فى الثمانينيات قامت عصابة بسرقة عربة نقل أموال بالطريقة نفسها التى سرق بها عادل إمام وسعيد صالح سيارة محملة بالأموال فى فيلم (المشبوه)، وقتها علا صراخ المجتمع بأن المبالغة فى تصوير كيفية وقوع جريمة، ربما يؤدى إلى انتشارها وازديادها. وفى الوقت الذى يحتاج فيه المجتمع لاستعادة الأمن ومواجهة الانفلات يفاجئ الممثل رامز جلال الجمهور ببرنامج مقالب عبارة عن عصابة بقيادته تقطع طريق أتوبيس سياحى بالغردقة، وتستخدم أسلحة آلية، وتحطم واجهة الأتوبيس، وتختطف أحد الركاب، وتغمّى عينيه، وبينما يقف جميع طاقم البرنامج حول الضحية يضحكون ويتغامزون، يطلق رامز الرصاص بكثافة حتى تخاف الضحية أكثر وأكثر، وبعد دقائق من الرعب يفرج عن الضحية التى تنهال بالسب والشتائم على رامز.. والكل يضحك وخلصت الحلقة! البرنامج أثار عاصفة من الانتقادات باعتباره تدريبا عمليا لكل من يريد أن يتحول إلى قاطع طريق أو بلطجى، بل امتد الأمر الى أن وجهت قناة بير تيلى الإسبانية على موقعها الإلكترونى انتقادا حادّا لبرنامج "رامز ثعلب الصحراء"، الذى يقوم فيه الممثل رامز جلال بتجسيد شخصية إرهابى يقطع الطريق على الناس ويقوم باختطافهم. وقالت القناة التليفزيونية الإسبانية: إن هذا البرنامج يعد مصدرًا للانتقادات من المصريين أنفسهم، وأشارت القناة إلى أن شخصية رامز جلال شخصية مثيرة للجدل، خاصة أنه أيضا فى العام الماضى قدم برنامجا بعنوان "رامز قلب الأسد" كان مصدرا للانتقادات أيضا بسبب وجود أسد أمام المصعد الذى بداخله الضيف المراد إخافته من الفنانين والمغنين والرياضيين مما يسبب له الفزع والهلع، ولكن هذا العام أثار انتقادات أكبر بكثير، حيث اعتبر بعض المصريين أن هذا البرنامج مخالف لتعاليم الدين الإسلامى، حسب قول القناة. مقالب غير أخلاقية الكاتب محمد أبو العلا السلامونى قال: إن هذا البرنامج لا أستسيغه ولا أتابعه؛ لأنه صعب وخشن ولا يصلح للعرض الرمضانى، خاصة أننا فى أيام تتصف بالطابع الروحانى ولا يجوز لنا تحت أى دعوى أن نستخفّ بمشاعر الناس إلى هذا الحد. وأضاف السلامونى هذا البرنامج يثير فى النفس مشاعر سلبية وليست إيجابية ويعتمد على إضحاك الجمهور على مواقف لا يجوز أن نضحك فيها، فهى مقالب، ولكنها ليست ظريفة أو خفيفة الظل كما يعتقد صنّاعها، وإنما هى ثقيلة، ومن المفترض أن تثير الشفقة لكل من يتعرض لها، وهى عادة ما تعود الناس والجمهور الذى يتابعها على العنف . وأكد السلامونى أن هذا البرنامج يتنافى مع أخلاقيات الشعب المصرى الذى يتميز بالرقة ودماثة الخلق، وقال: إننا فى ظرف تاريخى يعانى فيه الشارع المصرى من البلطجية وعدم الأمان ومثل هذه البرامج تساهم فى نشر هذه الأمور التى يعانى منها المجتمع حاليا، وبشكل عام أعتقد أن كثيرا من الجمهور صار ينتقد هذا البرنامج بشدة، ومن ثم أوشك على السقوط الجماهيرى. أما الإعلامى سامح رجائى -رئيس قناة النيل للأخبار- فقال: إنا ضد هذا البرنامج تماما؛ لأننى لا أؤيد ترويع الناس بأى ذريعة كانت خاصة إذا كان بحجة الضحك أو السخرية منهم. وتابع البلد يحتاج فى هذه الفترة إلى الطمأنينة لا العنف، فالأحداث التى نمر بها مثل أحداث دهشور وسيناء والنايل سيتى، كفيلة بترويع الناس بمفردها فلا نزيد عليها ببرامج إعلامية بلا هدف تساهم فى رفع وتيرة العنف، وعن مدى مطابقة البرنامج لميثاق العمل الإعلامى قال رجائى: لقد أصبح كل واحد فى البلد يعمل ما يشاء دون رقيب ولا حسيب! ويرى الدكتور عادل عبد الغفار -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أن للأعمال الدرامية والبرامج أثرا كبيرا فى المجتمع، وأنه بناء على الأبحاث العلمية كلما زاد حجم العنف التليفزيونى كلما يزداد العنف بالمجتمع ويؤدى إلى نشر الفوضى، ولكن هذا ليس له علاقة مباشرة بالأحداث التى تمر بها البلاد من عنف، خاصة أحداث رفح، حيث إن أثر الأعمال الدرامية على المجتمع بعيد المدى ولا نستطيع أن نقول إن أعمال رمضان هى السبب الأول فى مثل هذه الأحداث، وإن كان لها أثر سيظهر فى الفترة المقبلة. ويرى عبد الغفار أن الرسالة الإعلامية فى مصر بعيدة تماما عن المسئولية، حيث تهدف إلى الربح أو تقديم المصالح الخاصة على المصلحة العامة، وأن حالة الانقسام السياسى الذى تشهده البلاد انعكس على الأداء الإعلام بشكل ملموس. عنف مكثف ويوضح الدكتور أحمد عبد الله -أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق- أن العنف بشكل عام أصبح جزءا من المادة التى تقدمها كل تليفزيونات العالم لأسباب مختلفة؛ بعضها ترفيهى قائم على إشباع احتياجات بعض المشاهدين وجذب انتباههم، والبعض الآخر يتذرع بأنه يعكس الحقيقة لكنه فى الواقع يقدم جرعة عنف وبلطجة مكثفة جدا تفوق حدود المسموح والمقبول. ولفت إلى أن العنف انتقل من الدراما إلى البرامج وتحديدا "رامز ثعلب الصحراء" الذى خرج عن كل الأطر المتعارف عليها فى العنف الذى يقدمه أو فى الألفاظ البذيئة التى يسب بها النجوم رامز بعد ما يكتشفون خدعته. ويشير الخبير النفسى إلى مفارقة غريبة، حيث إن البرنامج يحظى بنسبة مشاهدة عالية وسط سيل من الإعلانات، ورغم ذلك نجد من يتابعها وينتظرها، لذلك نحن بحاجة إلى تحليل نفسية هؤلاء المشاهدين وبحاجة أيضا للتركيز مع أصوات المشاهدين الرافضة لمثل هذه الأعمال؛ لأن تمريرها هكذا بلا اعتراض سيؤدى إلى إنتاج المزيد منها.