في ظل البروباجندا الزاعقة التي تصاحب بث حلقات مسلسل «الاختيار 3»، جاءت وفاة الخبير الاقتصادي أيمن محمد علي هدهود جراء التعذيب بعد اعتقاله قبل شهرين وإخفائه قسريا ثم قتله ونقله إلى ثلاجة مستشفى الأمراض العقلية للتغطية على الجريمة لتعصف بأي معنى لهذه الدعاية الضخمة للنظام العسكري. فإي وطنية أو أخلاق تدفع هؤلاء الحمقى والأفاقين إلى دعم مثل هذا النظام القمعي السلطوي وهم يعاينون كل يوم دليلا وبرهانا جديدا على فشله وظلمه وطغيانه؟! هدهود الذي تم الإعلان عن وفاته فجر الأحد 10 إبريل 2022م، اختطفه جهاز الأمن الوطني منذ مساء الثالث من فبراير2022. واتضح أنه تعرض لتعذيب وحشي في أقبية الأمن الوطني حتى أشرف على الهلاك؛ فتم نقله إلى قسم الطب الشرعي بمستشفى العباسية للأمراض العقلية للتغطية على الجريمة الوحشية؛ الأمر الذي دفع منظمات حقوقية إلى فتح تحقيقات جادة في ظروف وملابسات الوفاة، وتشكيل لجنة تقصي حقائق لتحديد المسئول عن الجريمة وإبقاء جثمان هدهود بثلاجة المستشفى لنحو شهر كامل؛ وبحث جميع حالات الوفاة التي وقعت بالمستشفى خلال الشهور الأخيرة. وبينما اتهم أطباء نفسيون إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية وقسم الطب الشرعي بها المسؤولية عن وفاة هدهود، جاءت تصريحات مدير «العباسية»، حاتم ناجي، بحسب موقع «مدى مصر» حاسمة، مؤكد أن القضية في حوزة النيابة العامة، ومَن يوجهون أصابع الاتهام إلى المستشفى سيعرفون أن كل اتهاماتهم غير صحيحة. في إشارة إلى أن جثمان هدهود وصل إلى المستشفى مقتولا بالفعل جراء التعذيب بهدف التغطية على الجريمة من جانب الأمن الوطني. وينقل موقع "مدى مصر" عن مصدر طبي بالمستشفى أنه علم من أحد الأطباء بقسم «الطب الشرعي» في «العباسية» أن هدهود سُلم إلى هذا القسم وهو على قيد الحياة من قِبل جهة أمنية لم يحددها. كما نقل المصدر، عن الطبيب ب«الطب الشرعي»، أن هدهود توفى داخل «العباسية»، مرجحًا أن تكون الوفاة وقعت في الخامس أو السادس من مارس الماضي، وذلك قبل عرضه على اللجنة الثلاثية المسؤولة عن فحص حالته النفسية، بحسب ما نقله المصدر الذي أشار إلى أن اللجنة جرى إبلاغها بوجود هدهود، وحين طلب أحد أعضائها مقابلته أُخبر أنه توفى دون تحديد السبب وقتها. وشدد المصدر، في تصريحاته ل«مدى مصر»، على أن مديري «العباسية» وقسمها للطب الشرعي وحدهما اللذين يعرفان سبب وفاة هدهود المدون بالدفاتر، وما إذا كانت الإجراءات القانونية الخاصة بإيداعه المستشفى سليمة أم لا. وبموجب قوانين رعاية المريض النفسي والعقوبات والإجراءات الجنائية، يُودع المتهمون المُشتبه في إصابتهم بمرض نفسي داخل قسم الطب الشرعي ب«العباسية» لمدة 45 يومًا قابلة للزيادة، وذلك تحت حراسة من وزارة الداخلية بموجب خطاب من مكتب التعاون الدولي للتبادل ورعاية المسجونين، التابع للنائب العام مرفقًا به صورة معتمدة من ملف القضية، وذلك لفحص المتهم عن طريق لجنة ثلاثية لتحديد مدى أهليته. ورجح الطبيب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن يكون هدهود قد اعتُدي عليه وتعرّض لإصابات خطيرة في الجهة الأمنية، قبل أن ترسله تلك الجهة إلى «العباسية» لتلقي العلاج البدني به بعيدًا عن أي رقابة، موضحًا أن هذه الجهة الأمنية «مش هتعرف توديه مستشفى مدني، لأنه هيتم الكشف عليه وإثبات إصابته في محضر رسمي، لكن قسم الطب الشرعي في العباسية بتاعهم»، لافتًا إلى أن هدهود قد يكون توفى إثر تلك الإصابة، مضيفًا أن هذا الترجيح يفسر أسباب التحفظ على جثمانه في الثلاجة لمدة قد تزيد عن شهر. ووثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، الغموض الذي أحاط بظروف القبض على هدهود منذ اللحظة الأولى، التي لم يعرف تفاصيلها ولا ظروفها، وبعد مرور أيام حاولت أسرته معرفة مكان احتجازه، لكنها لم تتوصل لمعلومة، حتى فوجئت بأمين شرطة يخبرها "أيمن عندنا"، وبالبحث والسؤال في قسم شرطة الأميرية التابع له محل سكنه، تبين أنه كان موجودا بقسم شرطة الأميرية لأيام، تم احتجازه في مبنى الأمن الوطني في الأميرية. وتابعت الشبكة "ثم بعد اتصالات علمت أسرته من مصادر لها بوجوده في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية، لكن المستشفى أنكر وجوده في البداية ثم أقر، بعد إلحاح شديد، بوجوده تحت الملاحظة لمدة 45 يوما ولا يسمح بزيارته إلا بإذن من النائب العام والنيابة العامة". وبالفعل توجهت أسرته إلى مكتب النائب العام لاستخراج تصريح بالزيارة ليتم إبلاغها بعدم إمكانية استخراج تصريح زيارة، لأن أيمن هدهود ليس محبوسا على ذمة أي قضية، وبالبحث في جميع نيابات القاهرة ونيابة أمن الدولة وغيرها لم تتمكن الأسرة من استخراج تصريح بالزيارة، حسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، التي أكدت أن أسرته تقدمت ببلاغات إلى النائب العام ووزارة الداخلية والمجلس القومي لحقوق الإنسان باختفائه والمطالبة بالكشف عن مصيره، ولكن دون جدوى. وفي نهاية مارس، استطاعت الأسرة عبر وسطاء التواصل مع أحد العاملين ب«العباسية»، ليبلغهم، في الرابع من أبريل 2022، أنه «في حال أن مَن تبحثون عنه هو أيمن محمد علي هدهود، فهذا الشخص توفي منذ شهر»!