بعد الانتصار الكبير الَّذي حقَّقته حكومة الوفاق الشرعية في ليبيا بشكل مفاجئ وسريع، فطردت قوات الإرهابي خليفة حفتر من العاصمة طرابلس وترهونة وبني وليد، وبدأت تتقدَّم نحو المدن الأخرى شرقا وجنوبا، فوجئ الجميع بالمبادرة "اليائسة" التي أعلنها جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي بعد لقائه حفتر. وفيما يرى مراقبون أن السفيه السيسي متخوف من ضياع أطماعه الاقتصادية في ليبيا، ويسعى لأن يكون له نفوذ في المنطقة الشرقية، مشيرين إلى أن السفيه السيسي خسر الموانئ النفطية الليبية، خاصة وأنها كانت تقع تحت سيطرة حليفه المهزوم حفتر. خيرات المتوسط في هذا السياق أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، عن أن بلاده تقدمت بطلبات للحصول على تراخيص التنقيب عن النفط وإنتاجه في ليبيا، في إطار الاتفاقية الموقعة بين البلدين. وأوضح دونماز، في مقابلة تلفزيونية الاثنين، أنهم حددوا 7 مناطق للحصول على تراخيص التنقيب عن النفط فيها، مشيرا إلى أن عملية التعليق والإعلان ستستمر لمدة 3 أشهر. وأضاف أنه خلال فترة 3-4 أشهر ستبدأ أنشطة التنقيب، بعد تحليل مؤسسة البترول التركية البيانات، وأشار إلى أن سفينة التنقيب التركية "ياووز" أنهت ست عمليات حفر في شرق البحر الأبيض المتوسط حتى الآن، وأن العملية السابعة جارية في موقع "سلجوقلو-1". وذكر الوزير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، عبّرا عن رغبتهما في زيادة التعاون الثنائي في مجال التنقيب عن الغاز والنفط. وأضاف أن مؤسسة البترول التركية أصبحت لاعبا قويا في استكشاف النفط وإنتاجه في المنطقة، لافتا إلى وجود مفاوضات مستمرة للعمل مع الجزائر بدأت قبل وباء فيروس كورونا. اعتراض العصابة يشار إلى أن السفن التركية تواصل أنشطتها في التنقيب عن الطاقة، داخل الجرف القاري للبلاد، شرقي البحر المتوسط، وسط اعتراض من قبرص الرومية واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل. هنا نروي ما نقله الكاتب الناصري الراحل "محمد حسنين هيكل"، من أن عضو الوفد الإسرائيلي الكولونيل "زيون" همس في أذن أحد أعضاء الوفد المصري على هامش لقاءات الوفدين في واشنطن عام 1974م قائلًا: "لماذا تصر مصر على النظر إلى الشرق بينما حل مشاكلها في الغرب!"، مضيفًا: "ليبيا لديها احتياطي ضخم من النفط قادر على جعل مصر دولة غنية". ويبدو أن السادات راقت له الفكرة خاصة في ظل الفوارق الكبيرة من حيث الموارد البشرية والعتاد العسكري، إلا أن التحرك الفعلي على الأرض لم يتم إلا في عام 1977م عندما شنّت مصر غارات على أهداف ليبية، ورغم أن السادات قال إن الضربة "تأديبية" بسبب استفزازات القذافي، حيث أنه يقوم بتكديس سلاح سوفييتي على الحدود مع مصر. إلا أن نوايا السادات الحقيقية بقيت مجهولة، والراجح أنه تراجع عن فكرته التي ظن أنها ستلقى دعمًا أمريكيًا وغربيًا، غير أن أمريكا كانت أول الدول التي عارضت العدوان المصري على ليبيا، وكذلك فإن موقف معظم الدول العربي جاء رافضًا للخطوة المصرية، مما أجبره على التراجع. ذات الشيء حصل في عهد السفيه السيسي؛ فقد شهدت سلطة مؤسسة الجيش توسعًا غير مسبوق، وانغمست أكثر في الاقتصاد، مما فاقم مشكلة الخزينة المصرية التي أنهكتها الديون، وبهذا فإن السفيه السيسي على ما يبدو وجد في ليبيا الحل لمشكلته، خاصة أنه يحظى بشيك على بياض سواء من ناحية تغطية نفقات الحرب بواسطة دول خليجية، أو من خلال صمت سياسي لواشنطن وحلفائها عن العمليات التي يقوم بها الجيش المصري. وفي هذا فإن السفيه السيسي يبدو أنه يحاول إعادة رسم المشهد في ليبيا، فهو بالتأكيد ينظر إلى أن أي محاولة لإقامة حكومة مدنية هو خطر يهدد عرشه، وبالتالي فقد ظهرت الرغبة والحاجة إلى تحقيق استقرار سياسي وأمني على النموذج المصري يرعاه جنرال يشترك معه بالفكر العسكري القمعي، إضافة إلى أن حفتر- كما ظهر- لا يملك سلطة حقيقية وإنما ظهر بصورة بيدق تتقاذفه الأيدي، وبالتالي فإن مطامع السفيه السيسي وأهدافه تجاه حصة في النفط الليبي سيكون طريقها معبدًا إذا ما استتب الأمر للجنرال العجوز. التدخل المصري في ليبيا إذًا يحقق مصالح نظام السفيه السيسي في الدرجة الأولى، خاصة الاقتصادية، التي ستكون بمثابة طوق النجاة لاقتصاد عصابة الانقلاب المنهك بالديون والمتعثر وسط تغول مؤسسة الجيش، وبالتأكيد فإن هناك أطرافا أخرى عربية وأجنبية موعودة بحصة في النفط الليبي، وبالتالي فإن المصالح هنا التقت، وهذا بخلاف ما شهده السادات من عقبات إقليمية ودولية. بدوره قال الكاتب الصحفي الليبي عبد الله الكبير: إن أمام السفيه السيسي خيارات أسهل من ليبيا، "فمثلا؛ يمكن لروسيا أن تقدم له نفطا رخيص الثمن، مقابل مواقف سياسية مساندة، وكذلك إيران التي تسعى إلى تكريس الشقاق المصري السعودي في إطار صراعها مع الرياض". وأضاف أن "السيسي يمكن فعلا أن يلجأ للنفط الليبي، ولكن هناك عوائق أمامه بالطبع، فالمؤسسة الوطنية للنفط خاضعة للمجلس الرئاسي، وقد يكون الثمن السياسي مكلفا بالنسبة للسيسي، الذي لا يبدو أنه بصدد التخلي عن حليفه في ليبيا خليفة حفتر مقابل صفقة نفط". واستبعد المحلل السياسي الليبي خالد الغول، أن يقدم حفتر على خطوة مد نظام السفيه السيسي بالنفط؛ لأنه "إذا باع النفط بطرق غير قانونية؛ فسينفضح أمام الشعب الليبي، ومن ثم يضيع حلمه بأن يصبح رئيسا لليبيا".