حبيبتي ... هذه هي أول رسالة أكتبها إليك من مصر التي يسمونها "أرض الكنانة" ومهد الحضارات , والتي اختاروني فيها لتدريب منتخبهم الوطني الأول لكرة القدم , متمنيا أن تكوني في أتم صحة وسعادة وراحة بال , أما بعد.. أنا بخير والحمد لله , وحقيقة لا أشعر هنا بالغربة على الإطلاق نظرا لأن مصر بلد مليء بالحياة ومنفتح على العالم الخارجي بفضل الموقع الجغرافي المتميز الذي تقع فيه , والحياة هنا تكاد تشابه الأحوال عندنا في مدن وقرى الجنوب الإيطالي , الطباع متشابهة , الأذواق متقاربة للغاية , والأهم من ذلك أن اهتمام الناس بالكرة هو ذات الاهتمام الجنوني الذي نشاهده من مشجعي الأندية الإيطالية , ولكن مع فوارق كثيرة بالطبع. بالنسبة لي شخصيا , فأنا أعامل هنا معاملة محترمة للغاية , فالمسئولون في وزارة الشباب والرياضة المصرية واتحاد الكرة يعتبرونني "المنقذ" الذي جاء من السماء لإخراج المنتخب المصري من عثراته المتتالية , لقد منحوني كل شيء , الإقامة المريحة في أحد الفنادق , وهو أفضل بكثير من البقاء في شقة سكنية مؤجرة نظرا لأن معظم الشقق في مدينة القاهرة المزدحمة جدا تعاني من مشكلات في المياه والصرف الصحي والنظافة , كما أن اتحاد الكرة يوفر لي سيارة مكيفة الهواء بسائق لديه صلاحيات نقلي إلى أي مكان أريده , والأهم من ذلك أنهم وفروا لي المترجم الذي يستطيع أن يكون حلقة وصل بيني وبين الجميع هنا خاصة وأنه يتكلم الإيطالية مثلي , كما أن اللغة العربية أصعب مما كنت أتصور , وقد صرفت النظر عن فكرة تعلمها , لكني بدأت أجيد بعض العبارات التي يستخدمها المصريون! الحياة في القاهرة صعبة للغاية , فهي مدينة لم أر مثلها في الزحام السكاني والمروري والفوضى , ولكن ميزتها أنها مدينة تعشق الحياة والسهر , الناس يحبون عبور الشوارع من غير الأماكن المخصصة لعبور المشاة , والسيارات لا تتوقف عند الإشارات الحمراء إلا إذا كان هناك شرطي للمرور واقفا بجانبها , التسيب هنا ظاهرة , والناس كثيرو الشكوى من ذلك , ولكنهم لا يفعلون أي شيء لمحاربة أي شيء , بل إنهم يشاركون في كل هذا , ولكن الحقيقة أن هذه العيوب لا تجدينها إلا في القاهرة , ففي المدن المصرية الأخرى خارج القاهرة والجيزة رأيت كل ما هو نظيف وهاديء ومنظم وجميل , وخاصة الإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد , كما أنني سمعت كثيرا عن روعة شرم الشيخ والغردقة وأتمنى أن تتاح لي الفرصة لمشاهدتها قبل أن يحدث أي شيء غير متوقع! أما عن كرة القدم في مصر , فأمرها غريب للغاية , المصريون يحبون الكرة , ولكنهم يواجهون مشكلة ثقة في قدراتهم , فهذا البلد لديه أفضل إمكانيات للعبة كرة القدم على مستوى القارة الأفريقية كلها , لديه الملاعب والاستادات والمواهب والكفاءات التدريبية والإدارية , ولديه الأندية ذات الجماهيرية الكبيرة , تخيلي إن فريقا مثل الأهلي أو الزمالك لديهما جماهير تقدر بالملايين داخل مصر وخارجها تماما مثل اليوفنتوس والميلان , بل إن هذين الناديين هما الأولى بالتشجيع في مبارياتهما مع بعض الفرق الأخرى خارج القاهرة , ولكن هناك أندية أخرى تلعب كرة قدم قوية ولديها جماهير كبيرة مثل الإسماعيلي – قاهر الكبار - والمصري البورسعيدي والاتحاد السكندري , ولكن الإسماعيلي فقط هو الوحيد القادر على المنافسة , وهو هنا يشبهونه بالبرازيل نظرا لتشابه أسلوب اللعب ولأن الفريق يرتدي نفس زي منتخب البرازيل , هل تذكرين ما فعلناه بالبرازيل في إسبانيا يا عزيزتي؟! المهم أنه رغم كل هذه الإمكانيات , فالخوف يصيب المصريين عادة عندما يواجهون أي فريق أفريقي آخر , لدرجة أنهم لديهم "عقدة" من فرق شمال أفريقيا , كما أن الفرق الأفريقية الأخرى التي تواجه الفرق المصرية تكون حريصة على أن "تقاتل" عندما تواجه فريقا مصريا , فهي نظرية الشمال والجنوب , ولهذا , فإنه من الممكن أن يفوز منتخب مصر على فريق أوروبي كبير , ثم يخسر من منتخبات مثل رواندا وإثيوبيا ومدغشقر , هل سمعتي من قبل عن هذه الدول؟ تخيلي يا عزيزتي أن فريق الزمالك بطل مصر والعرب وأفريقيا والذي يشكل لاعبوه قوام المنتخب المصري خرج من دور ال32 لبطولة دوري أبطال أفريقيا على يد فريق إسمه الجيش الرواندي , وأعقبه فريقا الإسماعيلي والأهلي , الفرق الثلاثة ظهرت بصورة رديئة للغاية , أشعر بأنني في ورطة حقيقية , ماذا عساي أن أفعل مع حارس مرمى لا يستطيع الإمساك بالكرة ؟ أو مع مدافع لا يجيد القفز في الهواء مع الخصوم ولا الالتحام معهم ؟ أو مع لاعب خط وسط لا يعرف كيف يراوغ ؟ أو مع مهاجم لا يعرف كيف يحرز هدفا؟ هؤلاء هم اللاعبون الذين يجب أن أدربهم لكي أصل بهم إلى كأس العالم!! المهم أننا وقعنا في تصفيات كأس العالم ضمن مجموعة صعبة للغاية تضم الكاميرون وكوت ديفوار وليبيا والسودان وبنين , هنا كانوا