بعيدا تماما عن السياسة، إذا افترضنا جدلا أن ما فعله أحمدعيد من اعتداء علي اللاعب الجزائري كان "نرفزة ملعب" وأنه بشر معرض للخطأ (وإن لم تكن أول مرة)، فإن التعامل مع الموقف من قبل الإداراة العسكرية بالعفو التام عن اللاعب يستحق أن يوصف بالكارثي. إنه ليس مجرد قرار غير مسئول قد يمر مرور الكرام ويٌنسي كالعديد من القرارات الخاطئة التي اعتدنا عليها داخل الوسط الرياضي وخارجه، ببساطة لأنه لم يصدر من جهة رياضية فحسب، إنه جاء من جهة تنتسب إلي المنظومة الحاكمة للبلد في الوقت الحالي. العذر بأن لاعبي مصر تعرضوا لاستفزازات غير عادية من الجزائريين و أن "أي لاعب مكان عيد كان سيتصرف مثله" سيعطي الحق لأي لاعب علي كل المستويات أن يستخدم العنف وأن يفعل مايحلو له عند الاصطدام بخصم عنيد. إنه ليس عفوا علي سبيل المسامحة، بل إنه بمثابة موافقة أو تقرير بأن التصرف بهذا الشكل مسموح به عند التعرض لأي استفزاز داخل الملعب، ضاربا بعرض الحائط كل مبادئ الرياضة، فضلا عن التجاهل التام لأصول العسكرية. أولا: منتخب مصر العسكري، الذي يتباهي مسئولوه دائما بلقب بطل العالم، يمثله نخبة من أفضل لاعبي الدوري الممتاز أمثال الثلاثي الدولي شيكابالا وعيد وأحمد حسن مكي، حيث يواجه هؤلاء "المحترفين" مجموعة من العساكر من دول أخري! فالأمر لا يحتاج لتعليق أمام حجة أن اللاعب الدولي الذي يمتلك خبرات اللعب في أعلي المستويات غير قادر علي ضبط النفس أمام "الإستفزازات غير العادية" من عساكر الخصم و"الضغط العصبي" للمباراة النهائية، بحسب تعبير المدير الفني المصري! ثانيا: المنتخب العسكري ليس مجرد فريق رياضي يشارك في بطولة دولية، فبطبيعة الحال كلمة "عسكري" مرتبطة ارتباط وثيق بالانضباط، لذلك فإن التعامل مع موقف عيد علي إنه "تصرف عادي" يعكس اتجاه خطير لسلوك الجندي المصري قبل اللاعب المصري. ثالثا: لماذا لم يصدر هذا التصرف من أي لاعب آخر غير أحمد عيد؟ ولا حاجة لسرد مواقف سابقة لنجم حرس الحدود إذ أنه لا خلاف علي سلوكه المثير للجدل كما إنه لا خلاف علي موهبته كلاعب. في تصريح بارد، ادعي المدير الفني للمنتخب العسكري أن تصرف عيد كان ردة فعل لبصق أحد لاعبي الخصم علي وجهه، فإذا افترضنا أن اللاعب الجزائري اختار عيد دونا عن كل لاعبي مصر وأنه قرر البصق في وجهه بدون أي سبب وأنه ترك المباراة ودأب علي السباب طول ال90 دقيقة بدون أي رد من عيد (وهو أمر مستحيل)، فيبقي السؤال: هل يكون الرد علي هذا بركلة "كونغ فو" قاصمة للظهر؟! رابعا: النظر إلي ما فعله عيد علي انه "رجولة وجدعنة" أمر صادم، ببساطة لأن الضرب من الظهر هو أبعد ما يكون عن الرجولة أو الجدعنة، حتي لو كانت "خناقة" في الشارع! كلهم بيكرهونا! إنه لأمر ملفت للنظر أن المقولة الشهيرة التي تدعي بأن دول شمال إفريقيا خاصة الجزائريين "بيكرهوا مصر" لم تظهر في الأفق إلا من خلال الميادين الرياضية. والتفسير المنطقي لدخول هذه الفكرة الفاسدة إلي عقول الكثير من المصريين هو أن المشجع المصري قد لا يري المواطن الجزائري أوالتونسي أوالمغربي إلا عن طريق مباراة كرة قدم، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن دول شمال إفريقيا تتسم بالحماس المبالغ فيه عندما يتعلق الأمر بالمنافسة الرياضية. هذا السلوك، وإن كان غير محمود، فإنه عام وينعكس علي منافساتهم المحلية باعتراف الكثير منهم ولذلك فإن المشكلة ليست في كرههم لمصر...فعلي سبيل المثال شهد احتفال الجزائر بالتأهل لمونديال 2010 أكثر من 15 حالة وفاة! الشاهد أن من يتعامل مباشرة مع جزائري أومغربي أوتونسي سيجد أنهم يكنون كل الاحترام والحب لمصر وإن لم يظهر ذلك في المنافسات الرياضية. لذلك فإن اللاعب الدولي "المحترف" لابد وأن يعي أن أي تصرف طائش منه قد يكون له أثر سلبي علي العلاقات بين أبناء الشعوب، خاصة مع الشعبين المصري والجزائري العاشقين لكرة القدم.