جامعة عين شمس تكشف التفاصيل الكاملة للجامعة الأهلية والتخصصات المتاحة    غدًا.. امتحانات الترم الثاني للمواد غير المضافة للمجموع في قنا (جدول)    محافظ القاهرة: توفير السلع الغذائية في أسواق اليوم الواحد بخصم 50%    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 16 مايو 2025 في أسواق الأقصر    كيلو الموز ب50 جنيه؟ أسعار الفاكهة اليوم في مطروح    كامل الوزير يتابع أعمال تنفيذ مشروع خط سكة حديد "بئر العبد- العريش"    «بلدنا أولى بينا».. لقاء توعوي بالفيوم لمناهضة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر    رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبى بالقاهرة تختتم زيارتها إلى الإسكندرية    وزير الإسكان يُصدر قرارات إزالة تعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    الوكالة الفرنسية: أولوية كييف في المباحثات مع موسكو «وقف إطلاق نار غير مشروط»    مفاجأة ترامب السورية تثير قلق نتنياهو.. "أكسيوس" يكشف التفاصيل    أنجلينا إيخهورست: نثمن جهود مصر فى الحفاظ على الاستقرار ودعم القضية الفلسطينية    شبكة عالمية تحدد ترتيب الأهلي ضمن المرشحين للفوز بكأس العالم للأندية    بولندا تختار رئيسا جديدا الأحد المقبل في ظل تزايد المخاوف بشأن المستقبل    الصحة الفلسطينية: إسرائيل تنفذ تطهيرا عرقيا فى غزة.. 250 شهيدا فى غارات على القطاع    ميدو يشن هجومًا حادًا على مسئولي الكرة المصرية، اعرف التفاصيل    جماهير برشلونة تحتل الشوارع احتفالا بلقب الليجا    تدشين كأس جديدة لدوري أبطال إفريقيا    رفع 42 سيارة ودراجة نارية متهالكة خلال حملات مكثفة بالمحافظات    رعب أمام مدرسة.. طالبان يروّعان الطالبات بصاعق كهربائي    إصابة 6 أشخاص في تصادم 4 سيارات بطريق السويس - الأدبية    ضبط 3 أطنان أسماك مدخنة ولحوم مجمدة مجهولة المصدر فى المنوفية    مقتل عامل طعنا على يد تاجر مواشي في منطقة أبو النمرس    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    مواصفات امتحان اللغة العربية للصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025    بسام راضي يروّج لافتتاح المتحف المصري من استاد الكوليسيوم الأثري بروما    بعد استثنائها من الدخول المجاني.. أسعار تذاكر زيارة متاحف «التحرير والكبير والحضارة»    مسارات جمال الغيطانى المتقاطعة الخيوط والأنسجة.. والتجارب والتناغمات    مفتى الجمهورية: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية ومن يفعل ذلك "آثم شرعا"    وزير التعليم العالي يثمن الشراكة العلمية بين جامعة أسوان ومؤسسة مجدي يعقوب    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    بكلمات مؤثرة.. خالد الذهبي يحتفل بعيد ميلاد والدته أصالة    هل يجوز تخصيص يوم الجمعة بزيارة المقابر؟ «الإفتاء» تُجيب    مصطفى عسل يتأهل إلى نصف نهائي بطولة العالم للاسكواش بأمريكا    رئيس شعبة المواد البترولية: محطات الوقود بريئة من غش البنزين.. والعينات لم تثبت وجود مياه    راشفورد لن يواجه مانشستر يونايتد    رئيس رابطة محترفات التنس يحدد موعد تقاعده    ميسي يعود لقيادة الأرجنتين.. وسكالوني يفك أسر مهاجمه    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    4 أبراج «لا ترحم» في موسم الامتحانات وتطالب أبناءها بالمركز الأول فقط    بالأسماء.. جثة و21 مصابًا في انقلاب سيارة عمالة زراعية بالبحيرة    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    في دقائق.. حضري سندويتشات كبدة بالردة لغداء خفيف يوم الجمعة (الطريقة والخطوات)    طريقة عمل البامية باللحمة، أسهل وأسرع غداء    بسنت شوقي: أنا اتظلمت بسبب زواجي من محمد فراج (فيديو)    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    بيت لاهيا تحت القصف وحشد عسكري إسرائيلي .. ماذا يحدث في شمال غزة الآن؟    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    بحضور وزير العمل الليبي.. تفعيل مذكرة التفاهم بين مجمع عمال مصر ووزارة العمل الليبية    مسابقة معلمين بالحصة 2025.. قرار جديد من وزير التربية والتعليم وإعلان الموعد رسميًا    طريقة عمل الأرز باللبن، حلوى لذيذة قدميها في الطقس الحار    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    رامي جمال يعلن عن موعد طرح ألبومه الجديد ويطلب مساعدة الجمهور في اختيار اسمه    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد خير موسى يكتب: المساواة بين الرّجل والمرأة في الإسلام؛ سؤال التّوصيف والأفضليّة

من القضايا الإشكاليّة التي تنسحبُ في كثيرٍ من الأحيان من إطار النّقاش الهادئ إلى ميدان الجدل البيزنطي مسألة المساواة بين الرّجل والمرأة في الإسلام، ومدى إقرارها في التّشريع الإسلامي.
مما يتسم به الحديث عن قضيّة المساواة بين الرجل والمرأة في عالم اليوم خضوعها للإرهاب الفكريّ على مستويات عديدة؛ فهي إلى جانب مسائل عديدة في السّياسة والسّلوك من القضايا التي يحرم الحديث فيها على الرّغم من الحديث عن الحريّات التي سقفها السماء.
ومن أساليب الرّهاب التي تستعملها شريحة من النساء في مواجهة ذلك مصادرة أيّ خطاب شرعي بالقول لا تحدّثونا عن تكريم الإسلام للمرأة فقد مللنا من هذا الحديث؛ فهذا الهجوم نوعٌ من استبطان رفض طرح الصّورة الكليّة للمسألة لصالح الغياب والغرقِ في بعض الجزئيّات التفصيليّة بطريقة اختزاليّة غير منطقيّة.
ومع ذلك سنجري مع هذا فلن نتحدّث عن تكريم الإسلام للمرأة وسنذهب على الفور إلى الحديث في صلب الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام، ومن البديهيّ أنّنا إذا أردنا أن نتعرّف حكم الشرع وموقف الإسلام فعلينا أن نستقي ذلك من المرجعيّة التي هي الوحي، فماذا قال الوحي عن هذه القضيّة؟
لا يستطيع عاقلٌ فيه ذرّة من الإنصاف أن ينكرَ أنّ خطاب الوحي جاء صريحًا واضحًا كفلق الصّبح في إقرار المساواة العامّة بين الرّجل والمرأة، حتّى من يذهبن إلى اتّهام الفقه الإسلاميّ بالذّكوريّة لم يملكن غير الإقرار بهذه الحقيقة النّاصعة.
تقول الكاتبة المغربيّة أسماء المرابط وهي من أبرز وجوه الحركة النّسويّة في المغرب:
" بالرغم من اعتماد الخطاب القرآني في بعض المواضع لصيغة المذكّر، إلا أنّ هذه الصيغة، وكما نلاحظ في التّرجمة إلى اللّغات الأخرى، تستعمل صيغ لغوية "محايدة"، ويظل النّص شاملًا لآيات نجد فيها مساواة كاملة في الأمر أو النهي، وفصولًا تشتمل على ذكر الرّجال والنساء على حدّ سواء بنوع من التساوي اللّغوي والمعنوي، ومن الصّعب تناول جلّ الآيات التي تترجم هذا البعد المساواتي، لذلك سنكتفي ببعض الأمثلة فقط:
يقول تعالى: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" الأحزاب: 35
تكشف هذه الآية بشكلٍ واضح المساواة بين النّساء والرجال بتركيزٍ دقيقٍ على طبيعتهما وصفتهما الإنسانية، فرسالةُ الوحي القرآني في هذا الموضع تنتقل من جمعِ المذكّر، الذي يشمل النّساء والرجال، إلى عرض الصّفة البشرية للمؤنث والمذكّر، في تكرار واضح يشير إلى غاية المساواة في الخطاب القرآني" ا.ه
وتقول في موضع آخر:
" لقد ورد في القرآن ما يقارب إحدى وعشرين آية جاءت في المساواة تخاطب الذكر والأنثى في قضايا متعددة؛ فقد خاطب القرآن الرجال والنساء على قدم المساواة بشأن العمل الصالح في قوله عز وجل: "وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" النّساء: 124
وجاء قوله تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ" آل عمران: 195″ ا.ه
وكذلك جاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح: "إنما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ" وهو تقريرٌ لعموم المساواة بين الرّجل والمرأة.
قال الإمام الخطابي معلقًا على الحديث في "معالم السنن": "أي نظائرهم، وأمثالهم في الخلق، والطباع فكأنّهن شققن من الرّجال"
وقال الإمام الصّنعاني في "التّنوير شرح الجامع الصّغير": "فإنّ النّساء شقائق الرّجال، قد أمرن بالعلم والعمل، وكيفيّة التّعلم والتّعليم لا يختصّ بها الرّجال"
فالرّجل والمرأة متساويان في الجوهر والأهليّات الإنسانيّة، وفي قواسم القابليّات والملكات المشتركة، وفي التّكليف وحمل الأمانة، وفي الحقوق والواجبات الإنسانيّة، لا فرق بين الرّجل والمرأة في شيءٍ من هذا.
ولكن هل هذه المساواة العامّة تقتضي المساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة؟ وهل تتناقضُ مع الاختلاف في الصفات الجسديّة والنفسيّة وما يترتّب على ذلك من اختلاف في الوظائف والمهام؟
بين المساواة المطلقة والاختلاف الفطري
خلق الله تعالى البشر زوجين اثنين ذكرًا وأنثى، ولو كانا يتّصفان بصفاتٍ متطابقة تطابقًا مطلقًا، وكانت المساواة بينهما مطلقة، لكان خلقُهما مختلفَين في الجنس نوعًا من العبث والله تعالى منزّه عن العبث فما هي القيمةُ المضافة في كونهما مختلفَين جنسًا ومتطابقَين مطلقًا في الصّفات والإمكانات؟!!
إنّ المساواة المطلقة التي يهتف بها البعض ويرفعها شعارًا مستحيلة التّطبيق في المجتمعات الإنسانيّة كلّها، ولو تمّ فرضُها في المجتمع عن طريق الجبر فلن يجني المجتمع إلّا التّنافر بين الرّجل والمرأة، إذ إنّ العلاقة بينهما على وفق هذا الاختلاف في التّكوين هي علاقة تكامل وظيفيّ، فإن تطابقت وظائفُهما فلا يمكن أن تكون النّتيجة إلّا التّنافر بينهما مما يؤدّي إلى هدم المجتمع البشري مع الزّمن.
وهذا المعنى يقرّره الإسلام كما تقرّ به شرائح غير يسيرة من الحركة النسويّة نفسها التي تذود عن شعار المساواة بوصفه الرّكيزة الرّئيسة لدعوتها.
ومن هؤلاء أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة شيكاغو آيريس ماريون يونغ (توفيت 2006م) وهي منظّرة سياسيّة أمريكية، ونسوية اشتراكية أسّست تيّارًا نسويًّا كان يرى أنّ المرأة تتعرّض للظّلم والإجحاف من خلال المساواة المطلقة مع الرّجال، وكانت "آيريس ماريون يونغ" تدعو إلى المساواة في الفرص بين المرأة والرّجل وليس المساواة المطلقة، فالمساواة المطلقة تضيع حقوقَ المرأة بينما المساواة في الفرص هي التي تضمن تحقيق العدالة لها.
وفي مقالة بعنوان "هل تحتاج المرأة إلى المساواة أم إلى العدالة" تقول الكاتبة أماني السّنوار: "ترفض يونغ وتيّارات وازنة في الحركة النّسوية فكرة أن تحظى المرأة بنفس شروط العمل التي يحصل عليها الرّجال، لأنّ حاجتها مثلًا إلى إجازة أمومة طويلة ومدفوعة الرّاتب لا يمكن التّفاوض عليها، وهو ما لا تقدّمه جميع شركات القطاع الخاص في الولايات المتّحدة.
وكذلك الحال في ما يتعلّق بضرورة توفير مرافق رعاية الأطفال في أماكن العمل والدّراسة وإجازات ساعيّة للأمّهات العاملات من أجل الرّضاعة الطّبيعية، ومن دون الاعتراف بهذه "الحاجات الخاصة" وتوفيرها لن نستطيع القول إن المرأة تحظى بتكافؤ فرص مع الرجال." ا.ه
إنّ واقع الحال حتّى في الشرائح التي ترفع صوتها مناديةً بالمساواة المطلقة بين الرّجل والمرأة يكشف عن عوار هذه الدّعوى؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر نرى النّساء الرياضيّات اليوم يرفعن أصواتهن عاليًا للمطالبة برفض إشراك المتحولين جنسيًّا في الرّياضات النسائيّة، فضلًا عن رفضهنّ المطلق المساواة مع الرجال في المسابقات الرّياضيّة المختلفة؛ فلا توجد فِرَق مشتركة من الرّجال والنّساء، ولا تقام مباريات تنافسيّة بين الرّجال والنّساء في الرياضات المختلفة، ولا تقبل النّساء بهذا أصلًا، وفي هذا إقرارٌ ضمنيّ بنفي القول بالمساواة المطلقة.
تثور المعارك في مسألة المساواة بين الرّجل والمرأة لأنه يتمّ أخذ المسألة إلى لازمٍ غير منطقيّ، وهو أنّ عدم المساواة بين الرّجل والمرأة يقتضي أفضليّة الرّجل على المرأة، فتستشعرُ شريحة من النساء وشريحة من الرّجال أنّ مسألة المساواة معركةٌ لإثبات الذّات والانتصار للجنس وما هي في الحقيقة سوى معركةٍ عبثيّة لا منتصر فيها.
إنّ الاختلاف بين الرجل والمرأة في التّكوين والقدرات البدنيّة يقتضي أن تكون العلاقة بين الرّجل والمرأة علاقة تكامل وظيفيّ لا صراعٍ صفريّ، وهي لا تعني على الإطلاق الأفضليّة لأحدهما على الآخر، فمعيار الأفضليّة مفقود منطقيًّا في هذه المعادلة، أنّما هو تفاضلٌ في الصّفات يقود إلى التّكامل في الأعمال وأداء المهام، وقد فصّل المفكّر الكبير علي عزت بيغوفيتش القول في هذه الجزئيّة بشكٍل عميق في كتابه "عوائق النّهضة الإسلاميّة" إذ يقول:
" هل يُقرِّر الإسلام مساواة الرّجل بالمرأة؟ الجواب: نعم ولا
نعم، إذا تحدَّث عن المرأة باعتبارها شخصيّة إنسانيّة ذات قيمة شخصيّة مساوية تتحمّل واجباتٍ أخلاقيّة وإنسانيّة.
لا، إذا كان الأمر يتعلّق بالتّساوي في الوظائف والدّور في الأسرة والمجتمع، كما يُفهم معنى المساواة في أوربا عادة.
ويمكن تصوّر قضيّة التفوق أو الدّونية فقط بين أشياء من جنسٍ واحد، والمرأة ليست أعلى ولا أدنى؛ لأنها بكلِّ بساطة مُختلفة عن الرّجل؛ لذلك تسقط المقارنة، ومن ثمّ يسقط تحديد الأعلى أو الأدنى. فلا معنى للسّؤال: أيّهما أهمّ: القلب أم الرّئة؟ لأنّ كلًا من العضوين لا يمكن أن يقوم بوظيفة الآخر، بل إنّ الاختلاف بينهما يُعطي قيمةً خاصّة لأحدهما بالنّسبة للآخر.
ولننتبه هُنا إلى الحقيقة التّالية: إنّ الواجبات التي يفرضها القرآن متساوية تمامًا في حقِّ الرّجل والمرأة، ولا فرق بين الرّجل والمرأة في أداء الواجب وتحمّل المسؤولية عن أداء أركان الإسلام الخمسة: النُّطق بالشهادتين، الصّلاة، الصّوم، الزّكاة، الحجّ، وكذلك الأمر بالنّسبة للواجبات الأخلاقيّة التي يُطالب بها القرآن الكريم صراحةً أو بطريق غير مُباشر، إذن، فالمسؤوليّة متساوية بناءً على أنّ القيمة متساوية؛ لأنّ كلّ قانون يجعل القيمة أساس المسؤولية" ا.ه
ما دامت المساواة المطلقة تجحف بالمرأة وتضيع الكثير من حقوقها؛ فقد كان إقرار الحقوق والواجبات والتكليفات العمليّة التفصيليّة في الإسلام ينبع من مشكاة العدل والإنصاف.
فالإنصاف يقتضي أن المساواة في التّشريعات تكونُ حيثُ وجدت الصّفات المتطابقة، وهو يقتضي كذلك الاختلاف في هذه التّشريعات حيث اختلفت الصّفات، ويكون التّطابق والاختلاف في التّشريعات متناسبًا مع نسبة التّطابق والاختلاف بين صفات الرّجل والمرأة في كلّ قضيّة من القضايا التفصيليّة، وقد نبّه إلى هذا المعنى الإمام الطّاهر بن عاشور؛ إذ يقول في كتابه "مقاصد الشريعة الإسلاميّة":
"الإسلام دين الفطرة، فكلّ ما شهدت الفطرة بالتّساوي فيه بين المسلمين فالتّشريع يفرض فيه التّساوي بينهم، وكلّ ما شهدت الفطرة بتفاوت البشريّة فيه، فالتّشريع بمعزلٍ عن فرضِ أحكامٍ متساويةٍ فيه"ا.ه
ويقول في موضع آخر من الكتاب نفسه: "فالمساواة في التّشريع أصلٌ لا يتخلّف إلَّا عند وجود مانع، فلا يحتاج إثباتُ التّساوي في التّشريع بين الأفراد أو الأصناف إلى البحث عن موجب المساواة، بل يكتفى بعدم وجود مانعٍ من اعتبار التّساوي، ولذلك صرّح علماء الأمة بأنّ خطاب القرآن بصيغة التّذكير يشمل النّساء، ولا تحتاج العباراتُ من الكتاب والسّنة في إجراء أحكام الشّريعة على النّساء إلى تغيير الخطاب من تذكير إلى تأنيث ولا عكسَ ذلك" ا.ه
وهنا لا بدّ من التّنبيه إلى أنّه إذا كانت المجتمعات المسلمة أو غير المسلمة قد ذهبت إلى تكريس الظّلم، وتوسيع مساحة التّمييز بين الّرجل والمرأة بصور متعسّفة لا علاقة لها بالإسلام وتشريعاته العادلة، فمن الظلم للمرأة في المقابل أيضًا أن تكون ردّة الفعل هي الذّهاب إلى فرض المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، فكلاهما تعسّفٌ متطرّف، والتّوازن إنّما يكمن في التّشريع الإسلاميّ الذي راعى جانب المساواة وجوانب الاختلاف بين الرّجل والمرأة في التّشريعات تطابقًا واختلافًا، "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" المائدة:50
……………..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.