بعدما هدد السيسي بالتدخل العسكري “المباشر” في ليبيا بعد إعلان تركيا استعدادها إرسال قوات لليبيا ضد غزو الانقلابي حفتر، بات من المؤكد أن ليبيا على شفير حسم قادم، سواء باتجاه إرسال السيسي قوات مصرية وتكرار مهزلة تورط الجيش المصري في اليمن عام 1962، أو باتجاه حسم تركيا الأمر بالدعم العسكري والقوات التركية لإنهاء دور حفتر. ويزيد من احتمالات هزيمة حفتر وتراجعه واندحار قواته، ليس فقط صمود قوات طرابلس بفعل مدرعات وطائرات تركيا المسيرة بدون طيار، ولكن – وهو تحول مهم للغاية – دخول قوات مصراتة الحرب ضد حفتر وهي القوات الأساسية التي كانت جيش القذافي ولديها أغلب سلاحه. اعتراف السيسي ينهي دور مصر بليبيا بعد تدخلات غير رسمية ودعم عسكري لمتمردي حفتر، اعترف الانقلابي السيسي بالتدخل (غير المباشر) في ليبيا ودعمه الانقلابي حفتر، ولكنه هدد هذه المرة (بالتدخل المباشر). زعم السيسي – خلال مؤتمره الدعائي لشباب العالم – أن الحكومة الليبية المدعومة من طرف الأممالمتحدة أسيرة الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية في البلاد، وأن مصر “لم تتدخل بشكل مباشر في ليبيا”، ولديها لقدرة على القيام بذلك، مضيفًا: “كان أولى بنا نحن أن نتدخل بشكل مباشر ولدينا القدرة، لكننا لم نفعل احتراما لظروف ليبيا والحفاظ على علاقة الأخوة بيننا وبين الشعب الليبي”!! ورغم إعلان حفتر ساعة الصفر الجمعة لاحتلال طرابلس، فقد فشل في أي تقدم وتراجعت قواته، وتردد أن قوات مجهولة جوًّا قصفت مقراته ويعتقد أنها طائرات تركية كما وصل دعم عسكري تركي لحكومة طرابلس بموجب الاتفاق الأمني بينهما، وهو ما اعترف به حفتر. وبهذا الاعتراف الرسمي من قائد الانقلابي المصري بسعيه لدعم قائد الانقلابي الليبي الفاشل يكون دور مصر في حل أزمة ليبيا انتهى، وهو غباء سياسي يجعل دور مصر في ليبيا منتهيًا في ظل سيطرة حكومة تعاديه حكومة السيسي. فتصريحات السيسي تأتي ردًّا على إعلان تركيا إرسال قوات لدعم حكومة طرابلس قوات الانقلابي حفتر المدعومة من مصر والإمارات ومرتزقة روس وأفارقة تحاول إنهاء العمليات العسكرية وحسم المعركة واحتلال طرابلس قبل الموعد المحدد لمؤتمر برلين المخصص لحل المشكلة الليبية، ولهذا زار حفتر السيسي عدة مرات لطلب وتنسيق لدعم العسكري آخرها أمس وربما تكون تصريحات السيسي جزءا من هذا للتنسيق بالتهديد بالتدخل العسكري المباشر بعدما فشل حفتر وانهزم. ردًّا على أردوغان ومن الواضح أن تصريحات السيسي جاءت ردًّا على إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لإرسال قوات إلى ليبيا إذا طلبت ذلك الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس برئاسة فائز السراج وقالت حكومة أردوغان إن ليبيا لمتطلب ذلك حتى الآن. فلقاء رئيس الحكومة الليبية فائز السراج في الدوحة مع وزيري الخارجية والدفاع التركيين ولقاؤه الآن مع الرئيس أردوغان في أنقرة وتصديق البرلمان التركي على الاتفاقية الأمنية يعني أن تركيا يمكن أن ترسل قوات بحرية وبرية وجوية إلى ليبيا لحسم المعركة مع حفتر وحلفائه، وهذا سر تصريحات السيسي. تدخل مصراتة يحسم المعارك وهناك تطور مهم هو دخول مصراتة الحرب علنًا في بيانات رسمية؛ حيث أعلن المجلسان البلدي والعسكري في مدينة مصراتة الليبية حالة النفير القصوى وإرسال كل القوات للمشاركة في عمليات الدفاع عن العاصمة طرابلس. فقوات مصراته تستحوذ على غالبية أسلحة جيش القذافي وقد استفزهم حفتر وقصفهم عدة مرات؛ ما دفعهم للإعلان في بيان شارك فيه نواب في البرلمان وأعيان وآمرُ المنطقة العسكرية الوسطى، تشكيل غرفة طوارئ في المدينة تعمل على إنهاء وحسم المعركة، ورد العدوان على طرابلس. ومعنى بيان مصراتة وبيان أردوغان بالتدخل أن السيسي لا يمكنه التدخل عسكريا بشكل مباشر والاكتفاء بإرسال خبراء وأسلحة وإلا دخل في صراع مباشر كمستنقع اليمن للجيش المصري. ولا شك أن إعلان النفير العام في مصراتة التي بها أقوى الميليشيات وأكثر الأسلحة سيكون له عدة تداعيات استراتيجيات من الناحية العسكرية، منها: تخفيف الضغط على طرابلس، وفتح جبهة هجومية على مرتزقة الإرهابي حفتر، وشل حركته على الأرض وحركة طيرانه الذي تحركه الإمارات والروس، كما اعترف طيار أسقطت طائرته في طرابلس. وأثارت الاتفاقية البحرية التي أبرمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج؛ العديد من الانتقادات الإقليمية والدولية، إذ يتطرق البند الثامن من المادة الثامنة من الاتفاق بأن تشمل اختصاصات مجلس الوزراء عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشرط موافقة مجلس النواب عليها ومعروف أن البرلمان منقسم وهناك برلمان في طرابلس وآخر في طبرق. والأهم في مذكرتي التفاهم بين تركياوطرابلس، المذكرة الأولى التي تختص بالتعاون الأمني والعسكري، بخلاف الثانية تختص بترسيم الحدود البحرية على نحو تجاهل دول بعينها في المنطقة أبرزها اليونان. بنود الاتفاقية ظلت غامضة، ولكن تكشفت أبعادها من تصريحات المسئولين الأتراك بدءًا من مدير الاتصالات في الرئاسة التركية وصولاً للرئيس التركي، وجميعها عبرت عن انتهاك الأراضي والأجواء الليبية واستخدامها كنقطة دعم لوجيستي للمشروع التركي في المنطقة. وتعتبر اليونان الدولة الأكثر تضررًا من الاتفاقية الموقعة بين الجانب التركي ورئيس حكومة الوفاق، إذ تعدت ألغت الاعتراف بالمياه الاقتصادية الخالصة للجانب اليوناني في جزيرة كريت، واستندت تركيا إلى مبدأ الجرف القاري بدلاً من حدود المياه الإقليمية المعمول به في الأممالمتحدة والمنبثق عنه قانون البحار. هل استعد السيسي؟ ويبدو من تصريحات السيسي أنه كان يتمني التدخل في ليبيا قبل سنوات عسكريا لإجهاض ثورتها ولكن الظروف لم تسمح له، لهذا فهو يسعي لتحديث الجيش والقوات البحرية، خصوصًا بأسلحة عديدة منها صفقات سلاح غير ضرورية. حيث تم إبرام صفقات تسليحية مباشرة وتنويع مصادر التسليح وعدم حصره فقط علي المكون الأمريكي، ولكن على دول مثل فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، وتلك الصفقات ركزت بشكل رئيسي على سلاحي الجو والبحرية مثل سفن الهجوم البرمائي ميسترال، وبناء قوعد عسكرية جوية بحرية قرب حدود ليبيا. بجانب صفقات تسليحية مع الجانب الألماني تم بمقتضاه الاتفاق على توريد غواصات التايب الهجومية بواقع أربع قطع قابل للزيادة؛ حيث تمتلك غواصات التايب قدرة هجومية نوعية كبيرة، وقدرات متعددة المهام تتنوع ما بين الاستطلاع والرصد وأعمال الاستخبار الإلكتروني. كما تم تزويد البحرية المصرية بأحدث مدمرات الشرق الأوسط “فرقاطة فريم” الفرنسية، ذات القدرات في مهام القيادة والسيطرة البحرية والاستخبار الإلكتروني ومكافحة الغواصات، ومهاجمة الأهداف البحرية والساحلية وقدرة صاروخية كبيرة بواقع 16 خلية إطلاق لصواريخ ايستر، وصواريخ سطح جو لمهام الدفاع الجوي، وسطح سطح لمهام إغراق الأهداف البحرية المعادية بصواريخ أكسوسيت. ومن الواضح أن كل هذه التجهيزات تستهدف مواجهة البحرية التركية في البحر المتوسط حال حدث صدم ما خصوصا أنه حديث صدام بالفعل بين إسرائيل وتركيا في البحر المتوسط وتل أبيب أحد أعضاء تحالف رباعي مع مصر واليونان وقبرص لتقسم النفوذ والغاز في البحر للمتوسط. فقد قامت سفينة حربية تركية بطرد سفينة تنقيب إسرائيلية “بات غاليم” من شرق المتوسط وعلى متنها خبراء من إسرائيل وقبرص، تقوم بمشروع تنقيب مشترك في شرق المتوسط”. حيث أمرت السفينة الحربية التركية، سفينة غاليم الإسرائيلية عن طريق الاتصال اللاسلكي، بالخروج من المنطقة، وردت إسرائيل بتحليق طائراته فوق السفينة التركية كنوع من الرد. مؤشرات الصدام العسكري وفي ضوء هذا التهديد التركي بالمشاركة العسكرية في ليبيا طالما أصبحت حكومة طرابلس مهددة بقوات المرتزقة وأخري “متعددة الجنسيات” كما قالت حكومة الوفاق، ومحاصرة أردوغان مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل باتفاق الحدود البحرية مع حكومة طرابلس الشرعية؛ ما يعني أنه لا غاز في شرق المتوسط دون تركيا وليبيا، تتزايد مؤشرات الصدام العسكري. فالرئيس أردوغان قال بوضوح: “لا يمكن لقبرص الجنوبية ومصر واليونان وإسرائيل إنشاء خط نقل غاز طبيعي من المناطق التي حددها الاتفاق مع ليبيا دون موافقة تركيا، لن نتساهل بهذا الصدد، وكل ما نقوم به متوافق بالتأكيد مع القانوني البحري الدولي”. الأمر الذي يعني ان خطط مصر لإنشاء خط أنابيب مع إسرائيل واليونان وقبرص مهدد، وكذا تنقيب هذه الدول في البحر المتوسط في المناطق التي تعتبرها تركيا خاضعة لحدودها البحرية بعدما طوّق أردوغان الجميع ووسع حدود بلاده وقال للجميع: انتباه هنا تركيا. ربما لهذا ردت الخارجية المصرية باعتبار الاتفاق التركي الليبي لا يلزم مصر وغير شرعي، وهدد رئيس مجلس النواب المصري علي عبد العال أن “مصر لن تقف مكتوفة الأيدي ضد كل ما يهدد مصالحها ولن تقبل بأي عبث من أي دولة أجنبية على حدودها الغربية مع ليبيا”، في إشارة لتركيا وتوقيعها مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج مذكرتي تفاهم في مجال التعاون الأمني والمناطق البحرية. وأكد عبدالعال أن مصر ستقف بكل ما أوتيت من قوة قيادة وشعبا وحكومة ضد أي تهديد لمصالحها، قائلا: “سنقف مع جيش خليفة حفتر”، ما يعني حسم مصر أمرها بدعم الانقلابي حفتر ومغامرتها بخسارة الحكومة المعترف بها شرعيًا في ليبيا، التي باتت ترفض وساطة مصر وترفض حتى مشاركتها في اجتماع برلين المقبل لحل النزاع. هناك بالتالي احتمالات أن تندلع حرب خفية بين قوات حفتر بقيادة مصر ومباركة إسرائيلية يونانية قبرصيه ضد قوات فايز السراج بدعم من قوات تركيا على الأراضي الليبية، أو اندلاع حرب معلنة على الشواطئ البحرية الليبية بين البحرية المصرية والبحرية التركية ونشهد استعراض عضلات في ظل اقتناء مصر سفن حربية جديدة وحاملتي طائرات هليكوبتر فرنسيتين، وتأكيد أردوغان أن قواته منتشرة في البحر المتوسط وجاهزة لحماية حدودها البحرية. ويبدو أن ما سيحسم الامر هو التصعيد الكبير الحاصل حاليًا والهجوم على طرابلس من كافة الجهات بدعم من آلاف المرتزقة الروس والأفارقة مدفوعي الأجر لإسقاط طرابلس واحتلالها، لإسقاط الربيع العربي عنها، وإسقاط اتفاق تركيا حول غاز المتوسط.