رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    هل تتغير أسعار الفائدة على الشهادات الادخارية في البنوك بعد قرار البنك المركزي ؟    الشباب وتحديات اكتساب المهارات الخضراء لمواجهة تغير المناخ| تقرير    الأمم المتحدة: تهجير واسع ومقتل مئات المدنيين في غزة    الإمارات تدين إطلاق القوات الإسرائيلية النار على وفد دبلوماسي في جنين    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل في دير البلح بغزة    عبد الله السعيد يؤدي برنامجاً تأهيلياً في الزمالك    وزير الرياضة ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من تطوير استاد المنصورة    اضطراب الملاحة وأجواء حارة.. الأرصاد تعلن طقس الجمعة بدرجات الحرارة    جهات التحقيق تعاين مقر شركة دار التربية بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون    أول تعليق من مايان السيد بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    عائلات الأسرى الإسرائيليين: وقف المفاوضات يسبب لنا ألما    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    المبعوث الأمريكى يتوجه لروما غدا لعقد جولة خامسة من المحادثات مع إيران    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    وزير الرياضة: تطوير مراكز الشباب لتكون مراكز خدمة مجتمعية    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    بعد ارتباطه بالأهلي.. كوتيسا ينضم إلى أيك أثينا اليوناني بصفقة انتقال حر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    وزير الخارجية يؤكد أمام «الناتو» ضرورة توقف اسرائيل عن انتهاكاتها بحق المدنيين في غزة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها وجهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية (تفاصيل)    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر تحكيم شرع الله تعالى على الدَّولة العثمانيَّة في زمن السُّلطان محمَّد الفاتح

إِنَّ التأمُّل في كتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي حياة الأمم والشُّعوب تكسب العبد معرفةً أصيلةً بأثر سنن الله في الأنفس، والكون، والآفاق، وكتاب الله تعالى مليءٌ بسننه، وقوانينه المبثوثة في المجتمعات، والدُّول، والشُّعوب، قال تعالى:{يُرِيدُ 0للَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ 0لَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَ0للَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ } [سورة النساء:26].
وسنن الله تتَّضح بالتَّدبُّر في كتاب الله، وفيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقتنص الفرص، ويستفيد من الأحداث ليرشد أصحابه إِلى شيءٍ من السُّنن، ومن ذلك: أنَّ ناقته عليه الصَّلاة والسَّلام «العضباء» كانت لا تُسبق، فحدث مرَّةً أن سبقها أعرابيٌّ على قعودٍ له، فشقَّ ذلك على أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم عليه الصَّلاة والسَّلام كاشفاً عن سنَّةٍ من سنن الله: «حقٌّ على الله أن لا يرفع شيئاً من الدُّنيا إِلا وضعه».
وقد أرشدنا كتاب الله إِلى تتبُّع آثار السُّنن في الأمكنة بالسَّعي، والسَّيْر، وفي الأزمنة من التَّاريخ، والسِّير، قال تعالى: {قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي 0لۡأَرۡضِ فَ0نظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ 0لۡمُكَذِّبِينَ 137هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ 138} [آل عمران: 137 138].
وأرشدنا القرآن الكريم إِلى معرفة السُّنن بالنَّظر، والتَّفكُّر، قال تعالى: {قُلِ 0نظُرُواْ مَاذَا فِي 0لسَّمَٰوَٰتِ وَ0لۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِي 0لۡأٓيَٰتُ وَ0لنُّذُرُ عَن قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ 101فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ 0لَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَ0نتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ 0لۡمُنتَظِرِينَ 102} [يونس: 101 102].
ومن خلال آيات القرآن يظهر لنا: أنَّ السُّنن الإِلهيَّة تختصُّ بخصائص:
أوَّلاً: إِنَّها قدرٌ سابقٌ:
قال تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى 0لنَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ 0للَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ 0للَّهِ فِي 0لَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ 0للَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا 38} [سورة الأحزاب:38].
أي: أنَّ حكم الله تعالى، وأمره الَّذي يقدِّره كائنٌ لا محالة، وواقعٌ لا حياد عنه، ولا معدل، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
ثانيًا: إِنَّها لا تتحوَّل، ولا تتبدَّل:
قال تعالى: {لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ 0لۡمُنَٰفِقُونَ وَ0لَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَ0لۡمُرۡجِفُونَ فِي 0لۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا 60مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا 61} [الأحزاب: 60 61].
وقال تعالى: {وَلَوۡ قَٰتَلَكُمُ 0لَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ 0لۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا 22سُنَّةَ 0للَّهِ 0لَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ 0للَّهِ تَبۡدِيلٗا 23} [الفتح: 22 23].
ثالثًا: إِنَّها ماضية لا تتوقَّف:
قال تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ 0لۡأَوَّلِينَ 38} [سورة الأنفال:38] .
رابعاً: إنَّها لا تُخالَف، ولا تنفع مخالفتُها:
قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثارا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاق بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 82 85].
خامساً: لا ينتفع بها المعاندون، ولكن يتَّعظ بها المتَّقون:
قال تعالى: {قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي 0لۡأَرۡضِ فَ0نظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ 0لۡمُكَذِّبِينَ 137هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ 138} [آل عمران: 137 138].
سادساً: إنَّها تسري على البَرِّ والفاجر:
فالمؤمنون، والأنبياء أعلاهم قدراً تسري عليهم سنن الله، ولله سننٌ جاريةٌ تتعلَّق بالآثار المترتِّبة على من امتثل أمر الله، أو أعرض عنه، وبما أنَّ العثمانيِّين التزموا بشرع الله في كلِّ شؤونهم، ومرُّوا بمراحل طبيعيَّةٍ في حياة الدُّول، فإِنَّ أثر حكم الله فيهم واضحٌ بيِّن.
وللحكم بما أنزل الله آثار دنيويَّة، وأخرى أخرويَّةٌ. أمَّا الآثار الدُّنيويَّة الَّتي ظهرت لي من خلال دراستي للدَّولة العثمانيَّة؛ فإِنَّها:
أوَّلاً: الاستخلاف، والتَّمكين:
حيث نجد العثمانيِّين منذ زعيمهم الأوَّل عثمان حتَّى محمَّد الفاتح، ومن بعده حرصوا على إقامة شعائر الله على أنفسهم، وأهليهم، وأخلصوا لله في تحاكمهم إِلى شرعه، فالله سبحانه وتعالى قوَّاهم، وشدَّ أزرهم، واستخلفهم في الأرض، وأقام العثمانيُّون شريعة الله في الأرض الَّتي حكموها، فمكَّن لهم المولى عزَّ وجل الملك، ووطَّأ لهم السُّلطان.
وهذه سنَّةٌ ربَّانيَّةٌ نافذةٌ لا تتبدَّل في الشُّعوب والأمم؛ الَّتي تسعى جاهدةً لإقامة شرع الله.
وقد خاطب تعالى المؤمنين من هذه الأمَّة واعداً إِيَّاهم بما وعد به المؤمنين قبلهم، فقال سبحانه في سورة النُّور: {وَعَدَ 0للَّهُ 0لَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ 0لصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي 0لۡأَرۡضِ كَمَا 0سۡتَخۡلَفَ 0لَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ } [سورة النور:55] من بني إِسرائيل.
ولقد حقَّق العثمانيُّون الإِيمان، وتحاكموا إِلى شريعة الرَّحمن، فأتتهم ثمرة ذلك، وأثره الباقي: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ 0لَّذِي 0رۡتَضَىٰ لَهُمۡ } [سورة النور:55]فحقَّقوا التَّحاكم إِلى الدِّين، فتحقَّق لهم التَّمكين.
ثانياً: الأمن والاستقرار:
كانت بلاد آسيا الصُّغرى مضطربةً، وكثرت فيها الإِمارات المتنازعة، وبعد أن أكرم الله تعالى العثمانيِّين بتوحيد تلك الإِمارات، وتوجيهها نحو الجهاد في سبيل الله تعالى؛ يسَّر الله للدَّولة العثمانيَّة الأمن، والاستقرار في تلك الرُّبوع الَّتي حكم فيها شرع الله؛ حيث نجد: أنَّ الدَّولة العثمانيَّة بعد أن استُخلفت مكَّن الله لها، وأعطاها دواعي الأمن، وأسباب الاستقرار؛ حتَّى تحافظ على مكانتها.
وهذه سنَّةٌ جاريةٌ ماضيةٌ ضَمِن الله لأهل الإِيمان والعمل بشرعه، وحكمه أن ييسِّر لهم الأمن؛ الَّذي ينشدون في أنفسهم، وواقعهم، فبيده سبحانه مقاليد الأمور، وتصريف الأقدار، وهو مقلِّب القلوب، والله يهب الأمن المطلق لمن استقام على التَّوحيد، وتطهَّر من الشِّرك بأنواعه، قال تعالى: {0لَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ 0لۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ 82} [سورة الأنعام:82] .
فنفوسهم في أمنٍ من المخاوف، ومن العذاب، والشَّقاء؛ إِذا خلصت لله من الشِّرك: صغيره، وكبيره. إِنَّ تحكيم شرع الله فيه راحةٌ للنُّفوس؛ لكونها تمسُّ عدل الله، ورحمته، وحكمته.
إِنَّ الله تعالى بعد أن وعد المؤمنين بالاستخلاف، ثمَّ التَّمكين لم يحرمهم بعد ذلك من التأمين، والتَّطمين، والبعد عن الخوف، والفزع.
إِنَّ العثمانيِّين عندما حقَّقوا العبوديَّة لله، ونبذوا الشِّرك بأنواعه؛ حقَّق الله لهم الأمن في النُّفوس على مستوى الشَّعب والدَّولة.
ثالثاً: النَّصر، والفتح:
إِنَّ العثمانيِّين حرصوا على نصرة دين الله بكلِّ ما يملكون، وتحقَّقت فيهم سنَّة الله في نصرته لمن ينصره؛ لأنَّ الله ضمن لمن استقام على شرعه أن ينصره على أعدائه بعزَّته، وقوَّته، قال تعالى: { وَلَيَنصُرَنَّ 0للَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ 0للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 40\0لَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي 0لۡأَرۡضِ أَقَامُواْ 0لصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ 0لزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِ0لۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ 0لۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ 0لۡأُمُورِ 41} [الحج: 40 41].
«وما حدث قطُّ في تاريخ البشريَّة أن استقامت جماعةٌ على هدي الله إِلا منحها القوَّة، والمنعة، والسِّيادة في نهاية المطاف.. إِنَّ الكثيرين ليشفقون من اتِّباع شريعة الله، والسَّير على هداه، يشفقون من عداوة أعداء الله، ومكرهم، ويشفقون من تألُّب الخصوم عليهم، ويشفقون من المضايقات الاقتصاديَّة، وغير الاقتصادية، وإِن هي إِلا كأوهام قريش يوم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِن نَّتَّبِعِ 0لۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ } [سورة القصص:57] فلمَّا اتَّبعت هدى الله؛ سيطرت على مشارق الأرض ومغاربها في ربع قرنٍ، أو أقلَّ من الزَّمان».
إِنَّ الله تعالى أيَّد العثمانيِّين على الأعداء، ومنَّ عليهم بالفتح، فَتْح الأراضي، وإِخضاعها لحكم الله تعالى، وفَتْح القلوب، وهدايتها لدين الإِسلام. إِنَّ العثمانيِّين عندما استجابوا، وانقادوا لشريعة الله؛ جلبت لهم الفتح، واستنزلت عليهم نصر الله.
إِنَّ الشعوب الإِسلاميَّة الَّتي تبتعد عن شريعة الله تذلُّ نفسها في الدُّنيا، والآخرة.
إِنَّ مسؤوليَّة الحكَّام، والقضاة، والعلماء، والدُّعاة في الدَّعوة إِلى تحكيم شرع الله مسؤوليَّةٌ عظيمةٌ يُسألون عنها يوم القيامة أمام الله: (إِذا حكم ولاة الأمر بغير ما أنزل الله، وقع بأسهم بينهم…) وهذا أعظم أسباب تغيُّر الدُّول كما جرى هذا مرَّةً بعد مرَّةٍ في زماننا، وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك مَنْ أيَّده الله، ونَصَره، ويجتنب مسلك مَنْ خذله الله، وأهانه؛ فإِنَّ الله يقول في كتابه: { وَلَيَنصُرَنَّ 0للَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ 0للَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ 400لَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي 0لۡأَرۡضِ أَقَامُواْ 0لصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ 0لزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِ0لۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ 0لۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ 0لۡأُمُورِ 41} [الحج: 40 41] فقد وعد بنصره مَنْ ينصره، ونصره هو نصر كتابه، ودينه، ورسوله، لا نصر مَنْ يحكم بغير ما أنزل الله، ويتكلَّم بما لا يعلم».
رابعاً: العزُّ والشَّرف:
إِنَّ عزَّ العثمانيِّين، وشرفهم العظيم الَّذي سُطِّر في كتب التَّاريخ يرجع إِلى تمسُّكهم بكتاب الله، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم. إِنَّ من يعتزُّ بالانتساب لكتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم الَّذي به تشرف الأمَّة، وبه يعلو ذكرها وضع رجله على الطَّريق الصَّحيح، وأصاب سنَّة الله الجارية في إِعزاز، وتشريف مَنْ يتمسَّك بكتابه، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ 10} [سورة الأنبياء:10].
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: «فيه شرفكم». إِنَّ العثمانيِّين استمدُّوا شرفهم، وعزَّهم من استمساكهم بأحكام الإِسلام، كما قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه : «إِنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ، فأعزَّنا الله بالإِسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزَّنا الله؛ أذلَّنا الله».
فعمر رضي الله عنه كشف لنا بكلماته عن حقيقة الارتباط بين حال الأمَّة عزَّاً وذُلاً مع موقفها من الشَّريعة إقبالاً، وإِدباراً، فما عزَّت في يومٍ بغير دين الله، ولا ذلَّت في يومٍ إِلا بالانحراف عنه. قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ 0لۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ 0لۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ } [سورة فاطر:10] يعني: من طلب العزَّة؛ فليعتزَّ بطاعة الله، عزَّ وجل.
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ 0لۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ 0لۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ } [سورة المنافقون:8].
إِنَّ سيرة سلاطين العثمانيِّين من أمثال عثمان الأوَّل، ومراد، ومحمَّد الفاتح تبيِّن لنا اعتزازهم بالإِسلام، وحبَّهم للقرآن، واستعدادهم للموت في سبيل الله، ولقد عاشوا في بركةٍ من العيش، ورغد من الحياة الطَّيبة، وما نالوا ذلك إِلا بإقامة دين الله. قال تعالى: {وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ 0لۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَ0تَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ 0لسَّمَآءِ وَ0لۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ 96} [سورة الأعراف:96].
خامساً: انتشار الفضائل، وانزواء الرَّذائل:
لقد انتشرت الفضائل في زمن محمَّد الفاتح، وانحسرت الرَّذائل؛ فخرج جيلٌ فيه نبلٌ، وكرمٌ، وشجاعةٌ، وعطاءٌ، وتضحيةٌ من أجل العقيدة والشَّريعة، متطلعاً إِلى ما عند الله من الثَّواب، ويخشى ما عنده من العقاب. لقد استجاب ذلك المجتمع بشعبه، ودولته، وحكَّامه إِلى ما يحبُّه الرحمن، وإِلى تعاليم الإِسلام.
إِنَّ آثار تحكيم شرع الله في الشُّعوب، والدُّول الَّتي نفَّذت أوامر الله، ونواهيه ظاهرةٌ بيِّنةٌ لدارس التَّاريخ، وإِنَّ تلك الآثار الطَّيبة الَّتي أصابت الدَّولة العثمانيَّة لهي من سنن الله الجارية، والَّتي لا تتبدَّل، ولا تتغيَّر، فأيُّ شعبٍ يسعى لهذا المطلب الجليل، والعمل العظيم؛ يصل إِليه ولو بعد حينٍ، ويرى آثار ذلك التَّحكيم على أفراده، وحكَّامه، ودولته.
إِنَّ الغرض من الأبحاث التَّاريخيَّة الإِسلاميَّة الاستفادة الجادَّة من أولئك الَّذين سبقونا بالإِيمان في جهادهم، وعلمهم، وتربيتهم، وسعيهم الدَّؤوب لتحكيم شرع الله، وأخذهم بسنن التَّمكين، وفقه ومراعاة التَّدرُّج والمرحليَّة، والانتقاء من أفراد الشَّعب، والارتقاء بهم نحو الكمالات الإِسلاميَّة المنشودة.
إِنَّ الانتصارات العظيمة في تاريخ أمَّتنا يجريها الله تعالى على يدي مَنْ أخلص لربِّه، ودينه، وأقام شرعه، وزكَّى نفسه، ولهذا لن يأتيَ فتحٌ عظيمٌ، وفتحٌ مبينٌ إِلا لمن توافرت فيهم صفات جيل التَّمكين؛ الَّتي ذكرت في القرآن الكريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.