تصاعدت ظاهرة الألتراس في الملاعب الكروية في السنوات الأخيرة ، حتى أصبحت صداعا في رأس المجتمع المصري ، خاصة بعد ظهورهم ومشاركتهم بقوة في ثورة يناير 2011 ، وإكتسب الألتراس شعبية في الأوساط السياسية وغير المهتمه بالشأن الرياضي ، جعلته أكثر قوة لدرجة تهديدهم بوضوح للمجتمع الكروي بدليل الأحداث التي شهدتها الساحة الكروية في الإسبوع الماضي وإقتحام مبنى إتحاد كرة القدم ، قبلها إقتحام تدريب فريق الأهلي للمرة الثانية خلال شهور قليلة . غافل أو فاقد للوعي من لا يعترف بالألتراس ، بعد أن تصاعد دورهم في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ، وزادت شعبيته أبان ثورة يناير 2011 ، بعد أن لعبوا فيها دورا واضحا ، وخرج الألتراس من عباءة كرة القدم ودخلوا في مرحلة لعب السياسة بعد أن كسبوا أرضيهم من كرة القدم . إكتسب الألتراس في الأونة الأخيرة ، رضا الساسة وأصبح الكنز الذي يجري ورائه أهل السياسة ، لاسيما وأنه أصبح ثاني قوة في الشارع المصري بعد جماعة الإخوان المسلمين ، فيما كسب كره الكرويين بعد أن تزايد دوره في الحياة الكروية ، وأصبحت مطالبهم تفوق دورهم وحجمهم – من وجهة نظر الكرويين - ، وهو ما وضح خلال أزمة مباراة السوبر المصري ، بعد أن طالب الألتراس بإلغاء اللقاء حفاظا على حقوق ضحايا موقعة بورسعيد ، وحدث شرخا في المجتمع المصري ما بين مؤيد لمطالب الألتراس من الساسة والرافضين لها من الكرويين . ما يلفت النظر أن الساسة ركبوا موجة الألتراس في نفاق واضح ، وكل يغني على ليلاه ، فالمناهضين للإخوان المسلمين ، يرون أن أزمة الألتراس في كرة القدم ستصب في مصلحتهم على إعتبار إنه فشل للإخوان في إدارة الدولة ، فيما يحاول الإخوان مسك العصا من المنتصف ، فلايريدون خسارة الألتراس ، كما يريدون أن يعود النشاط الرياضي في مصر ، لذا كان موقف نائب رئيس المرشد العام خيرت الشاطر ، مختلفا عن موقف الدولة. على الجانب الأخر ، أبدى الوسط الكروي غضبه الشديد من تصرفات الألتراس ، وبرر البعض ذلك الغضب بأن محاكمة المتهمين في مذبحة بورسعيد تجرى الأن ، فما الداعي لكل هذا التصعيد من جانب الألتراس ؟ وهل يريد الألتراس توقف الحياة لحين القصاص من المسؤولين عن تلك المذبحة ؟ ولماذا لم يحدث ذلك مع بقية شهداء الثورة ؟ ولماذا يريد الألتراس أن يتحمل كل الوسط الكروي مسؤولية ما حدث في بورسعيد ؟ فالأزمات كثيرة وعنيفة داخل المؤسسات الرياضية بسبب الديون التي تهدد مستقبل الأسر التي تعمل فيها . باتت ظاهرة الألتراس تؤرق المجتمع الرياضي بصفة عامة والكروي بصفة خاصة ، وتهدد مستقبل العاملين فيه ، وأصبحت الأزمة المحتدمة بشكل لافت للعيان ، والسبب الحقيقي الأن في ذلك ما يسمى ب " الإزدواجية الرياضية " ، أى إنقسام المجتمع الرياضي إلى قسمين يفصل بينهما حاجز حديدى لا يسهل عبوره ، بل ولا يسهل على أحد المنتمين إلى أحد القسمين التفاهم مع المنتمين للقسم الآخر . الحاجز الفاصل بين الألتراس وبين بقية أغلب المجتمع الرياضي ، ليس مجرد حاجز مادى يسهل تخطيه ، بل هو حاجز في المعتقدات والمفاهيم لدرجة أصبح التفاهم بينهما صعبا ، بل ومستحيلا ، فكلا الطرفين يسعى لتحقيق أهدافه بعيدا عن الأخر ، وهو ما سيزيد الأزمة ويصعب حلها في المستقبل القريب . الألتراس طالب مؤخرا بإبعاد هاني أبوريدة وأحمد شوبير ، من إنتخابات إتحاد كرة القدم المزمع إقامتها يوم 11 أكتوبر المقبل ، وبعيدا عن توقيت مطالب الألتراس الأخيرة ، فإنه بنظره منطقية نجد إنه قد يكون له الحق في مطالبه ، خاصة وأن من أداروا إتحاد الكرة في السنوات الماضية عليهم الرحيل من تلقاء أنفسهم ، ولا ينتظرون أن يطالب الألتراس بذلك بعد أن قضوا سنوات طويلة داخل مؤسسة كرة القدم المليئة بالفساد – الألتراس طالب أيضا برحيل مجلس إدارة النادي الأهلي - . إذا كان الألتراس ، قد كسب تعاطف أبوتريكة ، فإنه في الوقت ذاته كسب عداء قطاع كبير من المجتمع الكروي الذي يشعر الأن أن الألتراس يريد أن يحكم على الأمور من منظوره الذاتي بصرف النظر عن رؤية الأخر وكأنه لا يوجد سواه . تلاقي الألتراس مع مناهضيهم لن يحدث ، وستستمر الأزمة لفترة قادمة – هكذا تقول المعطيات والمؤشرات – وإن كان لدى البعض العديد من الإنتقادات على تصرفات الألتراس ، على إعتبار إنه يدير الكرة المصرية على هواه ، وكأنه هو اللاعب الوحيد في المنظومة الكروية ، وهذا ليس مقبولا وطريقتهم في التعامل مع بقية المجتمع الكروي فجة ، بداعي عدم حصول ضحايا إستاد بورسعيد على حقوقهم ، برغم بداية المحاكمات ، فهل يريد الألتراس توقف الحياة لحين صدور أحكام ترضيه ؟ وماذا لو صدرت أحكام لم تكن على هواه وهو أمر وارد بشدة ؟ القرار الذي إتخذه نجم الاهلي ومعشوق جماهيره محمد أبوتريكة ، برفض المشاركة في بطولة السوبر ، كان قرارا ذاتيا من اللاعب ، ونظر أبوتريكة للأمر من منظوره الشخصي بدرجة ما من الأنانية ، فكان بمثابة إنبوبة أكسجين كبيرة لجماهير الألتراس . أبوتريكة بقراره الأخير ، زايد وأحرج الجميع أمام الألتراس – زملائه وجهازه الفني وإدارة ناديه - ، فكسب رضا الألتراس وخسر زملائه وناديه ، برغم أن المقريبن منه حاولوا وضغطوا عليه كثيرا لإثنائه عن قراره ، إلا أنه صمم عليه للحفاظ على شعبيته حتى لو خسر كل شيء ، فكان له ما أراد . طالب البعض بضرورة التصدي لظاهرة الألتراس ، ولكن هذه المطالب لن تؤتي ثمارها ، خاصة وأن الألتراس ليس له شكل قانوني يسهل التحكم فيه ، وقوته جاءت من فرديته ، ولن تنتهي تلك الظاهرة بسهولة كما يتصور البعض أو يعتقد .