باكستان ضمن دول العالم الإسلامي الموبوءة بالديكتاتورية العسكرية، مثل العراق، وسورية، والجزائر، ومصر، بل وتركيا قبل وصول الرئيس أردوغان للحكم، وتحتل المؤسسة العسكرية فيها الدور الأبرز في كل كبيرة وصغيرة، واختيار الرئيس، ويكفي الإشارة إلى أن الجيش الباكستاني حكم البلاد لفترات متقطعة لنصف عمرها كدولة مستقلة، ولهذا فان دعم المؤسسة العسكرية لرئيس الوزراء عمران خان كان مصدر ضعف لا قوة، حسب اراء معظم الخبراء في الشأن الباكستاني. وعندما استلم عمران خان منصب رئاسة الوزراء في باكستان، فرح الباكستانيون والبنغاليون والسريلانكيون، وأمضوا أوقاتًا طويلة في الأحاديث عنه، وكان الشعب الباكستاني بحاجة للسكينة والطمأنينة بعد انقلاب ضياء الحق الذي لم يكن له أي وجه حق، وإعدام ذو الفقار بوتو، واغتيال ابنته بينظير بعد أعوام، وتتابع حكومات عقيمة شلها الفساد وقادها رؤساء وزراء فاشلين. الاحتلال الخليجي "حضورك القمة الإسلامية مقابل سحب القرض السعودي"، تهديد علني من قبل الملك سلمان وابنه المنشار لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، حتى تراجع الأخير عن قراره بحضور القمة الإسلامية المصغرة التي انطلقت وانتهت، بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، والتي تم استبعاد السعودية منها، فجن جنونها، ووصف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، الموقف الباكستاني ب"المذل". وقبل الحديث عن إذلال عمران خان، يمكن القول إن باكستان كانت بحاجة لمساعدات خارجية عاجلة وكبيرة، فالحكومات الفاشلة، وعلى الأخص نفاق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي وصل حد الخيانة، وضعا باكستان تحت رحمة صندوق النقد الدولي. وصلت احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية إلى الصفر، وارتفعت نسبة التضخم إلى مستويات عالية جدًّا، فضلاً عن تفاقم عجز الميزانية، ولجأت باكستان باستمرار إلى صندوق النقد الدولي واقترضت منه 22 مرة، وتقف باكستان على باب واشنطن حاليًّا طالبة المال من صندق النقد الدولي والبنك الدولي. ولأن كل قرش تجبيه باكستان من الضرائب تم تسديده كضمان لقروض سابقة فليس من المنتظر من صندوق النقد الدولي أن يتعامل بسخاء مع باكستان، فماذا على السياسي أن يفعل في مثل هذه الحالات؟ افعل ولا تفعل منظمة التعاون الإسلامي هي أول مؤسسة طرق بابها عمران خان، وشارك في قممها وطلب منها المساعدة دون الحاجة إلى صندوق النقد الدولي، لكن إذا كان عمران خان منتخب فقط لأنه كان رياضيًّا محبوبًا، فهو سيركب طائرات يرسلها إليه أغنى رجلين في العالم الإسلامي وليا العهد السعودي والإماراتي، ويتجه مهرولًا إلى عاصمتي بلديهما. بيد أن هذين الشخصين لن يقدما المساعدات دون مقابل، فالقسط الأول من المال الموعود دخل خزينة باكستان، وفي المقابل طُلب من نجم الكريكيت عمران خان، عدم المشاركة في قمة كوالالمبور برعاية تركيا وماليزيا وقطر. وبحسب خبراء ينبغي على رئيس الوزراء الباكستاني، ألا يظن بأن الأمر سيتوقف عند هذا الحد، فهناك مطالب أخرى ستتوالى، ولن تأتي النقود فقط، ولكن سترد أوامر أخرى.. افعل ولا تفعل. بل إن أول طلب سيصل عمران خان هو أن يدع كشمير وشأنها، ولو أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل لن تخشيا رد فعل العالم الإسلامي، لكان الطلب أن يدع كشمير للهند. ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عمن وصفهم ب”مصادر دبلوماسية” باكستانية، أن تراجع “خان” جاء عقب استدعائه إلى الرياض لإجراء محادثات مع ولي العهد السعودي؛ الأمير “محمد بن سلمان”. وأوضح أن خضوع “خان” للضغوط السعودية، جاء مدفوعا بالأوضاع المالية المتردية لبلاده، والتي تعهدت المملكة قبل عام بتأمين خطة إنقاذ لها بقيمة 6 مليارات دولار، حيث اعترف “خان” آنذاك: “كنا نواجه أوقاتًا عصيبة حقًا”. احتلال خليجي وربما أطلقت واشنطن يد الرياض وأبو ظبي لترويض باكستان وقص أظافرها، ويعارض عمران خان بشكل مطلق السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ويساند قضية الشعب الفلسطيني بقوة، وشارك في العديد من الفعاليات السياسية الرافضة، والمدينة للإرهاب الإسرائيلي، عندما كان طالبا في جامعة أكسفورد، وبعد اعتزاله الرياضة وتأسيس حزبه السياسي الحالي "الانصاف"، حتى زوجته الأولى جميمة البريطانية التي اعتنقت الإسلام سارت على نهجه، وكتبت مقالات انتقادية حادة جدا ضد إسرائيل وعدوانها على قطاع غزة ونشرتها في صحيفة "الجارديان" اليومية الشهيرة. عمران خان رد بقوة على تصريحات مهينة لبلاده وردت في تغريدات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيها إن أمريكا قدمت لباكستان حوالي 33 مليار دولار في السنوات ال15 الأخيرة ولم تحصل في المقابل إلا على الكذب والخداع واحتضان الجماعات الإرهابية. وقال السيد عمران في رده الغاضب: "انت رجل احمق وجاهل وناكر لجميل باكستان"، واتهم أمريكا بدفع المجتمع الباكستاني الى التطرف عندما طلبت من حكومته تأسيس الجماعات الجهادية بالتعاون مع وكالة ال"سي آي إيه" في الثمانينيات، ثم بعد عشر سنوات، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر طلبت منها محاربة الجماعات نفسها تحت عنوان تحالف القضاء على الإرهاب! فهل نجحت السعودية والإمارات في تنفيذ مخطط ترامب لتركيع باكستان ثانية، وهل يتحول عمران خان إلى "دمية" مثل سابقيه، ويخفق في أن يعيد لبلاده دورها كدولة إقليمية نووية عظمى، وهو الدور الذي تخلت عنه في ظل رؤساء وزراء فاسدين وآخرهم نواز شريف.. ما علينا إلا الانتظار.