عبرت مجموعة الأحكام القضائية الأخيرة ببراءة رموز نظام المخلوع مبارك عن الرسالة الواضحة للجهود التى يبذلها الانقلاب العسكري الدموي بأجنحته المختلفة من أجل إعادة دولة المخلوع والحزب الوطنى بفساده ورموزه بشكل كامل. وكان أخر هذه الأحكام، الحكم ببرأة أحمد شفيق -المرشح الرئاسى الخاسر- وجمال وعلاء نجلي المخلوع حسني مبارك في قضية أرض الطيارين وكذلك توصية هيئة مفوضى الدولة بعدم قبول دعوى عزل ومنع رؤساء وأمناء وأعضاء أمانات الحزب الوطنى المنحل ولجنة سياساته وممثليه فى المجالس المحلية والبرلمانات لمدة عشر سنوات، وأيضاً التوصية بعدم قبول حل المجالس القومية المتخصصة التى أنشأها الحزب الوطنى المنحل. وتعددت على مدار الستة أشهر الماضية من عمر الانقلاب أحكام البرأة وإخلاء السبيل, والتى كان على رأسها إخلاء سبيل المخلوع نفسه فى كل من قضية هدايا الأهرام وقصور الرئاسة, وتم بعد اصدار هذا الحكم نقل مبارك من سجن طرة إلى مستشفى المعادي العسكري بمروحية طبية عسكرية وسط إجراءات أمنية مشددة أحاطت بأسوار السجن، وجاء هذا النقل بناءً عن رغبة من مبارك نفسه وهو ما أكده اللواء مصطفى باز مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون. ولم يجد حازم الببلاوى- رئيس وزراء حكومة الانقلاب - ما يصرح به بعد صدور هذا الحكم إلا القول بأن الحكم جاء مفاجئة زاعماً أنه لا يجب أن يٌفهم من هذا الأمر أن الحكومة تسعى لإنتاج مبارك , مشيراً الى أن نقل مبارك إلى المستشفى ووضعه تحت الإقامة الجبرية جاء للمصلحة العامة لتجنب التوتر كما أنه جاء لحماية مبارك نفسه. قبول طعن أحمد عز وفى السياق ذاته قضت محكمة النقض فى ديسمبر الجاري بقبول الطعن المقدم من رجل الأعمال أحمد عز على الحكم الصادر ضده من محكمة جنايات الجيزة فى مارس الماضى بالسجن المشدد 37 عامًا وبمعاقبة إبراهيم محمدين وزير الصناعة الأسبق بالسجن 16عامًا وعلى أبوالخير رئيس هيئة التنمية الصناعية بالسجن المشدد 8 سنوات وبمعاقبة 3 آخرين من مسئولى شركة الدخيلة للحديد والصلب بأحكام متفاوتة لاتهامهم بالتربح والإضرار العمدى بالمال العام بما قيمته أكثر من 5 مليارات جنيه. وأكد محامى عز على إحتمالية صدور حكم ببرأة موكله، مشيراً إلى أن عز غير محبوس احتياطياً على ذمة قضايا أخرى، وأنه يحاكم فى قضيتين مخلى سبيله فيهما وهما قضية ترخيص الحديد ومؤجلة إلى 4 مارس المقبل وقضية غسيل الأموال الموقوف لحين الفصل فى قضية التربح والترخيص. حفظ قضية الزند وبالتزامن مع الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات شمال القاهرة والتى برأت فيه كل أحمد شفيق و علاء وجمال نجلي المخلوع مبارك من قضية "أرض الطيارين"، رغم أن الأدلة كانت واضحة وصريحة بتورط الثلاثة ، فقد صدر حكم أخر فى نفس اليوم وهو حفظ التحقيق مع رئيس نادي القضاة أحمد الزند في اتهامات فساد تتعلق بالاستيلاء على أراض بمحافظة مرسى مطروح, حيث أمر قاضي التحقيق المنتدب من وزارة عدل الانقلاب بحفظ التحقيقات في البلاغ المقدم ضد أحمد الزند والمتعلق بتورطه فى الإستيلاء على 264 فدانًا في مدينة الحمام لعدم كفاية الأدلة أو وجود شبهة جنائية. برأءة قتلة الثوار وقبل ذلك كان القضاء الخاضع لسلطة الانقلاب قد أكمل مسلسلا طويلا من أحكام البراءة لعناصر الشرطة في قضايا تتعلق بتهم قتل وإصابة متظاهرين في ثورة يناير، حيث قضت محكمة جنايات السويس، المنعقدة بالتجمع الخامس فى سبتمبر الماضى ببراءة 14 ضباط شرطة، وصاحب معرض سيارات وأولاده، فى قضية قتل الثوار بالسويس التى راح جراء أحداثها 17 متظاهرا وأصيب خلالها 300 آخرين فى أحداث ثورة 25 يناير. كما قضت محكمة جنايات شمال القاهرة ، الأسبوع الماضي، ببراءة محمد إبراهيم عبد المنعم الشهير ب" محمد السنى " أمين الشرطة - في اتهامه بقتل أحد المتظاهرين أمام قسم الزاوية الحمراء إبان ثورة يناير، بعد إدانته فيها غيابيًا بالسجن 10 سنوات، ثم بعد إعادة محاكمته في نفس القضية مرة أخرى، وصدر الحكم بإلغاء الحكم السابق والقضاء ببراءة السنى من قتل احد متظاهرى الزاوية الحمراء. ولم تقتصر محاولات الإنقلاب فى تحقيق أهداف الثورة المضادة عند حدود هذه الأحكام القضائية بل إنه بإستعراض محاولات الإنقلاب الإنتقامية من ثورة يناير والسعى إلى إستعادة دولة المخلوع مبارك نجد أنها بدأت مبكراً حيث بدأت من تشوية الثورة وإلحاق مصطلحات غير مصطلح الثورة فمنهم من سماها إنتفاضة ومنهم من إعتبرها نكسة, ثم الإنتقام من رموزها وأيقوناتها من الشباب والقيادات الحزبية والسياسية والقضائية والذى يقبع عدد كبير منهم خلف السجون وكان من أهم أهداف الثورة المضادة والتى سعى الإنقلاب إلا تحقيقيها منذ اليوم الأول هو إستعادة الدولة البوليسية بكل ممارساتها القمعية والتى كانت أبرز الأسباب الداعية لثورة يناير. إملاءات الإنقلاب من جانبهم يرى خبراء سياسيون وقانونيون أنه ما كان للإنقلاب العسكرى أن يستمر فى ممارساته الانتقامية من ثورة يناير وكل رموزها وأيقوناتها ما لم تتوفر له البيئة القضائية المسيسة التى تمهد له الطريق لذلك بما تحويه من عدد ليس بالقليل من رجال نيابة وقضاء ينتمون فى ولائهم الى عهد المخلوع مبارك ولا يشغلهم سوى إستعادة هذا النظام الفاسد الذي يحافظ على مصالحهم. في البداية أكد المستشار محمود فرحات – وكيل هئية قضايا الدولة منسق حركة «قضاة من أجل مصر» - أنه فى ظل هذا المناخ الإنقلابى الذى يفتقد الى كل مقومات تحقيق العدالة سواء داخل النيابة العامة أو القضاء فإنه ليس من المستغرب أن تصدر هذه الأحكام، معتبراً ان القضاء فى ظل الإنقلاب يشهد مذبحة غير مسبوقة من التعدى على استقلاليته , وأنه لم يعد يخفى على أحد أن ما يصدر من أحكام ما هى إلا إملاءات من سلطة الإنقلاب حتى تتحقق أهم أهداف الإنقلاب وهى إستعادة النظام السابق بكل رموزه وفساده. وأضاف فرحات أنه على الجانب الأخر هناك قضاة شرفاء ووكلاء نيابة يدفعون ثمن مواقفهم الرافضة لكل ما يمارس من تدخل سافر من قبل سلطات الإنقلاب فى الشأن القضائى ويتم تحويلهم إلا محاكمات تأديبية ومنهم من يرفض نظر القضايا لإستشعار الحرج كما حدث مؤخراً. وتابع أن القضاء فى ظل الإنقلاب أصبح يجيد ساسية الكيل بمكيالين ففى الوقت الذى تصدر فيه أحكام ببراءة قتلة الثوار, ورمزوز فساد عصر المخلوع مبارك تتم إصدار أحكام مغلظة على شباب وفتيات ومواطنين أبرياء بسبب مواقفهم السياسية المناهضة للإنقلاب والمؤيدة للشرعية وتابع أن الدعوى التى طالما نادى بها جميع الشرفاء بتطهير القضاء ستتحقق عما قريب وذلك بسقوط الإنقلاب نفسه الذى كشف كل الوجوة الفاسدة فى السلك القضائى. يقظة الشعب من جانبه يعتبر ضياء الصاوى - القيادى فى حزب الاستقلال، أن ممارسات الإنقلاب الإنتقامية ضد ثورة يناير لم تتوقف فقط عند حدود إصدار أحكام البراءة لكل الفاسدين والتى كان أخرها براءة أحمد شفيق وجمال وعلاء نجحلي المخلوع مبارك والتى إعتبرها كل أنصار الثورة المضادة بأنها إنتصار لهم لذلك رددوا هتافهم " ياجمال يابن مبارك الرئاسة فى إنتظارك " وأضاف الصاوي أن هناك ممارسات موازية لها ومنها الإنتقام من أيقونات ثورة يناير من الشباب ومن الشيوخ أيضاً كما هو الحال مع المستشار محمود الخضيرى, مؤكداً أن الهدف الحقيقي من سعى الإنقلاب الحثيث لعودة نظام المخلوع مبارك بكل رموزه هو رغبته فى بقاء العسكر على رأس السلطة وذلك لأن السبب الأول الذى تُحارب بسببه ثورة يناير هو "تداول السلطة بإرادة شعبية وهو ما لا يرغب فيه العسكر ومن ثم يسعون بكل طاقاتهم مستخدمين كل أجنحتهم ومنها القضاء للحيلولة دون تحقيق هذا التداول" وأوضح أن الظن بأن أحكام البراءة التى تصدر لصالح رموز مبارك نفسه تمثل تمهيد لطريق عودتهم مرة أخرى للحياة السياسية هو ظن خاطىء وينم عن قصور فهم كل من يعتقد به, وذلك لأن ما يصدر اليوم من براءات يزيد من يقظة الشعب لما يمارس ضده من مخطط يستهدف اغتيال أحلامه التى قامت من أجلها ثورة يناير وهذه اليقظة تنبأ بثورة جديد تتوحد فيها كل القوى الثورية لإستعادة مكتسبات يناير والتى لن تتحقق إلا بإسقاط هذا الإنقلاب الدموى. مشهد عبثى بدوره أكد أشرف عجلان- المنسق العام للثورة المصرية- أن ما يحدث اليوم من براءت وحفظ قضايا لرموز نظام المخلوع مبارك وقتلة الثوار ما هو إلا مواصلة وإستكمال لمخطط إجهاض ثورة يناير والتى يلعب فيها عدد كبير من القضاة دوراً محورياً، مشيراً إلى أن هؤلاء القضاة كانوا قد بدءوا دورهم مبكراً قبل الإنقلاب من خلال ماعرف (بمهرجان البراءة للجميع), مشيراً الى أنهم مستمرون فى نفس النهج بعد الإنقلاب على الشرعية، و لا يتوانون فى إصدار قرارات الحبس والتجديد لآلاف الشرفاء من معارضى الإنقلاب ومؤيدي الشرعية وفق تحقيقات هزلية تفتقر الى أدنى أبجديات تحقيق العدالة, تنتهى فى معظمها بإلصاق نفس القائمة الطويلة من التهم الملفقة لكل المعارضين للانقلاب من الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأطفال. ويرى عجلان أن ما يصدر من أحكام ببرأة شفيق وجمال مبارك والتوصية بعودة الحزب الوطنى لم تكن من الأمور المستغربة فى ظل هذا الإنقلاب العسكرى معتبراً أنه مشهد هزلى يسعى من خلاله الإنقلابيون إلى إستعادة نظام مبارك بنفس رموز فساده ، مضيفاً أن محاولاتهم ستبوء بالفشل لأن إرادة الشعب هى وحدها القادرة على تغيير المشهد الى ما يرتضيه الشعب مهما إمتلك الإنقلابيون وإستقواء بالقضاء والداخلية