ستة أشهر ونصف تمر على ذلك الانقلاب الأسود الذى هز المنطقة كلها وغير خارطتها السياسية، وعاد بنا للوراء حقبا لن نكتشف كل أغوارها إلا بعد سقوطه التام الذى بدأت بشائره منذ لجأ ذلك النظام الدموى للقتل والسحل والاعتقال والتعدى على حرائر الوطن. تمر تلك المدة ليختمها اليوم باستفتاء أعور أعوج يسير بقدم واحدة ويرى بعين واحدة، هى عين "نعم" التى لم يتركوا للناس خيارا سواها، فإما أن تقول نعم، أو تقول نعم! استعانوا بحزب الزور الذى سقطت كل أقنعته فى الحشد لهم باعتباره المناظر الوحيد لجماعة الإخوان المسلمين والوريث لها فى الشارع بعد كل ما دفعته الجماعة فى الشارع وبعد كل ما خسرته –من وجهة نظرهم– من فقدان قادتهم فى السجون ومقتل الآلاف منها فى شوارع رابعة واستنزاف طاقتهم فى مسيرات يومية ومطاردات أمنية لا قبل لفصيل بتحملها، ظنوا أن ذلك الحزب المتشح بلحى زور قادرا على الحشد، وربما هو من أوهمهم بذلك كى يتخذ تلك المكانة التى احتلتها الجماعة طويلا فى القدرة على توجيه الناس وحشدهم فى كافة فعالياتهم التى قاموا بها عبر سنوات طوال، ظنوا وخاب ظنهم. إنها عقول الستينيات جاءت لتحكم فى الألفية الثالثة، تحسب أن الحديد والنار والاعتقال والقتل والدماء يمكن أن ترجع شعب انتفض وعرف مذاق الحرية مع أول رئيس اختاره فى تاريخه كله. فشلوا فى الحشد رغم أنهم يملكون كل وسائل الإعلام التى شنت حربا ضروسا منذ اليوم الأول لتولى الرئيس المنتخب الحكم. حربا على شخصه وتوجهه وبرنامجه النهضوي، حربا داخلية أدارها الخارج بشراسة ونفذها الداخل بقوة. فشلوا فى خداع الشعب الذى وعدوه بالرخاء كذبا طوال عام حكمه الرئيس، فما رأى منهم سوى الذل والهوان وانهيار الاقتصاد، وانهيار الأخلاق، وضياع الأمن، وانتهاك الحدود، وتفاقمت المشكلات على المواطن البسيط الذى لم يعد قادرا على متطلبات يومه، وخاطبوا الناس بلغة قديمة كادوا أن ينسوها، هى لغة الدم، وقد رخص فى بسلى حرية عرفوا مذاقها فشلوا فى الحشد وأحكموا القبضة الأمنية عليه، قتلا، واعتقالا، ومطاردة. لكن الشعب وعى الدرس جيدا، وكما كانت نتائج الاستفتاء على وثيقة العسكر والكنيسة بالخارج انتكاسة لهم، كذلك كان الاستفتاء بالداخل، وبصرف النظر عن التزوير المعلن والفج، فقد عرفوا حجمهم جيدا. حزب "الزور" أصبح غير قادرا على التحرك وسط الناس بعدما انكشف القناع وأسقطهم العلماء من دائرة السلفية التى طالما تشدقوا بالانتماء إليها وهى من براء. العسكر الذين يملكون السلاح وآلة القتل لتى لا قبل للشعب بها أدركوا أن لن يسوقوا الشعب كالأنعام كما فعلوا طوال مدة ستين سنة سوداء. القضاء الفاسد الذى انسحب عدد كبير منه من عملية استفتاء باطلة، أدركوا أنهم مطاردون من أحرار الشعب ولن تقوم لهم قومة ولن تمر مشاركتهم فى تلك التمثيلية الدنيئة. الإعلام الذى سقط فى اختبارات كثيرة لم يعد ذلك الموجه الأول والمؤثر الضخم على عقول الشعب، رغم أننا لا ننكر تأثيره السلبى فى فترة من الفترات. الشرطة المتهاوية التى أصبحت هى المطاردة فى شوارع مصر من الثوار، ملاحقة منهم، بحرق البوكسات، ومحاصرة أقسامها فى حالة خطف الحرائر، انكسرت مرة أخرى وهم يدركون تماما أن الانكسار هذه المرة لن يمر بخير، ولن تعقبه عودة لهم أبدا إلا شرفاءهم. الخارج المنتظر نتيجة الاستفتاء لإضفاء بعض الشرعية على نظام البيادة أصبح متحرجا الآن أن يعترف به وقوانينه تنهيه صراحة الاعتراف أو التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية، ليس استحياء منا وإنما خوفا من قوانينهم التى تحكمهم. انكشف الانقلاب وسقط فعليا وأصبح مطاردا بالداخل والخارج لن يعطيهم استفتاء مزورا أية شرعية الشرعية الآن للشارع، الشارع وحده الثورة ستكتمل، وقد لاحت بشائر نصرها.