عندما قصفت الطائرات الأمريكية الغاشمة مصنع الشفاء للأدوية بالسودان كنت وقتها فى زيارة لعاصمة دولة قطر الأبية ولقد أثلج صدورنا حينها كسودانيين موقف الشعب القطرى الذى ما إن لقينا فى أى مكان فى الدوحة إلا وأخذ يهلل ويكبر أمامنا ويعلن وقوفه بشدة مؤيدا لنا ومستنكرا تلك الضربة الأمريكية الغادرة غير المبررة والتى استنكفت أمريكا حتى الآن عن الاعتذار عنها. لقد فعلت أمريكا تلك الفعلة النكراء بدعوى مكافحة الإرهاب بعد أن دست وكالات مخابرتها معلومات ملفقة عن وجود صناعة لأسلحة كيمائية تتم داخل مصنع الشفاء. وهاهى مخابرات أمريكا الآن تقوم بنفس الفرية تجاه شعب مصر بالتنسيق مع أجهزة استخبارات وأمن دولة مبارك العميقة وبإشراف مباشر ويومى وعلنى بين وزير دفاع أمريكا وقائد انقلاب مصر وزير الدفاع الذى تم دسه على الرئيس المصرى المنتخب والذى نفذ بالاتفاق مع صنيعة المخابرات المسماة حركة تمرد أبشع مخطط للقضاء على حركة الإصلاح الديمقراطى التى توجت فى مصر بتنحى كنز الصهيونية مبارك عن حكم مصر على إثر ثورة 25 يناير، ذلك التنحى الذى اتضح الآن أنه كان حلقة فى سلسلة طويلة من حلقات التآمر على شعب مصر بالتمثيل عليه وخداعه بأن ثورته قد نجحت فيما تقوم أركان الدولة العميقة التى مازالت تمسك بزمام قيادات الجيش والشرطة والقضاء والخدمة المدنية والإعلام ورجال الأعمال فى مصر بتبادل الأدوار من أجل إقناع الشعب المصرى بعدم جدوى حراكه الديمقراطى وأنه من الأفضل له أن يعيش فى كنف حكومة ترضى عنها أمريكا وتوابعها فى الاتحاد السوفيتى وروسيا الاتحادية، مستغلة فى ذلك الأزمات التموينية والخدمية المصطنعة التى نفذتها الكوادر العلمانية فى مصر من انقطاع للكهرباء وإخفاء للسولار والبنزين، ما جعل عددا مقدرا ممن يسمون فى مصر بحزب "الكنبة" يخرج إلى الشارع بطلب من وزير دفاع حديث التعيين مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة بعد أن صورت لهم أجهزة إعلام دولة مبارك العميقة أن مصر ستتحول إلى دولة رفاهية بمجرد زوال حكم مرسى.. وذلك بعد أن خدع الإعلام المصرى بسطاء الشعب المصرى بأن هنالك إرهابا محتملا وأن هناك اختطافا لثورة 25 يناير وأنه تم انفراد بالسلطة مارسه الإخوان.. وغير ذلك من الفرى التى جعلت جموع من الشعب المصرى تنزل إلى ميدان التحرير، تلك الجموع التى لم يبلغ عددها وقتها المليون شخص والتى فبركتها كاميرات خبراء وكالات المخابرات وصورتها كأنها ملايين، بل بلغ كذبهم أن ادعوا بأن عدد الذين خرجوا استجابة لنداء السيسى بتفويضه قد تجاوز الثلاثين مليونا فى حين أن عدد البالغين من شعب مصر كلها من الإسكندرية حتى حلفا لا يبلغ الثلاثين مليونا!!. لقد استغلت وسائل الاستخبارات العالمية جو الفوضى الذى أحدثته شرذمة العلمانيين واللبراليين واليساريين فى مصر بعد هزائمهم المتوالية فى انتخابات مجلس الشعب ثم فى انتخابات الرئاسة ومجلس الشورى ثم فى الانتخابات الرئاسية والتى اكتشف من خلال نتائجها العالمانيون والليبراليون بأنه لا مكان لهم فى الساحة السياسية المصرية بل فى الساحة السياسية العربية، واستغلت وسائل الاستخبارات أيضا تعجل أعضاء حزب الكنبة فى مصر على الحصول على مكاسب حياتية خيل إليهم أنها ستتحقق بمجرد سقوط مبارك استغلت كل ذلك بالإضافة إلى أحلام أعضاء حزب مبارك الوطنى المنحل فى الرجوع إلى السلطة لإحداث أسوأ انقلاب على الشرعية فى مصر كان الهدف منه الإجهاز على بوادر الديمقراطية فى مصر ووأد بوادر الحكومات المنتخبة فى دول ما سمى بالربيع العربى، تلك العملية التى صادفت هوى أسر خليجية تحكم شعوبها بالوراثة منذ أمد طويل وهى تشعر بالفزع من تنامى موجات مطالبة الشعوب العربية عموما باتباع أنظمة ديمقراطية فى الحكم، فقامت تلك الأسر الحاكمة بتقديم الأموال بسخاء للانقلابيين فى مصر وإيواء زبانية الدولة العميقة والتآمر معهم من أجل إعادة شعب مصر مجددا إلى عصمة حكومة مبارك التى كانت تربطها علاقات منفعة مع الأسر الحاكمة فى الخليج والذين كانوا يعملون مجتمعين للتعايش مع إسرائيل وتدجين الشعوب العربية وإشغالها برفاهيات الحياة لصرفها عن المطالبة باستقلال القرار وتطبيق مناهج إسلامية وعروبية وإذكاء روح العداء لدولة الصهيونية. إن موقف دولة قطر المبدئى والنبيل من انقلاب السيسى وهو نفس المبدأ الذى تقفه تركيا وماليزيا، وهو كذلك الموقف الذى يتخذه الاتحاد الإفريقى يعتبر موقفا مشرفا وإنسانيا راقيا، تؤيده كل القوى الراقية فى العالم وبالذات المؤسسات المدنية والشخصيات المثقفة والواعية فى أمريكا وروسيا وأوربا التى أجبرت صنّاع القرار هناك على التوارى عن تأييد السيسى بوضوح واتباع طرق ملتوية لدعم السيسى. لقد أثار البيان الشجاع الذى أصدرته الخارجية القطرية بالأمس بخصوص ما يجرى من فظائع فى مصر هلع حكومة السيسى مما جعلهم يستدعون السفير القطرى. إن ذلك الموقف القطرى المبدئى يثبت لجبناء العالم أن الخوف من أمريكا لا يعنى السكوت عن قول كلمة الحق، وإننا نعتقد أنه قد آن الاوان لأن تتخذ حكومتنا موقفا مبدئيا مما يجرى فى مصر، فنحن الذين عرفنا القطريين وغيرهم سباقين للمواقف المبدئية الاستقلالية، لذلك فلقد ساندونا فى تخطى بعض المواقف العصيبة التى مرت بنا، فما بالنا نتخاذل عن نصرة الشعوب التى تستحق الدعم والمؤازرة؟ ______________ كاتب سوداني