نشرت صحيفة فورين بوليسي مقالا للكاتب أنس الغماتي، مؤسس ومدير معهد الصادق، وزميل سابق في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بشأن توقعاته للأزمة السياسية في ليبيا في ضوء التطورات الأخيرة. وقال الغماتي في مقاله الذي ترجمته "الحرية والعدالة" إن هجوم قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر الذي استغرق 14 شهراً للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس وخلْع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأممالمتحدة في يونيو فشل، وفقدت قواته الأراضي التي استغرقت ست سنوات للاستيلاء عليها. وأضاف أن هزيمته بدأت عندما شوهد المرتزقة الروس الذين يدعمون الجيش الوطني الليبي يتخلون عن الخطوط الأمامية، قبل أن ينهار فجأة الخط الخلفي الكامل لحفتر الممتد من طرابلس إلى مدينة سرت. وفي مواجهة الهزيمة العسكرية الصريحة، والظهيرين الدوليين المترددين، والعملية السياسية التي لم يعد في مقعد القيادة فيها، أصبح مستقبل حفتر – ومستقبل ليبيا كدولة موحدة – محل شك كبير. ومع بدء حفتر في فقدان أرضه، بدا سلوكه السياسي يائساً بشكل متزايد، وتحول تركيزه إلى بقائه السياسي وأهميته. وفي غضون أسابيع، قام حفتر بانقلاب عسكري فاشل على حلفائه السياسيين في شرق ليبيا ووعد بشن أكبر حملة جوية في التاريخ الليبي ضد حكومة الوفاق الوطني، قبل أن يتراجع فجأة ويعلن رغبته في عملية سلام جديدة وشاملة والعودة إلى المحادثات السياسية. وراء تصرفات حفتر غير المنتظمة هناك مجموعة من العوامل الدولية والمحلية التي كشفت عن ضعفه والتي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى وفاته، بالنسبة لحفتر، كان من المفترض أن تكون حملة طرابلس عملية برية سريعة للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني الضعيفة وتنصيبه كزعيم فعلي لليبيا. وبدلاً من ذلك، استمرت لأكثر من 14 شهراً، وخلال هذه الفترة تعزز موقف حكومة الوفاق الوطني عندما تلقت دعماً عسكرياً من تركيا، أصبحت العملية مكلفة بشكل لا يصدق بالنسبة للرعاة العسكريين لحفتر، الذين زودوه بآلاف الأطنان من الأسلحة والدفاعات الجوية والغارات الجوية دون أن يتمكنوا من الحصول على أرض. وقد أدى ذلك إلى خسارة كاملة للدعم العسكري من الإمارات العربية المتحدةوروسيا وإنهاء مغامرته في طرابلس بسرعة، لكنه تسبب أيضاً في ذعره وانقلب على الحلفاء السياسيين المنتخبين في معقله خوفاً من أن يتمكنوا من تهميشه في المفاوضات المستقبلية مع حكومة الوفاق الوطني. كما كشف فقدان الدعم الدولي عن الطبيعة المجزأة ل "الجيش الوطني ل LNA"، فحفتر لا يقود جيشاً مناسباً، وهو لا يثق حتى في القوات التي يسيطر عليها بما يكفي ليطلب منهم القتال نيابة عنه، وقد أُنشئ الجيش الوطني في البداية في عام 2014 باستخدام جماعات مسلحة قبلية في معظمها وانفصاليين كانوا يركزون أكثر على تشكيل السلطة المحلية، مما جعل من الصعب بشكل لا يصدق على حفتر ممارسة سلطته عليهم، وهذا يتناقض تناقضاً حاداً مع زعمه بأنه أمضى سنوات في بناء جيش وطني محترف يمكن تعبئته ونشره في جميع أنحاء البلاد بأقصى ما يمكن، وكشفت حملة طرابلس في نهاية المطاف أنه مهزلة، وبحلول نهاية الحملة، لم يتم العثور إلا على مرتزقة روس وسوريين يقاتلون على الخطوط الأمامية، وكان الجزء الأكبر من قوات حفتر إما اختفى أو لا يزال يتشاجر مع بعضها البعض في شرق ليبيا. وحتى في الجزء الشرقي من البلاد (الذي يعتبر معقله)، فإن سيطرة حفتر هشة للغاية، وقد حاولت عناصر من الجيش الوطني الإطاحة به، وسبق له أن اعتقل قادة رئيسيين، واغتال شخصيات قبلية مهمة، بل وزيف وفاته في عام 2018 وهذا النقص الأساسي في الثقة بين حفتر وجيشه وعجزه عن غزو طرابلس معهم أقنعا الداعمين الدوليين له بأن مصالحهم تكمن في مكان آخر. وعلى الرغم من تراجع نفوذ حفتر، لم تتخل الإمارات العربية المتحدة ولا روسيا ولا مصر عن مصالحها في ليبيا، بعد انسحابهم من طرابلس، سيطر المرتزقة الروس على حقول النفط الليبية لمنع حكومة الوفاق الوطني من استئناف صادرات الطاقة، ونشرت موسكو 16 طائرة نفاثة من سوريا إلى قاعدة جوية تسيطر عليها الآن بالقرب من سرت، كما استخدمت الإمارات قاعدتها الجوية السرية في شرق ليبيا لشن هجمات بطائرات بدون طيار ضد قوات حكومة الوفاق الوطني التي تتقدم على سرت، ورسمت خطاً في الرمال لمنع المزيد من الخسائر الإقليمية، وربما كان التهديد الأخير لعبد الفتاح السيسي بنشر قوات برية مصرية في الأراضي الليبية أوضح علامة على أن حلفاء حفتر لم يعودوا يثقون به لقيادة العمليات العسكرية. حتى أن السيسي استضاف رجال قبائل ليبيين في القاهرة لإعطاء غطاء سياسي لهذا القرار. وقد أظهرت القوى العسكرية الثلاث أنها مستعدة للذهاب إلى ذلك بمفردها، من دون حفتر. غير أن الحالة على أرض الواقع لا تزال في طريق مسدود، رغم جهودها، وقد اتخذت واشنطن خطوات هذا الأسبوع لتهدئة الوضع والدفع نحو بدء المفاوضات، التي قد تكون المسمار الأخير في نعش حفتر كقوة مهيمنة في السياسة الليبية. وقد رفضت حكومة الوفاق الوطني وتركيا بالفعل التفاوض مع حفتر، والآن بعد أن فقد كل مصداقية، قد تضطر الإمارات ومصر وروسيا إلى دعم شخصية بديلة لتمثيل الجيش الوطني الليبي في المحادثات، مثل حليف حفتر السياسي والقبلي عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي المقرب من الجماعات القبلية الشرقية داخل الجيش الوطني الليبي. ولكن لا يوجد حتى الآن مرشحون واضحون لاستبدالهم وقد تشير التقارير التي تفيد بأن حفتر يهرب الذهب سراً إلى الإمارات العربية المتحدة وسويسرا، خشية هذا الاحتمال. ومع رحيل حفتر ومن غير المرجح كسر الجمود العسكري، يبدو أن الخيار الأفضل لداعميه السابقين هو تقسيم البلاد، وقد أعلنت الجماعات القبلية والميليشيات التي تشكل البنية الأساسية ل"الجيش الوطني الليبي" بالفعل حكماً ذاتياً في عام 2013، لذا فمن المؤكد أن هناك شهية للتقسيم على الأرض. منذ أن أنشأت الأممالمتحدة حكومة الوفاق الوطني في عام 2016، أعلن شرق ليبيا الحكم الذاتي من خلال استخدام بنك مركزي مواز يستخدم العملة الروسية المزيفة المطبوعة، وإنشاء حكومته، وحتى تشكيل علاقات دبلوماسية منفصلة مع نظام بشار الأسد في سوريا وأكثر من ذلك، فإن داعمي حفتر السابقين في الإمارات العربية المتحدة لديهم سجل حافل في دعم الجماعات الانفصالية، وتحديداً في اليمن، لذا فإن هذا الخيار سيكون بالتأكيد في طليعة عقول صناع القرار السياسي الإماراتيين. إن هزيمة حفتر في طرابلس ستفتح جولة جديدة من عدم اليقين السياسي في ليبيا، ويبدو أن مراكز الأهداف قد تغيرت بشكل ملحوظ مصر وروسياوالإمارات العربية المتحدة ملتزمة بالاحتفاظ بموطئها في البلاد، لكن فقدان الثقة في حفتر يعني أن لديهم أمل ضئيل في بسط نفوذهم على البلاد بأكملها، وتنتظر محادثات السلام، لكنها تتوقع من حلفاء حفتر السابقين خفض خسائرهم والعمل على تقسيم شرق ليبيا. رابط التقرير: Could Libya Be Partitioned? iframe class="wp-embedded-content" sandbox="allow-scripts" security="restricted" style="position: absolute; clip: rect(1px, 1px, 1px, 1px);" title=""Could Libya Be Partitioned?" — Foreign Policy" src="https://foreignpolicy.com/2020/08/19/khalifa-haftar-libya-partition/embed/#?secret=8h845XECBl" data-secret="8h845XECBl" width="600" height="338" frameborder="0" marginwidth="0" marginheight="0" scrolling="no"