لو كنت منصفا لاخترت عنوانا للمقال يعكس أخطاء الفراعنة أمام البرازيل والتي يجب على برادلي علاجها أو تعلمها.. لكن الانبهار المصري باسلوب عمل المدرب الأمريكي جعلني أفضل "شغل الأجانب". فحضور المباريات والتنسيق مع الأجهزة الفنية وتخصيص مؤتمرات صحفية للإعلان عن الأخبار الهامة كلها واجبات لم يرها المشجع المصري مع أي مدرب لمنتخبه من قبل، وشاهدها لأول مرة مع برادلي. طبعا لا أحد يقلل من حق برادلي، لكن الأصل في عمل المدير الفني أن هذه الأشياء حتمية، وعدم مشاهدة هذا الاسلوب الاحترافي مع أغلب المدربين المصريين عيب أصيل فيهم لا ميزة في الأجانب. برادلي أحسن باسلوبه الاحترافي، لكن هذا الاسلوب لا يقود بالضرورة لنتائج إيجابية سريعة لأنه مجرد شق واحد في مهام عمله، الذي يحتوي شخصية وإدارة وموهبة في إدارة المباريات وقيادة فريق. لهذا كانت الهزيمة أمام البرازيل طبيعية في هذا التوقيت المبكر من عمل برادلي برغم كل الجهد الذي بذله منذ تولى المسؤولية، لأن احترافيته ليست سحرا سيجعل الفراعنة يقفون على أقدامهم مجددا بهذه السرعة. ودعونا نبدأ بالأخطاء التي سيكتشفها برادلي مع تقدم الوقت والمباريات الودية والرسمية التي سيخوضها مع الفراعنة. 1) شيكابالا لا يدافع لم يرسل الجناح الأيسر للبرازيل أي عرضية بسبب تفوق أحمد فتحي الكامل عليه، لكن الظهير الأيسر للبرازيل لم يجد مشاكسا يمنعه من إرسال أربع عرضيات لمنطقة جزاء مصر، لأن شيكابالا لا يدافع بقوة. في يسار مصر قلل المحمدي كثيرا من قوة داني ألفيش، الذي أرسل عرضين فقط ودون دقة بسبب مشاكسة لاعب سندرلاند، مالم يحدث في اليمين من جانب شيكابالا. وهذا أيضا ليس عيبا في شيكابالا، لأن روبن لا يدافع أيضا بل يطغى عليه الجانب الهجومي، فقط احتاج برادلي لمشاهدة اللاعب الأسمر على أرض الواقع لتعلم تلك النقطة. 2) سليمان ليس مهاجما لم أشاهد وليد سليمان تقريبا طوال المباراة إلا حين ضرب دانيل ألفيش، وهذا لأنه لعب كمهاجم متأخر في موقع محمد زيدان وليس على الجناح كما يفضل. فنجم الأهلي يجيد على الجناح لأنه يتسلم الكرة ثم يبدأ في مواجهة خصمه وجها لوجه، وهو يجيد المراوغة، لكنه لا يجيد اللعب كمهاجم لأنه لا يتسلم كرة وهو مراقب، ولا يعرف اللعب وظهره لمرمى الفريق المنافس. وأي مدرب يمكن أن يخدع في لاعب مهاري سريع ويشركه كمهاجم، لكن برادلي احتاج للتجربة ليعرف أن سليمان ليس محمد زيدان. وليد سليمان خسر الكرة في الفترة القصيرة التي لعبها 10 مرات أكثر من زيدان والجباس مجتمعين 3) عقل الصخرة الدفاع دوما به رجل قوي يراقب رأس الحربة، وأخر ذكي يغطي على زميله. قديما كان جمعة من النوع الأول التي يدعمها عماد النحاس.. الآن بات حجازي هو العضلات، لكن مخ الصخرة يحتاج لبعض التعديل. جمعة ارتكب عدة هفوات في التغطية أمام البرازيل تجعله يحتاج لمراجعة اسلوب تحركه مع زميله في 4-4-2، أو ربما على برادلي مراقبة ذلك والعمل عليه، خاصة أننا نعرف يقينا قدرات الصخرة وذكائه الكبير. وربما الأمر كله يتعلق بالانسجام الذي سيتنامى مع الوقع بين الصخرة وحجازي.. برادلي والوقت أقدر بالإجابة على هذا. 4) المشاهدون "المدافع المصري ينظر للكرة ويترك رقيبه في العرضيات والكرات الثابتة" .. حقيقة علمية. ربما ظن برادلي أنها تحدث في الزمالك لعدم انسجام فتح الله وصلاح سليمان، أو في الأهلي لأن جوزيه يغير طريقة اللعب كثيرا .. لكنه الآن على يقين أن هذه النقطة أفة مصرية عليه علاجها أو تحمل تبعاتها. 5) محطة متعب يذكرني متعب كثيرا بكريم بنزيمة، فهو مهاجم ممتاز في التمرير مع زملائه وبناء الهجمة بالهبوط لوسط الملعب ثم التقدم خطوة بخطوة مع خط الوسط في كثافة عددية وسرعة تضرب تكتل الخصوم. لكن متعب يعيبه تماما كبنزيمة أنه ليس محطة قوية للعب تحتفظ بالكرة تحت ضغط الخصم، وهو في ذلك ينتمي لفئة من فئات المهاجمين المهاريين. لذلك حين كان دفاع مصر متأخرا أمام البرازيل، احتاج الفريق لمهاجم من نوعية عمرو زكي يستطيع تسلم الكرات الطولية، والوقوف عليها حتى ترتد خطوط الفراعنة إلى الحالة الهجومية ويصبح لدينا كثافة عددية. أما حين اعتمد منتخب مصر على الكرات الطولية في وجود زيدان ومتعب كان أغلبها من نصيب دفاع البرازيل. ومجددا، هذا ليس عيبا في متعب، خاصة أنه لم يحصل على الكرة كثيرا من الأساس، لكنها نقطة يجب أن يعرفها برادلي عن مهاجمي مصر متنوعي الاسلوب والقدرات. أما عن أخطاء برادلي التي لا علاقة لها بالوقت: 1) القدم العكسية لا يحتاج القارئ لإطلاعه على أن القدم العكسية تزيد الفاعلية الهجومية للفريق لأن اللاعب الأعسر مثلا حين يدخل من اليمين إلى العمق تكون قدمه اليسرى كاشفة للمرمى بشكل أفضل. لكن حين يكون شيكا مطالبا بالدخول للعمق، وأحمد المحمدي بالمثل يدخل للعمق، ستكون النتيجة الطبيعية أن المساحات تضيق جدا على منتخب مصر أثناء هجومه، ما يسهل مأمورية دفاع البرازيل بشكل كبير. لذلك من الضروري حين تعتمد على لاعب يستخدم قدمه اليسرى فقط في ناحية اليمين، ان يكون اللاعب المقابل له على الجبهة الأخرى قادر على فتح الملعب وإرسال العرضيات بقدمه اليسرى. روبن أعسر يلعب ناحية اليمين في بايرن، ويقابله ريبري الذي يجيد إرسال العرضيات بكلتا قدميه.. وفي ريال مدريد الجبهة اليمنى بها الأعسر دي ماريا، ويسارا يوجد رونالدو الذي يلعب بقدميه بالكفاءة نفسها. كان على برادلي استخدام شيكابالا يمينا، ووضع وليد سليمان يسارا، أو المحمدي يمينا مع تكليف زيدان بالناحية اليمنى ومنح شيكا حرية اللعب في العمق. أو على أقل تقدير كان باستطاعة برادلي أن يبدل بين شيكا والمحمدي من آن لآخر، خاصة وأن داني ألفيش ليس اللاعب نفسه الذي يجتاح الجبهة اليمنى لبرشلونة لأنه يعي أن وسط هذا البرازيل ليس قويا كالبلوجرانا. 2) لوكاس ليفا يبدو من سيطرة برادلي على داني ألفيش أنه درس هجوم البرازيل جيدا لإيقافه، لكن ربما لم يدرس دفاع السليساو لاختراقه بالكفاءة ذاتها. فلوكاس ليفا لاعب وسط البرازيل وليفربول قوي بدنيا، لكن يعيبه أنه لا ينتج تمريرات طولية وبينية جيدة لرفاقه لأن الواجبات الدفاعية تغطى على اسلوبه، ولا يمرر بسرعة ودقة تحت ضغط الخصم. لكن عدم ضغطنا عليه بأي لاعب نتج عنه أن لوكاس ليفا أرسل كما غير عادي من التمريرات السليمة، القصيرة منها والطويلة. 3) حسام غالي مميزات غالي وحسني تكمن في قدرة الثنائي المهاري والمبدع على التمرير والمساهمة في الهجمات، إلا أن إمكانيات كل منهما في استرجاع الكرات من الخصم أقل كثيرا من لاعب مثل إبراهيم صلاح. وغياب الارتكاز الدفاعي القوي الذي يسترجع الكرة سريعا للاعبي مصر أدى إلى استحواذ كامل للبرازيل على الكرة، ما نتج عنه تراجع تام للفراعنة. فالفريق الذي لا يستخلص الكرة من خصمه يضطر للدفاع عن مرماه باسلوب التكتل القديم، فكانت النتيجة أن منتخب مصر كان متراجعا جدا وبعيدا كل البعد عن مرمى البرازيل. أخيرا، يحتاج برادلي لوقت لتصحيح ما لن يظهر له في طباع اللاعبين إلا من خلال المباريات، ونحتاج نحن لوقت قبل الحكم على الأمريكي، لأنه ارتكب أيضا أخطاء خططية لا علاقة لها بضيق وقت عمله في مصر.