يستكمل "الشامخ" بحكمه المخفف الصادر لا نقول ضد مرتكبي مذبحة أبو زعبل وإنما لصالحهم والتي راح ضحيتها 37 من رافضي الانقلاب العسكري مسيرته في الانحراف عن منظومة العدالة والتي بدأها منذ بداية الانقلاب العسكري حيث أصبح القضاء أحد الأذرع الرئيسية للانقلاب للانتقام من كل رافضيه؛ ففي الوقت الذي تُغلظ فيه الأحكام على مناهضي الانقلاب والتي وصلت إلى حد الحكم بالإعدام والسجن لمدد تتجاوز العشر سنوات ضد أحرار وحرائر لم يرتكبوا جرمًا سوى مناهضة الانقلاب العسكري, تصدر على الجانب الآخر أحكام حانية ومخففة ضد قتلى ثبت بالفعل تورطهم في القتل، ومجرمين ضالعين في مجال الإجرام ولكن يشفع لهم أنهم من مؤيدي الانقلاب وأنهم أحد أدوات قمع معارضيه ومن بين هؤلاء القتلة والمجرمين هؤلاء الضباط ونائب مأمور القسم الذين ارتكبوا مذبحة أبو زعبل أحد المذابح البشعة التي ستسجل في تاريخ الانقلاب الدموي، حيث صدر الحكم بالسجن 10 سنوات ضد نائب مأمور القسم و3 ضباط آخرين بالحبس عامًا مع إيقاف التنفيذ. وهو ما صفه القانونيون وأهالي الضحايا بأنه مسرحية هزلية اشتركت كل من النيابة والقضاء في كتابة السيناريو والإخراج لها، حيث مهدت النيابة لهذا الحكم الهزلي إذ أسندت إلى المتهمين الأربعة تهمتي القتل والإصابة الخطأ بحق المجني عليهم وهو ما أعطى الذريعة لمحكمة الجنح أن تصدر هذا الحكم المخفف على المتهمين الذين ثبت تورطهم فعليًا بشهادة الشهود. الجدير بالذكر أن داخلية الانقلاب سعت منذ اليوم لتبرئة ساحتها من القضية مدعية كذبًا عدم تورطها فيها وأصدرت بالفعل بيانا في مساء الأحد 18-08-2013 تدعي فيه أن 37 متهمًا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين -بحسب وصفها- المحبوسين احتياطيًا لقوا مصرعهم، خلال محاولة هروب من سيارة ترحيلات بالقرب من منطقة سجون أبو زعبل بمحافظة القليوبية... وادعت كذبا أن جهود قوة التأمين حاولت تحرير ضابط احتجزه نحو ستمائة من السجناء، حاولوا الهروب، فقامت القوات بإطلاق الغاز المسيل عليهم عدد لمنع هروبهم وتحرير الضابط، ما أدى لإصابة حالات منهم باختناق ووفاة عدد 37 منهم نتيجة الاختناق والتدافع ولكن كل محاولات كذبهم وافترائهم لم تصمد طويلًا أمام بشاعة الجريمة وانتشار صور ضحاياها الأليمة على صفحات النت وبوسائل الإعلام العالمية ما وضع الانقلابيين في موقف محرج واضطروا لفتح تحقيق في الواقعة. حيث كلف النائب العام الذي عينه الانقلابيون المكتب الفني بالتحقيق في الواقعة، حيث استمعت النيابة العامة إلى 7 من المجني عليهم الذين نجوا من الحادث، علاوة على 40 شخصًا آخرين من قوات الشرطة والأطباء الشرعيين وخبير وزارة العدل، الذي أعد تقريرًا أورد به أن صندوق حجز سيارة الترحيلات محل الواقعة لا يتسع سوى لعدد 24 شخصًا، وأن السيارة غير صالحة لنقل عدد 45 شخصًا جرى ترحيلهم بصندوق حجزها. وأكد تقرير مفتش الصحة الذي ناظر الجثث والتقرير المبدئي للطب الشرعي مصرعهم خنقا بالغاز، ونفت التحقيقات وقوع أي محاولات للاعتداء على سيارة الترحيلات التي كانت تنقل المتهمين من قبل مدنين سواء بالأسلحة النارية أو غيرها.
وفي محاوله لتهدئة الرأي العام أمر وقتها النائب العام المعين المستشار هشام بركات، بحبس 3 ضباط، ونائب مأمور قسم مصر الجديدة، 4 أيام على ذمة التحقيقات لاتهامهم بقتل 37 سجينًا في سيارة الترحيلات سجن أبو زعبل، وبعد ستة شهور صدر الحكم الأخير بالحبس عشر سنوات لنائب مأمور القسم وسنة مع إيقاف التنفيذ ضد وهو ما وصفه أهالي الضحايا بالصدمة مطالبين بالقصاص العادل من قتلة ذويهم، وعلى الجانب الآخر اعتبره حقوقيون وقانونيون أنه حكم باطل لكونه صدر من محكمة ليست ذات اختصاص وهي محكمة الجنح، مؤكدين أن القضية محلها محكمة الجنايات لكونها مذبحة وليس الجنح. ففي تصريحات صحفية قالت المحامية بسمة زهران -مسئول القضية بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب-: إن المحكمة حاولت أن تظهر أنها تؤدي دورها وأن تعطي أقصى عقوبة للمتهمين بما أصدرته اليوم، مضيفة: "المحكمة جاءت لتهدئة الرأي العام بحيث حكم بالحد الأقصى للعقوبة في قضية جنحة، ولم تستجب لكل الطلبات التي تم التقدم بها لتعديل قيد القضية إلى جناية قتل عمد وليس كما وصفتها النيابة بأنها قتل خطأ، وأضافت أنه بهذا الحكم تكون المحكمة جردتنا من حقنا المدني، وبتحويل القضية للاستئناف. حكم باطل وفي هذا الإطار وصف المستشار محمد عوض -منسق عام حركة قضاة من أجل مصر- الحكم الصادر ضد مرتكبي مذبحة أبو زعبل بأنه حكم باطل صدر من محكمة ليست ذات اختصاص لكون الجريمة مذبحة كبرى وجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد كان تستوجب التحويل لمحكمة الجنايات وليس الجنح، وقال إنه عندما تؤكد كل قرائن القضية أنها جريمة قتل عمد ويتم تناولها على كونها جنحة تتساوى مع جرائم القتل الخطأ التي تكون عن طريق السيارات أو الإهمال الطبي على سبيل المثال نكون إما أمام مسرحية هزلية جديدة تنضم إلى قائمة المسرحيات الهزلية السابقة التي كان للقضاء دور كبير فيها.
محمد عوض: الحكم.. مسرحية جديدة تنضم إلى قائمة مسرحيات الانقلاب الهزلية وأضاف "عوض" أنه كان على محكمة الجنح أن تنأى بنفسها عن المشاركة في هذه المسرحية الهزلية من الخلال رفض هذه القضية والدفع بها إلى محكمة الجنايات لكونها ليست ذات اختصاص ولكنها للأسف لم تفعل ذلك، وهو ما يؤكد استمرار حالة العبثية والفوضى القانونية في ظل هذا الانقلاب العسكري. ويرى عوض أن الاستئناف على هذا الحكم ليس له جدوى لكونه حكم باطل وما يترتب على باطل فهو باطل، مؤكدًا ضمان نزاهة الحكم هذه المذبحة الكبرى التي راح ضحيتها 37 مدنيا من الأبرياء دون أي ذنب مرهون بسقوط هذا الانقلاب الدموي ومحاسبة كل المتورطين في المذابح المتعددة التي ارتكبوها والتي من بينها مذبحة أبو زعبل.
سجل أسود واتفق مع الرأي السابق الدكتور حامد صديق -الخبير القانوني وعضو لجنة الحريات بنقابة الصحفيين- مؤكدًا أن هذا الحكم المخفف الصادر مؤخرًا ضد مرتكبي مذبحة أبو زعبل والذي لم يتناسب مع حجم وبشاعة المذبحة التي ستسجل في السجل السود للانقلاب الدموي جاء ليصب في صالح المتهمين، مشيرا إلى أن هذا الحكم المخفف تم التمهيد له من البداية من خلال إسناد النيابة للمتهمين تهمة القتل الخطأ ودفع القضية لمحكمة الجنح وليس الجنايات لضمان إصدار أحكام مخففة والتي كان أقصها الحكم لمدة عشرة سنوات نائب مأمور القسم وسنة مع إيقاف التنفيذ لثلاث ضباط آخرين، لافتًا إلى أنه بطعن هؤلاء القتلة على الحكم يمكن أن يمكن أن تصدر أحكام أخرى بإلغاء الحكم وتخفيفه، مؤكدًا أن غياب ضمير القضاة ووكلاء النيابة هو العامل الأساسي في إصدار هذه الأحكام الظالمة. حامد صديق: النيابة مهدت الطريق لصدور هذا الحكم الهزلي الباطل وأضاف صديق أنه وعدد من القانونيين سيتقدمون بطلب لإلغاء الحكم الصادر مؤخرًا وتحويل القضية لمحكمة الجنايات، معتمدين في ذلك على كون الحكم ترتب على وقائع غير منضبطة وغير واقعية أسهمت في الدفع به لمحكمة غير ذات اختصاص وهي محكمة الجنح ومن ثم يطالبون بالدفع بالقضية من جديد إلى محكمة الجنايات لكونها مختصة بهذا النوع من القضايا الجنائية والتي تمثل مذبحة أبو زعبل أحد أبشع جرائم القتل العمد التي تتناولها المحكمة.