عنوان المقال هو أشهر هتاف عرفته الجماهير المصرية بصفة عامة وجماهير كرة القدم بصفة خاصة ، حيث كان محمود الجوهري من القلائل الذي إكتسب شهرة واسعة في الأوساط المصرية على إختلاف إهتماماتها ، وهو أمر غير مألوف في المجتمعات المختلفة ، حيث أن المشاهير يكتسبون شهرتهم في وسطهم الضيق ، ولكن الجوهري رفض ان يعيش حياته في الظل . الجوهري كان حالة خاصة في كل شيء ، إشتهر في أوساط غير الرياضية ، فعرفه أهل السياسة والإقتصاد والفن وغيرها من أوساط المجتمع المصري والعربي ، والهتاف الشهير الذي أطلق له وعليه كان مختلفا . معروف أن الرئيس السابق حسني مبارك ، لم يكن يحب أن يكتسب أحد غير أفراد عائلته شهرة أو سمعة في المجتمع المصري ، وكان يغضب بشدة إذا رأى أن أحد المصريين إشتهر وإكتسب سمعة بين جماهير شعبه ، إلا أنه تقبل هتاف " جوهراااااي .. جوهرااااااي" أن يطلق أمام منزله ، ليس لقوة شخصية الجوهري ، ولكن لأن الرجل إكتسب شعبية لم يكن الرئيس السابق قادرا على قمعها ، وكثيرا ما ذهبت جماهير الكرة إلى شارع الميرغني حيث كان يسكن مبارك للهتاف للجوهري القيمة والقامة . الحديث عن إنجازات الجوهري الذي عاش 74 عاما وخمسة شهور و14 يوما ، كثيرة وستكون محل إهتمام الجميع خلال هذه الأيام ، لذا فلن أتناول الجوهري من هذا المنظور ، ولكن هناك جوانب أخرى عديدة في شخصية وحياة الرجل تستحق التوقف أمامها . " الجنرال " هو اللقب شبة الرسمي الذي عرف به ليس فقط لأنه رجل القوات المسلحة الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 ، وخرج من الخدمة برتبة عميد في سلاح الإشارة ، ولكن لقوة شخصيته وسيطرته على من حوله ، وحول العديد من اللاعبين المصريين من مجرد لاعبين هواة إلى محترفين حتى قبل أن تعرف الكرة المصرية الإحتراف على يديه بعد كأس العالم 1990 . اللاعبون المصريين جميعهم وحتى ممن لم يتدربوا على يديه يدينون بالفضل للجوهري ، الذي جعلهم يعيشون حياة رغدة بسبب مرحلة الإحتراف التي نقل إليها الكرة المصرية ، وعرف اللاعب المصري بفضل هذا الرجل معنى " الفلوس " وطعمها . لم يعرف الجوهري معنى " الوساطة " طوال عمره وكان يكرهها ، بلديل أنه رفض أن يفرض نجله الوحيد " أحمد " على كرة القدم كما فعل البعض قبله وبعده ، برغم إنه كان قادرا على ذلك ، وترك إبنه الوحيد يخوض مشوار كرة القدم بمفرده ، وإعتزل قبل أن يشتهر مثل بعض أنصاف اللاعبين الذين مروا على عالم الشهرة في كرة القدم . الجوهري الذي بزغ نجمه في كأس الأمم الأفريقية 1959 ، والتي فاز بها المنتخب المصري ، وكان الجوهري هداف البطولة ، لم يعزف طويلا على نغمة الزمن الجميل لكرة القدم مثلما فعل البعض ، وكان يرى أن اللاعب المصري في العصر الحديث أفضل كثيرا من لاعبي زمنه ، وقال يوما لكاتب السطور في بداية حياته المهنية " لا تصدق أن الكرة زمان كانت جميلة كما يقول البعض ، واللاعب الأن أفضل مليون مرة من لاعبي زمان " عاش الجوهري حياته ومات وهو يعشق كرة القدم ، فهو عاش فيها ومات فيها ، فعندما سقط الجوهري سقوطه الأخير يوم الخميس الماضي ، كان يحضر لمباراة الأردن وأستراليا ، بما يعني إنه مات وهو يعمل في كرة القدم ، ولم يفكر لحظة واحدة في حياته إعتزال العمل حتى بعد أن تعرض لحرب ضروس من مسؤولي إتحاد الكرة الذين يخوض بعضهم إنتخابات إتحاد الكرة الأن ، وأجبر على الرحيل من مصر عائدا للأردن ليواصل مشوراه لتطوير الكرة الأردنية التي عرفت على يديه الوصول لنهائيات كاس الأمم الأسيوية . كتب الجوهري تاريخ العديد من الأندية والمنتخبات واللاعبين الذين عمل معهم ، فقد فاز مع منتخب سلطنة عمان ببطولة كأس الخليج عام 1996 ، وقاد المنتخب الأردني لنهائيات كاس الأمم الأسيوية لأول مرة في تاريخه عام 2004 بالصين ، وصعد به لنصف نهائي البطولة قبل أن يخرج على يد المنتخب الياباني بضربات الترجيح ، وأتي للنادي الأهلي بأول بطولة لكأس الأندية الأفريقية الأبطال عام 1982 ، وحقق للزمالك أول بطولة سوبر أفريقي عام 1994. أفضل ما ينطبق على الجوهري هو المثل الشعبي " لا كرامة لنبي في وطنه " وعاش مطاردا في وطنه الكبير مصر في السنوات الأخيرة من حياته بعد أن قست عليه بلا مبرر كما فعلت مع الكثير من أبنائها ، ووطنه الصغير النادي الأهلي الذي حرم من دخوله لسنوات طويلة .... رحم الله الجنرال.