة بها، مشددا على ضرورة الاهتمام بدول أفريقيا بجانب روسيا وأوروبا.