في رسالة تحدٍّ جديدة لقائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي أعلنت إثيوبيا أنها مستعدة لحماية سد النهضة ومواجهة أى هجوم عليه. وقالت إثيوبيا إنها في وضع قوي وتمتلك كل الإمكانات للدفاع عن السد ودحر أى عدو يهاجمه أو يحاول الاعتداء عليه، مشيرة إلى أنها تدرك التهديدات المحيطة بسد النهضة وأنها في حالة تأهب قصوى لإجهاض هذه التهديدات. وكشف الجنرال يلما مرداسا قائد القوات الجوية الإثيوبية عن قدرة قواته في تأمين سد "النهضة". وقال مرداسا في تصريحات لوسائل إعلام إثيوبية: لا يمكن حتى لطائر أن يمر بدون إذن منا، مؤكدًا تأمين المحيط الخاص بسد النهضة بشكل كبير من قبل سلاح الجو الإثيوبي. ولفت إلى أنه يتم تأمين السد على مدار اليوم، وخلال الأربعة والعشرين ساعة، وكذلك أيام الأسبوع السبعة. مشيرًا إلى نشر وانتشار القوات الجوية لحماية سد النهضة الإثيوبي.
لا هجوم على السد واستبعد مرداسا شن أي هجوم على السد من أي عدو على حد تعبيره، مؤكدًا أن هناك خطة محكمة لصد أي هجوم على السد أو محاولة المساس به. وشدد على أن لدى إثيوبيا القوة والقدرة والاستعداد لتأمين المصالح الخاصة بها، مشيرًا إلى أن القوات الجوية الإثيوبية مجهزة بشكل أفضل من أي وقت مضى بأعضائها وأفرادها والتكنولوجيا الحديثة. وحول إمكانات القوات الجوية الإثيوبية، أكد مرداسا أنهم يمتلكون طائرات ومقاتلات لديها القدرة على الطيران لمسافات بعيدة وفي مدة زمنية أكبر من 4 ساعات، كما تم إنشاء نظام لمراقبة وإعطاء الأوامر وتنفيذ مهام القوات الجوية الإثيوبية من خلال مركز عمليات واحد. وأشار إلى أن القوات الجوية تدرك تماما أهمية حماية سد النهضة الإثيوبي الكبير من أي هجوم، كما تؤمّن أيضًا المشاريع الكبرى الأخرى، مؤكدا أن القوات الجوية الإثيوبية ستحول وتمنع أي عمليات تحرش بمصالح إثيوبيا العليا وستمنع أي هجوم. لن نرضخ كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قد رد على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي توقع فيها أن تقوم مصر بتفجير سد النهضة بسبب الأضرار التي يسببها لها، وعدم التزام إثيوبيا بالاتفاقات التي أجريت بين الطرفين وكانت أمريكا وسيطًا فيها. وقال "آبي أحمد" فى بيان لمكتب رئيس الوزراء الإثيوبى إنه لا توجد قوة على الأرض تمنعنا من استكمال بناء سد النهضة. وشدد على أن توجيه تهديدات إلى بلاده بشأن سد النهضة أسلوب خاطئ ومخالف للقانون الدولي وأديس أبابا لن ترضخ لها. واعترف آبي أحمد، بأن هناك تحديات تواجه مشروع سد النهضة، لكنه أكد ضرورة حلها، وقدرة بلاده على ذلك.
تصريح إجرامي كما وصف دينا مفتي السفير الإثيوبي السابق في القاهرة والمتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن احتمال قيام مصر بتفجير سد النهضة، بأنه تصريح إجرامي. وشدد مفتي في تصريحات صحفية على حق بلاده في استخدام مصادرها الطبيعة، للاستفادة منها ولتحقيق طموحات الشعب الإثيوبي. وقال إنه ليس من حق دول أخرى أن تملي على إثيوبيا أوامرها، معتبرا أن التهديد بتفجير سد دولة ذات سيادة، أمر مبالغ فيه وليس هناك أي قوة في العالم يمكن أن توقِف إثيوبيا.
موقف تحريضي وقال ديفيد شن السفير السابق للولايات المتحدة في إثيوبيا إن تصريحات ترامب عن تفجير سد النهضة تكشف أن أمريكا تخلت عن دور الوسيط، وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها واشنطن موقفا منحازا لمصر. وأعرب عن تعجبه من تصريحات ترامب بشأن سد النهضة، حيث اتخذت أمريكا موقفا تحريضيا بدل تشجيع البلدين على التوصل إلى حلول سلمية. وأشار إلى أن التصريحات الأمريكية تعقد الأمور بشكل أكبر، فالإشارة إلى إمكانية تفجير السد ليس من مصلحة أمريكا، واصفا الحديث عن خيار التفجير بالأمر السخيف. الخيار العسكرى فى المقابل استبعد عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى اللجوء إلى الخيار العسكرى أو حتى التفكير فى ضرب سد النهضة الإثيوبى. وزعم السيسي خلال افتتاح مصنع للغزل والنسيج مؤخرا تفهمه لقلق المصريين المشروع من أزمة سد النهضة، لكنه طمأنهم بسبب عدالة القضية، وطالبهم بالمزيد من العمل كلما زاد القلق، مضيفا: لا أحد يستطيع أن يأخذ أكل الأسد، والأسد ليس بالكلام، كل واحد في موقعه يكون أسدا صغيرا، كلنا نكون أسدا كبيرا قويا، وهكذا لن يستطيع أحد أن يجور على حقوقنا في الحياة وليس في المياه فقط، وفق تعبيره. ورفض السيسي التهديد بالعمل العسكري، منتقدا حديث وسائل الإعلام المصرية عن عمل عسكري بخصوص سد النهضة، زاعما أن مصر في معركة حقيقية هي معركة التفاوض التي ستطول، لكن في النهاية لن توقع مصر على أي شيء ضد مصالحها بحسب تصريحاته. وأضاف أن مصلحة مصر هي أن تستفيد كل الدول من نهر النيل، وأن يتم تقسيم الأضرار على الجميع لا على طرف واحد، متابعا يجب أن يكون ذلك هو توجهنا الإعلامي، وليس الحديث عن عمل عسكري، لأن الخير يأتي من هناك.
رسالة تحذير وحول تصريحات ترامب وموقف السيسي والرد الإثيوبى كشف اللواء نصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري، أن قضية سد النهضة لها بداية، حيث حدثت من قبل في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1979، حينما أعلن الرئيس الراحل عزمه مد مياه النيل إلى سيناء لاستصلاح 35 ألف فدان، ما أثار غضب إثيوبيا، ولذلك تقدمت حكومتها بشكوى رسمية ضد مصر، وهددت بإنشاء سدود تعرقل وصول المياه إلى مصر. ورد السادات قائلا: “طالما يريدون أن نموت من العطش هنا في مصر فالأجدر بنا أن نذهب لنموت عندهم في إثيوبيا”. واعتبر سالم فى تصريحات صحفية حديث ترامب عن تفجير سد النهضة، بمثابة رسالة تحذير واضحة وقوية لا لبس فيها، كي يغير الإثيوبيون موقفهم المتعنت في المفاوضات التي استغرقت 9 سنوات، مشيرا إلى أنه يمكن اعتبارها “رسالة ضغط” كي لا تستمر أديس أبابا في موقفها، وتعي أن أمريكا نفسها والإدارة الحاكمة لن تقبل هذا الموقف منها، وأنها تؤيد مصر في أي خطوات قد تتخذها لحماية أمنها المائي. وقال إن نظام السيسي لن يلجأ لهذا الخيار وقد يستمر في المفاوضات مهما طالت، للوصول لاتفاق قانوني ملزم، مشيرا إلى أن هذا النظام لا يلجأ للأساليب العسكرية لحل نزاعاته، مضيفا لكن هذا لا يعني أن يستمر النزاع للأبد، وتنتظر مصر حتى تجد نفسها محرومة من المياه فوقتها قد تتغير المعادلة وقد تلجأ للخيار الذي لابد منه لحماية الأمن المائي. وأوضح أن تصريحات ترامب رسالة لإثيوبيا للعودة للاتفاق الذي رعته واشنطن وكان جاهزا للتوقيع في فبراير الماضي وتهربت منه أديس أبابا، حرصا على عدم اللجوء لحلول أخرى وحرصا على أمن واستقرار المنطقة، وهو هدف تسعى إليه واشنطن وتدعمه مصر. وأشار سالم إلى أن تصريحات ترامب كشفت للعالم كله أن إثيوبيا تناور وتعرقل الوصول لأي اتفاق سلمي، وأن محاولات حرمان المصريين من المياه تعني شن حرب تجويع وتعطيش لمصر وعندها سيكون هناك خيار آخر. توريط مصر فيما حذَّر الخبير العسكري اللواء متقاعد طلعت مسلّم من توريط بلاده في حرب مع إثيوبيا، مشددا على أن مسايرة الرئيس الأمريكي في حديثه عن تفجير السد ستمثل خطأ للقاهرة وليس لواشنطن. وقال مسلّم فى تصريحات صحفية إن تصريح ترامب خطير جدا لو تم اتخاذه في سياق صدوره من قبل رئيس أكبر دولة في العالم، معتبرا أن هذا التصريح نوع من الدعاية الانتخابية الضخمة من قبل ترامب، المعروف عنه مبالغته الكثيرة وعدم الدراسة الكافية لما يخرج منه. وأوضح أن تصريح ترامب يفيد مصر كثيرا من ناحية المساندة الأمريكية في المفاوضات، لكن ينبغى التعامل معه بحذر، وعدم الانسياق خلفه، مؤكدا أن ترامب لم يقصد منح مصر ضوءا أخضر لضرب السد أو توريطها في حرب مع إثيوبيا. وأشار مسلّم إلى أنه يمكن وضع هذا التصريح الخطير والمهم في سياقه خاصة في حال فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، بحيث يتم البناء عليه في إدارة الملف التفاوضي للسد، وعدم توقع أكثر من ذلك، محذرا من خطورة الانجرار لعمل عسكري. كما حذر من تداعيات نشوب حرب في المنطقة ذات الاستقرار الهش، قائلا: بخلاف آثارها الكبيرة، قد تتسبب في انهيار السد الإثيوبي وغرق قرى ومدن الصعيد.
تخبط سياسي وقال الباحث أحمد عطا الله إن إثيوبيا استغلت تخبط القرار السياسي بخصوص السد وعدم تبلور رأي حاسم تجاهه من جانب نظام الانقلاب لصالحها جيدًا رغم أزماتها الداخلية، مشيرا إلى أن أديس ابابا استطاعت إخراج نظام السيسي من حالة التفكير والتلويح بالقوة للاعتراف بالواقع وإجباره على الجلوس لطاولة المفاوضات. وأضاف عطا الله فى تصريحات صحفية أن نظام العسكر كان يفترض فيه إدراك المخاطر التي يشكلها بناء السد والطريقة الإثيوبية في فرضه كأمر واقع وتكتيل دول حوض النيل ضد مصر وتهديده لنظرياته الأساسية ومناطقه الأصيلة وأمنه القومي، مؤكدا أن عملية عسكرية ناجحة أو التلويح بها ربما كانت ستكون مصدرًا لشرعية نظام انقلابى فاقد للشرعية. وأشار إلى أنه في ظل عودة العالم إلى القوة العسكرية الصلبة في أكثر من حالة، فإن المبادرة بمثل تلك الضربة قد تطرح نظام الانقلاب باعتباره نموذجًا في الدفاع عن أمنه، وقد تعيد مصر لمكانتها، خاصة أن إثيوبيا تعاني أزمات داخلية وأزمات مع جيرانها لكن من المؤكد أن السيسي لن يلجأ إلى ذلك لأنه لا يهمه الدفاع عن مصر وثرواتها ونيلها. وخلص عطا الله إلى القول إن هناك معوقات قد تحول دون توجيه ضربة عسكرية لسد النهضة لكن هناك أسبابًا منطقية ومصالح سياسية تكافئها إن لم تكن أقوى وقد تدفع باتجاه تصعيدٍ يبدو أن له مؤيديه داخل نظام الانقلاب وفي الشارع المصري بوجه عام، خاصة بعد كل هذا الجدل حول جدوى التفاوض. وبعبارة الرئيس السادات «أن نذهب فنموت هناك خير من أن نموت هنا عطشًا».